الصراع على كركوك يشتعل مجدّداً
في ظلّ الهدوء الذي يسود الحالة العراقيّة منذ أسابيع ميدانيّاً وسياسيّاً، أثارت مطالبات التحالف الكردستاني بتنفيذ المادّة 140 من الدستور، القاضية بتنظيم الاستفتاء النهائي على كركوك في موعده المحدّد، وقبل إجراء التعديلات الدستورية، ردود أفعال حادّة من الكتل البرلمانيّة الأخرى.
في هذا الوقت، نشرت بعض المواقع الإلكترونية العراقيّة صوراً موثّقة لسجلّ الإحصاء السكّاني لعام 1957، أي قبل قيام صدّام حسين بعمليّة نقل سكّان عرب إلى المدينة النفطية لتغيير تركيبتها الديموغرافيّة. والإحصاء المذكور، وهو المعتمَد رسمياً اليوم، يُظهر في الصفحة 243 أنّ نسبة الأكراد من مجموع السكان في المدينة عام 1957 كانت الثلث فقط، بينما تبيّن أنّ نحو 37 أو 38 في المئة من مجموع السكان كانوا من التركمان، والعرب نحو 28 في المئة.
أمّا نسب التوزيع السكاني في لواء كركوك (بمثابة محافظة)، فأظهرت أنّ نسبة الأكراد من المجموع كانت أقلّ من النصف، وكانت الغالبية للعرب والتركمان.
وكان يوم السبت قد شهد مشادات كلاميّة حادّة في البرلمان العراقي على خلفيّة إثارة كتلة التحالف الكردستاني لضرورة تنظيم الاستفتاء الدستوري في موعده المحدَّد، لضمّ كركوك إلى إقليم كردستان العراق، أي قبل نهاية العام الجاري، ما جوبِه برفض واسع من الكتل العربية والتركمانية.
وأجمعت بعض الكتل على ضرورة أن يُحسَم الموضوع، بجعل محافظة كركوك إقليماً ذا حكم ذاتي غير تابع إدارياً إلى أي إقليم آخر، ويُدار من قبل كل الأطياف المكوّنة للمحافظة، من دون تسلط أي فئة إثنية على الأخرى، ويرتبط مباشرة بالمركز، فيما وضعت القائمة الكردستانيّة معادلة ثبّتت فيها التزامها الدستور العراقي بمدى التزام الأطراف الأخرى بالمادّة 140 على قاعدة «الدستور مقابل 140».
وفي السياق، قال النائب عن التحالف الكردستاني، فؤاد معصوم، أمس، أن «كلّ من يتراجع عن المادّة 140 يُعدّ متراجعاً عن تنفيذ الدستور العراقي»، مشيراً إلى أن يوم 15 من الشهر الجاري «كان من المفروض أن يكون موعداً للاستفتاء على كركوك».
إلّا أنّ المتحدّث باسم التحالف الكردستاني، فرياد راوندوزي، رأى أنّ «المادة 140 توجب صبراً من أجل تنفيذها، ولا يمكن أن تؤخَذ على أنّها سلب حقّ من هذا الطرف أو ذاك، بل بالعكس، من شأنها إزالة الكثير من الإجراءات التعسّفية التي نُفَّذت إبّان النظام السابق في ما يخصّ الترحيل من بعض المناطق، والتغيير الجغرافي فيها». وأضاف أنّه «من حقّ التحالف الكردستاني أن يوصل صوته لمعرفة أسباب التأخير في تنفيذ هذه المادّة».
بدوره، اقترح النائب الكردي محمود عثمان «حلّاً وسطاً» للأزمة، يقوم على استضافة مجلس النواب للجنة الوزارية المكلّفة بتطبيق المادّة 140 لتقديم تقريرها لأعضاء المجلس، وإعلامهم ببرامجها والعقبات التي تحول دون تنفيذ واجباتها، لتجري مناقشة الموضوع بهدوء.
إلا أنّ النائب عن القائمة العراقية الوطنية، أسامة النجيفي، تشكّك بشرعية هذة اللجنة التي ألّفها رئيس الوزراء نوري المالكي «منفرداً ضمن صفقة التحالف الرباعي». وكشف عن أنّ الحكومة ألّفت هذه اللجنة من دون الرجوع إلى هيئة الرئاسة، وهو ما عدّه مخالفة جديدة لأحكام الدستور.
في المقابل، رأى النائب التركماني عن قائمة الائتلاف العراقي الموحّد، عباس البياتي، أنّ محافظة كركوك يجب أن تكون «إقليماً» وحدها، حيث تتآلف فيها القوميات الأربع (عرب وأكراد وتركمان وأشوريون) من دون أرجحيات، وهو ما أيّدته أمس جبهة التوافق العراقية ممثّلة برئيسها عدنان الدليمي، الذي أشار إلى أنّ تطبيق المادّة المتنازع عليها «أمر غير مناسب في الوقت الحالي، ومن الأفضل أن يؤجَّل النظر في هذه القضية إلى حين إجراء التعديلات الدستورية».
وفي السياق، أكّد النائب عن الكتلة الصدرية بهاء الأعرجي أنّ كتلته مع تنفيذ المادّة 140 التي جاء بها الدستور، ليتمكّن أهالي كركوك من تقرير مستقبلهم. ولفت النائب الصدري إلى أنّ الدستور نصّ على ثلاث مراحل، أوّلها التطبيع، وآخرها الاستفتاء. ورأى أنّ تعطيل تنفيذ هذه المادة بحجة أنّ هناك تعديلات دستورية وأنّها محل نقاش هو بعيد عن الواقع، «لأنّ مجلس النواب، حتّى لو أقرّ هذه التعديلات، فيجب أن يُستفتى الشعب العراقي». ودعا الأعرجي إلى العودة إلى إحصاء عام 1957 المعتمد رسمياً، «إذ تمّ بعد الاحتلال جلب 600 ألف مواطن كردي إلى كركوك».
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد