الصين.. سور الرقابة العظيم
يكفي أن تلقي نظرة على قائمة المواقع المحظورة في الصين، لتدرك وضع هذا البلد العملاق على لائحة حرية الانترنت. تبذل الحكومة الصينية جهداً هائلاً، لحجب مجموعة من الكلمات المفاتيح، كما تشدّد الرقابة على أسماء أماكن معيّنة، ومفاهيم عامة، وأسماء شخصيات معارضة.
تقتصر «حريّة الإنترنت» في الصين، على نطاق المواقع الثلاثة التالية: «صينا ويبو»، و«بايدو»، و«سوهو». كلّ ما عدا ذلك من مواقع تواصل اجتماعي، ومدوّنات، ومحرّكات بحث، فهي محجوبة، ولا يمكن تصفّحها إلا عبر برامج خاصّة يلجأ إليها الصينيون للالتفاف على الرقابة الصارمة.
أشارت دراسة صدرت عن جامعة «هارفرد» إلى أنّ عدد المواقع المحظورة في الصين، بلغ 18 ألف موقع، في العام 2002. أما اليوم فقد تضاعف العدد 90 مرة. الرقابة على الإنترنت في الصين، هي من الأعقد والأكثر تأثيراً في العالم، وتشمل 564 مليون مستخدم للشبكة في البلاد، بحسب «مركز معلومات الانترنت الصيني الرسمي» (CNNIC) (بزيادة 500 مليون مستخدم عما كان عليه العدد في العام 2002).
قبل أيّام، أصدرت «إدارة الدولة الصينية للإذاعة والسينما والتلفزيون SARFT» مذكّرةً تهدف إلى «تعزيز نظام إخباريّ صحّيّ»، من خلال «زيادة السيطرة على استخدام محرّري الأخبار للمعلومات على الانترنت». تطالب المذكّرة بدعم الاستقرار والوحدة، وتعزيز التغطية الإيجابية من خلال اعتماد الصحافيين على حسابات Weibo، من أجل توجيه الرأي العام، ومنع بثّ التسريبات والأخبار الضارة.
من الواضح أنّ SARFT تريد، بالأساس، أن تكون قادرة على التحكّم بميديا الانترنت، تماماً كما تتحكّم بالميديا التقليدية. فبحسب المذكّرة، صار من غير المسموح الاقتباس عن مصادر الأخبار الأجنبية من دون إذن رسميّ. كما منعت كلّ وحدات العمل الإخباري من استخدام منتجات إخبارية أو معلوماتية من وسائل إعلام أو مواقع أجنبية. كما منع على محرري الأخبار استخدام منصات تبادل الأخبار على الانترنت للمشاركة في نشاطات «مثل البحث عن أفكار ومفاهيم محظورة أو تتعارض مع سياسة الإدارة».
وكامتداد لهذه الرقابة الحديدية، تمّ حذف كلمة «رقابة»، خلال بثّ حفل تكريمٍ لمخرج صينيّ كبير عبر موقع Sina Weibo. فخلال تسلمه جائزة «مخرج العام» التي قدمها له «اتحاد المخرجين السينمائيين الصينيين»، ألقى فنغ شياو غانغ، الملقّب بـ«سبيلبرغ الصيني»، كلمةً اتسمت بالعاطفية، تناول فيها عدة نقاط، أهمّها التحديات التي يواجهها المخرجون الصينيون. وقال: «في السنوات العشرين الماضية، واجه كل مخرج صيني معاناة كبيرة، وتلك المعاناة كانت...». هنا، وعند هذه الكلمة، غاب صوت المخرج ليحلّ مكانه صوت طنينٍ يُستخدم عند إلغاء كلمةٍ خلال حديثٍ مسموع. الكلمة التي غيّبها البثّ الرسميّ على موقع Sina Weibo ومنعها من الوصول إلى المشاهدين أمام شاشات التلفزيون والكومبـيوتر كانــت كلمــــة «رقابة».
نالت كلمات فنغ شياو غانغ تلك تصفيقاً حاراً من الحضور قبل أن يكمل: «من السّخف أنّك لا تدرك، حين تتلقى الأوامر في مرات كثيرة، إن كان عليك أن تضحك أم تبكي، خصوصاً حين تضطر إلى تغيير شيء تعرف أنّه جيد إلى شيء سيئ. هل يعاني مخرجو هوليوود بالطريقة ذاتها؟ حتى أنال الموافقة على أفلامي، عليّ أن أقوم بتقطيعها بطريقة تجعلها رديئة بحقّ. كيف أمكننا أن نمضي جميعاً في ذلك كله؟ أعتقد أنّه سببٌ واحد، هو أن هذه المجموعة من المجانين أمثالنا ممّن يحبّون صناعة الأفلام، مفتونون بهذه الصناعة، ومسكونون بها».
واضحٌ أنّه في ظلّ السياسة الصينية المتشددة تجاه الانفتاح الإعلاميّ، يبدو أن التنين الصيني سيبقى محاطاً بسوره العظيم من جهة... وجداره الناريّ Firewall من جهة أخرى.
http://www.youtube.com/watch?v=gmKP1vMjBwc
فادي الطويل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد