الضباب السياسي المصري يعيق الحل
أظهرت جولة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون في القاهرة، ولقاءاتها المكثفة بمختلف القوى السياسية المصرية، أن الأرضية ليست مهيأة بعد للمضي في طرح مبادرة شاملة لحل الأزمة السياسية، فالوزيرة الأوروبية مازالت في مرحلة بناء الثقة، ومواقف مختلف الأطراف متباعدة، وثمة تباين في مواقف أطراف «العهد الجديد» قد يؤثر على إيقاع الحل السلمي.
وعلى الرغم من أن الوزيرة الاوروبية أحاطت نتائج مباحثاتها مع القوى السياسية في مصر بقدر من الغموض والضبابية، فاكتفت بالحديث عن خطوط عريضة لأفكار قد تكون النواة لمبادرة أوروبية لحل الأزمة، وهي تلحظ بشكل أساسي، كما تبدّى من التصريحات العلنية والتسريبات الإعلامية، وضع «خريطة طريق» جديدة تضمن مشاركة تيار الإسلام السياسي في العملية الانتقالية، وتجنب الشارع المصري مزيداً من إراقة الدماء، وهو ما فسّره البعض على أنه بمثابة مسعى أوروبي مدعوم من قبل الولايات المتحدة، لتوفير «خروج آمن» للرئيس المعزول لـ«الإخوان».
مصادر مطلعة أكدت لـ«السفير» أن نائب رئيس الجمهورية للعلاقات الدولية محمد البرادعي طرح، خلال اجتماع مجلس الدفاع الوطني قبل أيام، حلاً قريباً مما حملته آشتون، وأنه أعاد التأكيد خلال لقاءاته معها، واتصالاته مع مختلف الأطراف، على «الترحيب بأي جهود من قبل المجتمع الدولي لمساعدتنا كي نصل إلى الطريق السليم والمصالحة الوطنية».
في المقابل، فإنّ أطرافاً أخرى، من بينها القوات المسلحة، لديها رؤية مختلفة للحل،
فقد نسبت صحيفة «الوطن»، أمس، إلى «مصادر مطلعة» أن القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي أكد لآشتون أن «القوات المسلحة لن تسمح بالتدخل في الشؤون المصرية».
وبينما يصّر البرادعي على الحل السلمي، ويرفض فض الاعتصامات بالقوة، ويطالب – لا بل يشترط - أن تشمل خطة «خريطة الطريق» مشاركة من الأحزاب الإسلامية، وبخاصة جماعة «الإخوان المسلمين» و«حزب الحرية والعدالة» و«حزب النور» السلفي، فإن أطرافاً أخرى تدعو إلى المضي قدماً في المرحلة الانتقالية من دون أي اعتبار لأي قوى سياسية معارضة لـ«خريطة الطريق».
من جهتها، أكدت آشتون إنها جاءت لـ«مساعدة مصر»، و«الحديث مع الفصائل المختلفة لحل الأزمة الراهنة».
وقالت آشتون، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع البرادعي، «يعلم الجميع أنني تشاورت مع جميع الفصائل من بينهم السيسي والبرادعي وحزب النور وحركة تمرد وأحزاب أخرى، وعلى وجه التحديد اجتمعت مع حزب الحرية والعدالة والرئيس المعزول محمد مرسي، وكانت رسالتي للجميع أن الشعب المصري العظيم يحتاج إلى التقدم إلى الأمام بسلام، وأي عنف يجب أن يتوقف، فضلاً عن ضرورة جلوس جميع الفصائل للحوار، ووضع خريطة طريق شاملة للجميع كخريطة مثلى، ما يعني تحدياً كبيراً يجب العمل عليه من الآن».
ولفتت آشتون إلى أنها «ستترك وفداً من الاتحاد الأوروبي في مصر لخدمة هذه القضية»، مشيرة إلى أنها ستأتي مرة أخرى إلى مصر.
وأضافت إن «قادة مصر يجب أن يتخذوا القرارات في مصلحة هذا البلد العظيم»، معربة عن تفاؤلها تجاه حل الموقف الراهن في مصر. ورأت أن «التحدي الحالي هو إيجاد طريق للتواصل بين الأطياف السياسية كافة... وهذا هو الدور الذي ينبغي أن يقوم به جميع القادة الحاليين في مصر».
وقالت آشتون، خلال لقاء مع عدد محدود من الصحافيين؛ إنها «جاءت بناء على طلب من عدد من الأطراف في مصر، وأطراف أخرى، لأن ثمة شعوراً بأن الاتحاد الاوروبي قد يستطيع الانخراط مع الأطراف السياسية المختلفة، والتي تضطلع بمسؤولية السير إلى الأمام».
يُذكر أن آشتون التقت ليل أمس بالرئيس المعزول محمد مرسي. وفي هذا الإطار، أوضحت الوزيرة الأوروبية: «قلت إنني لن أجيء إلى مصر إلا إذا استطعت مقابلة مرسي... وهم عرضوا عليّ هذه المرة اللقاء معه بحريّة».
وأشارت آشتون إلى انها تحدثت إلى مرسي عن «الجهود المبذولة» لحل الأزمة السياسية، لكنها نفت أن تكون قد طرحت عليه فكرة «الخروج الآمن». ووصفت حالة الرئيس المعزول بأنها «جيدة». وأوضحت «أجرينا مناقشات ودية منفتحة وواضحة خلال ساعتي اللقاء، ورأيت كيف يقيم، ولكن لا أعرف أين، ورأيت التسهيلات المقدّمة إليه، ودار بيننا حوار دافئ».
من جهته، أكد البرادعي أن العنف ليس حلاً للأزمة على الإطلاق، مؤكداً ضرورة مشاركة جميع القوى في وضع «خريطة المستقبل» والمشاركة فيها، بما في ذلك «الإخوان» والسلفيون؛ لإنهاء الأزمة الحالية .
وأشار البرادعي إلى أن» آشتون لم تقم بمهمة وساطة، وإنما مساعدة، والمهمة الأولى للدولة حاليًا وقف العنف سياسياً وأمنياً، ووقف ترويع المواطنين حتى يكون من المناسب البدء في حوار جدي».
وعما إذا كان هناك احتمال في أن يكون مرسي جزءًا من المفاوضات المستقبلية للمصالحة، قال البرادعي إن «ما بعد 30 يونيو هو مرحلة جديدة تعتبر تصحيحاً لمسار ثورة 25 يناير»، لافتاً إلى أن» مرسي أخفق خلال الفترة الماضية في إدارة العملية السياسية، إلا أن ذلك لا يعني اقصاء جماعة الإخوان المسلمين من العملية السياسية».
وعلى صعيد متصل، أبلغ الفريق أول عبد الفتاح السيسي آشتون أن «الجيش لن يفض اعتصام رابعة العدوية أو النهضة بالقوة»، مشيراً إلى أن «هناك قانوناً يحكم الجميع في ما يخص فض الاعتصامات».
وكشفت مصادر لصحيفة «الوطن»، أمس، أن السيسي قال لآشتون إن «القوات المسلحة لن تسمح بتهديد الأمن القومي، كما أنها لن تسمح بعنف يخلق فوضى وحرباً أهلية».
وأضاف إن «المجتمع الدولي ينتظر خطأً واحداً من المؤسسة العسكرية، لكن ذلك لن يحدث»، مشدداً على أن «الجيش يعمل على حماية كافة المتظاهرين السلميين».
وأكد السيسي، بحسب المصادر، أن «القوات المسلحة لن تسمح بالتدخل في الشؤون المصرية»، مشدداً على أن «الجيش لا يقتل المصريين ولا يصوب سلاحه مطلقاً تجاه أي مصري مهما كان انتماؤه، وعلى الغرب أن يفهم ذلك».
وأضافت المصادر إن السيسي أعرب امام آشتون عن «غضب القوات المسلحة من المحاولات المستمرة لبعض قوى الغرب تشويه صورتها»، وانتقد استمرار الاجتماعات بين مسؤولين غربيين وقيادات في جماعة «الإخوان»، واصفاً تلك الاجتماعات بإنها «محاولة للتدخل في الشؤون المصرية».
في هذا الوقت، أكدت وزارة الخارجية الاميركية أنه «لا بد من وجود مسار للإفراج عن مرسي». وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جينفير ساكي، رداً على سؤال بشأن المستقبل السياسي للرئيس المعزول، إن «هذا الأمر متروك للشعب المصري»، موضحة «أنا أتحدث عن ملايين الناس في مصر... وليس للولايات المتحدة أن تحدد ما إذا كان له مكان ودور في عالم السياسة خلال المرحلة المقبلة».
ومع ذلك، أشارت المتحدثة الأميركية إلى أن «واشنطن تعتقد أنه من المهم أن تكون هناك عملية يمكن من خلالها الإفراج عن مرسي مع أخذ سلامته الشخصية والوضع السياسي المتقلب في مصر في الاعتبار».
وجاء هذا الموقف غداة اتصال أجراه وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع آشتون للإطلاع على نتائج زيارتها لمصر.
كذلك، بحث وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، في اتصال هاتفي مع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الوضع الأمني في مصر، مشدداً على اهمية البناء على زيارة آشتون للقاهرة، والحاجة إلى البدء في عملية مصالحة شاملة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد