العراق: بلورة «خريطة طريق» للخروج من الأزمة توازياً مع بيان جديد لـ«المرجعية»
قد تكون الأزمة المفتوحة التي يعيشها العراق بفعل التظاهرات المطلبية المستمرة منذ مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على وشك الحلحلة. تقدير ينبئ به تأكيد مصادر سياسية عدة بلورة «خريطة طريق» للخروج من الأزمة، توازياً مع بيان جديد لـ«المرجعية» ظهر أنه يحدّد معالم الحلّ المطلوب بالاستفادة من «فرصة فريدة للإصلاح»، وتحت طائلة موجة غضب جديدة «لن ترحم أحداً». البيان، الذي استُهلّ بالإشادة بـ«الصور المشرقة» التي برزت على مدى الأيام الماضية، جدّد المطالبة بمحاسبة القتَلة والمسؤولين عن سقوط هذا العدد من الضحايا، في تلميح من «المرجعية» إلى أنها غير مقتنعة بالتقرير الصادر عن لجنة التحقيق الخاصة بضحايا التظاهرات. وتطرّق البيان إلى نقاط رئيسة خمس، أولاها التأكيد أن «القوى السياسية أمامها فرصة فريدة للاستجابة لمطالب المواطنين وفق خريطة طريق يُتفق عليها، وتُنفّذ في مدة زمنية محددة»، وذلك لـ«وضع حدّ لحقبة طويلة من الفساد والمحاصصة... من دون مماطلة أو تسويف، لما فيه من مخاطر كبيرة على البلاد».
هذه الدعوة تُفسّر بضرورة «إحداث صدمة إيجابية سريعة»، عن طريق إصلاحات جذرية تُفنّدها مصادر سياسية مطّلعة على الشكل الآتي:
1- إنتاج قانون انتخابي جديد يمنح المستقلين تمثيلاً أكبر، بعيداً عن التحالفات الحزبية الواسعة .
2- تغيير «المفوضية العليا للانتخابات»، بوصفها جزءاً أساسياً من منظومة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة.
3- محاسبة الفاسدين وتقديمهم للمحاكمة، وإلغاء «حلقات الفساد» أو المجالس والإدارات الرسمية، الخاضعة للمحاصصة الطائفية والحزبية، كـ«مكاتب المفتشين العموميين» و«مجالس المحافظات» وغيرها، والتي تشكل مورداً مالياً كبيراً للأحزاب والمنتفعين.
4- إجراء تعديل جذري في التشكيلة الحكومية، يطال أكثر من نصفها، واستبدال الوزراء الحاليين بوزراء تكنوقراط شباب دون الـ 50 عاماً.
5- إجراء إصلاحات فورية على صعيد الفريق الخاص برئيس الوزراء، وتحديداً ديوان الرئيس والأمانة العامة للمجلس، والابتعاد في التعيين عن منهج المحاصصة واسترضاء القوى السياسية.
6- وقف التعيينات على قاعدة «التهريب» أو «البيع»، أو الارتهان لإرادة القوى السياسية (ثمة 6 آلاف موقع شاغر حالياً)، إذ إن الخضوع للعقلية الحاكمة في التعيين سيرتدّ سلباً على الحكومة ورئيسها تحديداً، إن اتبع آلية تقسيمها على الأحزاب والقوى.
تلك الإصلاحات، تنتظر النجف، وفق المصادر، تنفيذها، فيما سيترقّب الشارع أيّ انزلاقة في العمل عليها حتى يعيد الزخم إلى احتجاجاته. أما القوى السياسية، وعلى رأسها «تحالف الفتح»، فتؤكد التزامها رؤية «المرجعية»، توازياً مع دعم الحكومة لتنفيذ حزمة الإصلاحات التي أطلقتها وفق جداول زمنية محدّدة. وفيما توضح مصادر أن المهلة الزمنية لمراقبة الأداء الحكومي «لن تتجاوز الأشهر الثلاثة»، فهي تقدّر أن «المرجعية» والشارع على السواء لن ينتظرا أكثر «إذا التمسا أي تكلؤ أو تباطؤ أو تسويف في تنفيذ الوعود الإصلاحية»، مضيفة إنه «لن تكون هناك فرصةٌ ثانية... هذه هي الفرصة الأخيرة، وأيّ تأجيل ليس من مصلحة الحكومة أو رئيسها»، والإصلاح «الجذري» سيكون ضمانةً لديمومتها، أما «العجز» فإشارةٌ إلى العودة إلى الشارع، ومنح الأخير خيارات مفتوحة في سقف المطالب، مع انحياز «النجف» إليه، وتبنّي سقوفٍ «قد تقلب الطاولة على الجميع».
النقطة الثانية في بيان «المرجعية» شددت على ضرورة الحفاظ على سلمية الاحتجاجات، داعية إلى «توجيه القلّة التي تتعرّض للقوات الأمنية والممتلكات العامة والخاصة إلى الكفّ عن ذلك»، فيما بدا لافتاً تحديد البيان نوعية المتظاهرين بـ«العراقي البالغ الكامل»، ما فُهم منه رفض إشراك طلّاب المدراس في التظاهرات القائمة، فـ«المشاركة ليست ملزِمةً لأحد... وليست مثاراً لتبادل الاتهامات بين المواطنين». وإذ حمّلت «المرجعية» أطرافاً وجهات داخلية وخارجية مسؤولية «ما أصاب العراق من أذى»، مشيرة إلى أن تلك الأطراف «تسعى اليوم الى استغلال الحركة الاحتجاجية لتحقيق بعض أهدافها»، فهي حضّت المشاركين على «الحذر الكبير من أي استغلال أو اختراق لجمعهم وتغيير مسار حركتهم الإصلاحية». وختم البيان بالإشادة بالقوات المسلحة و«الحشد الشعبي» (من دون أن تُسمّيه)، ما دفع بالأخير إلى الردّ على ذلك بالقول إن «أبناءكم ملتزمون أشدّ الالتزام بكلّ ما يصدر من توجيهات، وداعمون للمطالب المحقّة».
إزاء ذلك كله، يبدو أن العراق أمام استحقاق مفصلي، من شأنه التأسيس لمرحلة جديدة من عمره الحديث. إذ إن أي فشل في إثبات القدرة على الإصلاح قد يضع الحكومة والقوى الداعمة لها على محكّ أصعب مما تمرّ به حالياً، حتى لو استطاعت امتصاص الغضب حتى صيف 2020 على أبعد تقدير.
الأخبار
إضافة تعليق جديد