العطش رفيق الحلبيّين الدّائم
منذ أواخر عام 2012 بدأت معاناة سكان محافظة حلب من جراء الحرب السورية تأخذ شكلاً جديداً. صار الجميع عرضةً لمخاطر طاولت أبسط مقومات الحياة، وعلى رأسها مياه الشرب.
خلال العامين الأخيرين راحت الأوضاع على هذا الصعيد تنحو منحى كارثيّاً، لتصبح حياة السكان عبارةً عن مراحل طويلة من انقطاع المياه، تتخللها محطات قصيرة تعود فيها المياه إلى مجاريها قبل أن تعاود الانقطاع. تعتمد مدينة حلب على قناة أُنشئت لجرّ المياه من نهر الفرات. تُعالَج المياه أوليّاً في محطة الخفسة (شمال شرق مدينة حلب، تابعة لمنبج وهي تحت سيطرة تنظيم «داعش»). بعدَها تُضخّ المياه المُعالجة إلى محطة سليمان الحلبي (في القسم الشرقي من المدينة، وتخضع لسيطرة «جبهة النصرة»). تعالج المياه مجدداً وتضخ إلى الخزانات العامة حيث تعالج مرة ثالثة لتضخ إلى البيوت عبر الشبكة العامة لمياه الشرب. ومن أجل إنجاز عمليات المعالجة والضخ، لا بدّ من التيار الكهربائي. لكنّ الخريطة المعقدة تجعل أي طرف من الأطراف قادراً على القيام بإجراء يؤدي إلى قطع الكهرباء، وبالتالي توقف ضخ المياه. بطبيعة الحال، إنّ أي عملية إصلاح تقتضي التنسيق والحصول على موافقة جميع الأطراف على الأرض. مع كل انقطاع دأبت بعض المنظمات غير الحكوميّة وبعض المبادرات المحليّة على التصدي لمهمة التنسيق والوصول إلى اتفاقات تتيح عودة التغذية الكهربائية، وبالتالي ضخ المياه. لكنّ هذه الاتفاقات عادة ما تكونُ هشّة بسبب صعوبة إلزام الأطراف بها، فلا يحتاج انهيار أي اتفاق إلى أكثر من دقائق معدودة يُخلّ عبرها أحد الأطراف بالتزاماته، بينما يتطلّب الوصول إلى اتفاق جديد فترات طويلة من المساعي والوساطات الشاقّة. خلال مراحل الانقطاع الطويلة اعتاد السكان تعويض احتياجاتهم من المياه عبر التزوّد بها من المناهل والآبار العامة المتوافرة. وعلاوة على أن هذه المياه غير كافية لسدّ النقص، فإنّ مياه كثير من الآبار قد تكون غير صالحة للشرب بسبب وجود جزئيات معادن مضرة فيها (كالرصاص والزئبق)، وقد تكون ملوثة جرثوميّاً. كذلك إن احتمالات تلوث الآبار نتيجة تسرب مياه الصرف الصحي إليها قائمة دائماً. كذلك، إن نقل المياه عبر الصهاريج، ومن ثمّ الأواني البلاستيكية يجعلها عرضةً لتلوّث إضافي. ونتيجةً لغياب الرقابة الناجعة، لوحظَ في كثير من المناطق أن عدداً من الصهاريج التي يبيع أصحابها المياه للسكان هي صهاريج كانت تُستخدم لنقل المازوت.
صهيب عنجريني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد