الظاهرة الدعوية والمداخل الممكنة للعنف

14-06-2015

الظاهرة الدعوية والمداخل الممكنة للعنف

تمثل ظاهرة «الدعاة المستقلين» إحدى مكونات التيار الإسلامي، وتعد من الظواهر التي انتشرت في المنطقة العربية مؤخراً، وبات بعض رموزها يمارسون دوراً بارزاً في توجيه بعض الشباب من الدول العربية نحو العنف، تارة بدعوتهم الى الذهاب إلى مناطق الحرب والقتال على غرار سورية، تحت شعار «الجهاد» و «الدفاع عن الإسلام»، وتارة بحضهم على التظاهر ضد أنظمة الحكم القائمة تحت عنوان «الدفاع عن الشرعية». وعلى رغم أن معظم «الدعاة المستقلين» يتبنون النهج السلفي من الناحية العقائدية، إلا أنهم لا يلتزمون بتيار سلفي محدد، وهذا ما يجعلهم متمايزين عن ما يسمي بـ «الدعاة الجدد» الذين لا ينتمون غالباً إلى النهج السلفي، في شكل ساهم في زيادة تأثيرهم على فئة الشباب من الناحية الفكرية، لا سيما في ظل إجادتهم العلوم الشرعية بصورة جيدة.

تتسم هذه الظاهرة بقدر من التعقيد، فرغم أن الاستقلالية إحدى السمات المميزة لهذا النمط من الدعاة، لا سيما أنهم لا ينتمون الى المؤسسات الدينية الرسمية، أو إلى أىٍ من التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، حيث يعمل الداعية المستقل في مجال الدعوة الإسلامية بمفرده وبأفكاره ورؤيته التي كوّنها بنفسه، إلا إنها رغم ذلك تحمل بين طياتها توجهات متباينة عدة يصعب الفصل بينها، فرغم كون معظم الدعاة المستقلين يتبنون النهج السلفي، إلا أن بعضهم يميل إلى الفكر «الجهادي» ويحرض الشباب على الذهاب إلى «مواطن الفتن والقتال».

بعض هؤلاء الدعاة يدعو في شكل واضح إلى البعد عن السياسة بأشكالها المختلفة، إلا أن ذلك لا ينفي أنهم يناصرون التيارات الإسلامية التي تصل إلى الحكم ويدعون إلى الدفاع عن شرعيتها، وهو ما يجعل هذه الظاهرة تجمع، في الغالب، بين أكثر من توجه في آن واحد.

يمارس بعض رموز الدعاة المستقلين الذين أصبح لهم وجود واضح وملحوظ على الساحة الدعوية في المنطقة، دوراً واضحاً في توجيه قطاعات من الشباب إلى العنف والتطرف، وإن كان ذلك يتم بطريق غير مباشر، من خلال آليات ووسائل عدة منها تبني الخطاب «الصدامي»، الذي يتناقض مع الخطاب الديني الرسمي الذي تتبناه المؤسسات الدينية الرسمية وعلماؤها، بخاصة في القضايا التي تتعلق بالحكم وطاعة «ولي الأمر»، وهو ما يخلق حالة من البلبلة الفكرية والتشتت داخل المجتمع وبخاصة لدى شريحة الشباب، مما يدفع بعضهم إلى التشدد الفكري والفقهي والانضمام إلى التيارات المتطرفة، على غرار ما يسمى تنظيم «الدولة الإسلامية».

ويحاول هؤلاء الدعاة استغلال التوجيه الأيديولوجي غير المباشر، عبر تأثيرهم على الشباب وتقبلهم لخطابهم غير التقليدي، في دفعهم لتبني توجهات أيديولوجية معينة، على غرار اعتراض عدد من الدعاة المستقلين في مصر وخارجها على إسقاط حكم الإخوان المسلمين، بعد ثورة 30 يونيو 2013، ودعوتهم الشباب إلى مناصرتهم والدفاع عن وجودهم في الحكم، من خلال التظاهر والاعتصام، تحت دعوى أنهم كانوا سيحكمون بالشريعة ويعيدون «الخلافة الاسلامية».

والحال أن هذه الظاهرة التي تعد جديدة في المنطقة العربية في ظل انكفاء دور المؤسسات الدينية الرسمية وضعف تأثيرها على الشباب تساهم في خلق جيل أكثر تشدداً من خلال الخطابات التي يتبنونها، حيث يحضون الشباب المتأثر بأفكارهم وخطابهم على التوجه الى البؤر «الجهادية» و «مناطق الفتن» مثل سورية للمشاركة فى القتال، وهو ما يمكن أن يساهم في خلق جيل جديد في المنطقة، في شكل يعيد إلى الأذهان ظاهرة «العائدين من مناطق الجهاد» من جديد بعد أن كانت بدأت تتوارى فى الفترة الأخيرة، كما أن بعض الدعاة أصبحوا يمثلون «البوابة الخلفية» للتنظيمات «الجهادية»، من خلال الدفاع غير المباشر عن هذه التنظيمات، ودعوة الشباب للالتحاق بها، تحت مسمى «المشاركة في الجهاد».

الوسيلة الفضلى لهؤلاء الدعاة الذين يدعون الاستقلالية تتمثل في مواجهة المخالفين ولا سيما المؤسسات الدينية بسلاح الاتهام والولاء لأجهزة الدولة وتبعيتها لمؤسساتها، فهم يفرضون ضغوطاً على المرجعية الدينية من خلال تشويه صورة العلماء الرسميين، الذين يختلفون معهم في شكل دائم، وهو ما يمكن أن يدفع الشباب إلى فقد الثقة في كبار العلماء، وربما يكون ذلك مقدمة لالتحاق بعضهم بالتنظيمات الجهادية، التي يظن أنه سوف يجد فيها «المرجعية الحقيقية»، والتي تمثل «الإسلام الصحيح».

مستقبل ظاهرة «الدعاة المستقلين» أصبح مرتبطاً في شكل كبير بمدى قدرة المؤسسات الدينية الرسمية على استعادة دورها القيادي والتوجيهي لدى الشباب في المنطقة، ونجاحها في تجديد خطابها الديني، وتبني رؤية تتوافق مع متطلبات الواقع ومتغيراته، ومناقشة العديد من القضايا الرئيسية التي تحظى باهتمام خاص مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى تتمكن من تكريس دورها كـ «مرجعية دينية»، ويجب دعم مؤسسات التعليم الديني لتقف مرة أخرى في وجه من يحاول استغلال الدين لمصالح سياسية ومآرب حزبية معينة، بعد أن ساهمت «الدولة الوطنية» بقصد أو من دون قصد في إضعاف دور هذه المؤسسات مجتمعياً وضعضعة روابطها الرمزية في عقول ونفوس المتدينين العاديين، حتى عاد الانتماء إلى واحد من تلك المؤسسات «سبة» تلحق المنتسب او المنتمي الحريص على نهل العلم الشرعي من منابعه الأصيلة.

هشام منور

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...