الـ«سي آي ايه» تقرّ بنكستها اللبنانية وتنفي وقف عملها في بيروت
أقرت وكالة الاستخبارات المركزية (سي أي ايه) للمرة الأولى أمس بأن عملياتها في بيروت تعرضت لنكسة بعد كشف كل من «فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي و«حزب الله» عن مخبرين يعملون لمصلحتها خلال الصيف الماضي، لكنها نفت ما ذكرته وسائل إعلام أميركية عن أن محطتها في لبنان أوقفت عن العمل وجرى الاستغناء عن مخبريها.
وقال مسؤول أميركي إن «التجسس كان على الدوام عملا محفوفا بالمخاطر. جمع المعلومات عن خصوم يحاولون بقوة كشف الجواسيس في صفوفهم سيكون دائما محفوفا بالمخاطر. الكثير من المخاطر التي تؤخذ بعيون مفتوحة تؤدي إلى مكاسب، لكن ليس هناك ضمانات. لهذا السبب بالضبط مكافحة الإرهاب الآن وستبقى دائما حاسمة لتحقيق النجاح».
وأضاف المسؤول ان مدير وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بتراوس يشدد «على الدور الرئيسي لمكافحة الإرهاب حتى في الفترة القصيرة» منذ توليه منصبه الجديد. واعتبر انه يمكن «التخفيف من حدة المخاطر، لكن لا يمكن إزالتها كلها. البديل، أي عدم القيام بأي شيء، أمر غير مقبول».
وتابع المسؤول الأميركي «حزب الله عدو شديد التعقيد. تذكر أن هذه المجموعة مسؤولة عن قتل أميركيين أكثر من أي مجموعة إرهابية قبل 11 أيلول 2001. هي مجموعة إرهابية مصممة، ولاعب سياسي قوي وقوة عسكرية جبارة ومنظمة استخباراتية حققت إنجازات هائلة وشرسة. لا أحد يقلل من قدراتها».
وقال المسؤول الأميركي إن الحديث عن وقف أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية في بيروت «كلام فارغ»، مضيفا «لنضع هذا الحادث في إطاره الصحيح. لقد شهد العامان الماضيان أيضا عددا من النجاحات من قبل الوكالة. الكثير من قادة القاعدة، بمن في ذلك أسامة بن لادن وعطية عبد الرحمن والشيخ سعيد المصري وآخرون كثر أُزيلوا من ساحة المعركة. الوكالة أدت أدواراً رئيسية في التفاوض على تبادل الجواسيس الروس المقيمين بشكل غير شرعي والعاملين في الولايات المتحدة، وفي كشف منشأة إيران النووية في قم. وتلك ليست سوى الانجازات التي يمكن للناس أن تعرفها».
وجاء هذا التصريح على خلفية تقارير إعلامية أميركية تطرقت إلى هذه المسألة. وذكرت وكالة «اسوشييتد برس»، نقلا عن مسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، أن الوكالة جهدت في الأشهر الأخيرة لحماية مخبريها في لبنان قبل وصول «حزب الله» إليهم، وانه ليس معروفا بعد ما إذا سيحاسب أحد في الوكالة على هذا الفشل الاستخباراتي، وما إذا كان سيؤثر كشفه على قدرة الوكالة على تجنيد المزيد من المخبرين.
وتحدث التقرير عن «وحدة لمكافحة التجسس» بدأ «حزب الله» العمل بها منذ العام 2004، وهي تقوم بتحقيقاتها عبر وسائل تقنية تتضمن برامج كمبيوتر تتمكن من إيجاد المخبرين في صفوف الحزب، وعبر مراجعة بيانات الخلوي وعزلها في محيط السفارة الأميركية في عوكر.
وهذه الجهود، بحسب التقرير، تتطلب سنوات من العمل لكن «حزب الله»، وبعده الحكومة اللبنانية، بدأوا بالتوقيفات التي طالت حوالى 100 شبكة تجسس إسرائيلية، ما أثار قلق وكالة الاستخبارات الأميركية، بحيث بدأت التعامل والتواصل بحذر مع مخبريها في لبنان، وتم اقتراح توصيات لإيجاد بديل للمشكلة القائمة.
وذكر التقرير انه لم يُعرف ما هي الإجراءات التي اتخذها مكتب الوكالة في بيروت في هذا الخصوص، لكنها على كل حال «لم تكن كافية»، ما أثر على أداء الوكالة، بحيث لم تكن تعمم أسماء المخبرين على كل المعنيين بالملف حفاظا على هوية المخبر.
المسؤولة عن وحدات عمليات «حزب الله» في الوكالة، التي يشمل عملها إيران وفلسطين، تقاعدت قبل فترة بعد خمسة أعوام في منصبها وخلفتها سيدة متمرسة في العمل الاستخباراتي عملت في مناصب مهمة في موسكو وجنوب شرق آسيا وأوروبا والبلقان.
وذكرت صحيفة «لوس أنجلس تايمز» أن «محطة بيروت خارج العمل»، وهذا ما نفاه مسؤول أميركي لـ«السفير». وتحدث تقرير الصحيفة عن زيارة قام بها رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايك روجرز إلى بيروت لمقابلة مسؤولين في الوكالة لبحث كشف عمل المخبرين. ونقل التقرير عن مصدر أنه تم توقيف المخبرين من قبل «حزب الله» والسلطات اللبنانية بعد اجتماع أجروه مع عناصر للوكالة في مطعم «بيتزا هات»، لكن مسؤولين أميركيين نفوا هذه الرواية في التقرير ذاته.
ما كشفه الإعلام الأميركي أمس عن تعطيل لدور وكالة الاستخبارات في لبنان ليس جديداً، لكن للمرة الأولى تقر الوكالة بهذا الأمر، بعد نفي متكرر من السفارة الأميركية في بيروت أو امتناع عن التعليق. لكن الجديد هو في توقيت هذا الإقرار لوكالة الاستخبارات، لا سيما بعد الاجتماعات المتكررة الأخيرة بين السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيلي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي بدأت تحت إشرافه عمليات تفكيك شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان منذ بداية العام 2009. القراءة الثانية في التوقيت انه أصبح بوسع وكالة الاستخبارات تسريب هذه القصة ربما بعد تأكدها من سلامة مخبرين آخرين يعملون لمصلحتها أو في محاولة لإخراج القضية إلى العلن لمعرفة مصير العنصرين في «حزب الله» اللذين كانا يعملان لمصلحتها، لا سيما أن قيادة الحزب متكتمة عن مصيرهما، وعن التحقيق الذي أجري معهما.
القصة بدأت في 11 حزيران الماضي عندما صرح رئيس تكتل «التيار الوطني» العماد ميشال عون، بعد لقاء قيادات من «حزب الله»، «سنلوي ذراع الاستخبارات الأميركية في لبنان كما لوينا ذراع إسرائيل». وفي 25 حزيران، أقر الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بصحة التقارير عن توقيف «جواسيس» في صفوف الحزب، بينهم اثنان على علاقة بوكالة الاستخبارات المركزية، ووصف السفارة الأميركية بأنها «وكر جواسيس».
بعدها زارت كونيلي عون في الرابية في 29 حزيران الماضي، وقالت بعد اللقاء إنها أثارت معه «هواجس متعلقة باتهامات شريكه في التحالف ضد السفارة الأميركية». هذا اللقاء بين عون وكونيلي، بحسب معلومات حصلنا عليها قبل فترة، كان متشنجاً، وأوصلت فيه كونيلي رسائل إلى «حزب الله» واعتبرت أن هذه مسألة حساسة لا يمكن اللعب بها.
طبعا هناك سياق آخر لهذه المسألة، وهي مسألة عالجتها «السفير» قبل فترة في تقرير حول تقييم الإدارة الأميركية لتجربة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في الحكم، وبالتحديد دور «فرع المعلومات» في كشف شبكات تجسس بأنظمة اتصالات ومعدات أميركية حصلت عليها قوى الأمن الداخلي بعد مواجهات مخيم نهر البارد في العام 2007 لتعقب «فتح الإسلام» ومجموعات تابعة لتنظيم القاعدة. وعلمنا انه كان هناك في الأشهر الأخيرة مذكرة داخلية من مكتب المنسق الأميركي لمكافحة الإرهاب السفير دانيال بنجامين إلى وزارة الخارجية تحدثت عن هذه المسألة تحديدا، لكن عندما سألنا امتنع مكتب بنجامين «عن مناقشة مسائل استخباراتية». كما ذكر تقرير «لوس أنجلس تايمز» أن مكتب الوكالة في بيروت تلقى تحذيرات من أن هذه المعدات الالكترونية يمكن أن تستخدمها السلطات اللبنانية لتعقب عملاء الوكالة، لكن مدير مكتب الوكالة في بيروت تجاهل هذا التحذير قائلا «اللبنانيون أصدقاؤنا، لن يقوموا بهذا الأمر».
جو معكرون
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد