الجزائر: انقسام داخل المعارضة
كما كان متوقعاً، وقّع، أول من أمس، الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، مرسوم استدعاء الهيئة الناخبة، والذي يعني رسمياً الشروع في الإعداد للانتخابات الرئاسية، على أن يتم تنظيمها في 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل. ورأى بن صالح، في خطاب وجّهه إلى الجزائريين، أن كل الظروف باتت مواتية اليوم لتنظيم الانتخابات التي حصل - بحسبه - توافق واسع حولها. واعتبر أن الانتخابات تبقى الوسيلة الوحيدة لاختيار رئيس يتمتع بالشرعية، يشرع بعدها في تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها الشعب.
وجاءت الدعوة إلى الانتخابات بعد أيام قليلة من إنهاء «لجنة الحوار والوساطة» عملها، وتسليمها التقرير النهائي إلى رئيس الدولة، متضمّناً اقتراحاً بتعديل قانون الانتخابات، وآخر بإنشاء سلطة مستقلة لتنظيم الانتخابات. وبسرعة فائقة، تسلمت الحكومة هذين المقترحين، وحوّلتهما إلى البرلمان بغرفتَيه، ليصادق عليهما في يوم واحد من دون مناقشة. وبعدما أصبح هذان القانونان ساريَي المفعول، سارعت السلطة إلى تشكيل السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات، ووضعت رئاستها في يد محمد شرفي، وزير العدل السابق زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وبذلك، أصبح المشهد مُهيّئاً، وفق السلطة، للذهاب إلى الانتخابات بالشروط التي تُريدها المعارضة.
غير أن هذه السرعة التي انتهى بها الحوار الوطني، ووُضع بها الإطار القانوني الجديد للانتخابات لم تكن عفوية، فقد تم ضبط ذلك ليكون كل شيء جاهزاً قبل تاريخ 15 أيلول/ سبتمبر الذي اقترحه رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، في إحدى خطبه الأخيرة، ليكون موعداً لاستدعاء الهيئة الناخبة. وهذا، في حدّ ذاته، رآه بعض أحزاب المعارضة دليلاً على خضوع رئيس الدولة والبرلمان ومن قاد الحوار الوطني للسلطة العسكرية التي لا يحقّ لها - بحسب تلك الأحزاب - التدخل في هذا الشأن السياسي الخالص، فضلاً عن أن هذه السرعة تثبت، وفق أطياف المعارضة الرافضة، وجود نية حقيقية للذهاب إلى انتخابات شكلية يكون هدفها تنصيب رئيس جديد يحفظ للنظام الحالي استمراريته في مُصادمة لمطالب الحراك الشعبي بالتغيير الجذري.
ويحتجّ الرافضون للانتخابات بالمناخ العام المعادي للحريات في الجزائر، وهو ما لا يوفر ضمانات كافية بنزاهتها، فضلاً عن بقاء السلطة القديمة نفسها في المشهد، وهي التي تعوّدت في السابق تزوير الانتخابات. ومن بين وجوه التضييق، الغلق التام للإعلام العمومي أمام كل الأصوات المعارضة، وتحوله إلى آلة دعاية تقوم حتى بتحريف شعارات الحراك الشعبي. ويرفع المتظاهرون، كل جمعة، لافتة تعبّر عن حالة السخط على أداء الإعلام، مكتوب عليها «صوتك الذي لا يصل إلى التلفزيون كيف يصل إلى الصندوق؟». كذلك، ما يثير غضب المعارضة، عودة الاعتقالات بقوة كل يوم جمعة، فضلاً عن قرارات الحبس التي تصدر من حين إلى آخر بحقّ ناشطين ومدوّنين وحتى سياسيين. وكان لعملية اعتقال المعارض كريم طابو، الناطق باسم «الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي»، ثم إيداعه السجن بسبب تصريحات له تناولت قيادة الجيش، صدى قوي في الساحة السياسية والشارع، بعدما رآه كثيرون محاولة لإسكات كل الأصوات المعارضة التي ترفض مشروع قيادة الجيش.
ومن الأمور التي لا تبعث على الارتياح لدى جزء من المعارضة أيضاً، الإصرار على منطق التعيين في اختيار أعضاء السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات، وهو ما يجعلها، بحسبهم، نسخة من الهيئة السابقة التي كانت توصف بأنها مجرد ديكور لا تملك أي صلاحية لردع التزوير بسبب تبعيتها للسلطة. لكن هذه التفاصيل تبدو غير مهمة كثيراً لدى الجناح الراديكالي للمعارضة، الذي يرفض الانتخابات بشكل كلّي ويطالب بمرحلة انتقالية. وتقول «قوى البديل الديمقراطي»، التي تتبنّى هذا الموقف، إن الذهاب إلى انتخابات رئاسية بالدستور الحالي الذي يكرّس صلاحيات واسعة جداً للرئيس، هو مساهمة في صناعة ديكتاتور جديد. وعليه، تطالب هذه القوى بمسار تأسيسي يفضي إلى تعديل الدستور والقوانين الرئيسة في البلاد قبل إطلاق المسار الانتخابي.
أما الحراك الشعبي، فلا يزال متمسكاً بالمنطلقات الأولى في رفضه للانتخابات؛ فالمتظاهرون يؤكدون كل جمعة أنه لا مجال للانتخاب مع بقاء رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، والوزير الأول نور الدين بدوي، بسبب سوابقهما مع الرئيس بوتفليقة. وهو مطلبٌ تصرّ السلطة على رفضه واعتباره شرطاً تعجيزياً؛ إذ لا مجال برأيها لرحيل بن صالح، وحتى بدوي الذي دار الحديث عن استقالته كضمانة إضافية لإقناع المواطنين بالانتخابات (لا يزال في منصبه إلى غاية الآن). غير أن المشهد اليوم، مع بقاء الظروف نفسها، لا يبدو شبيهاً من حيث التفاصيل بانتخابات 4 تموز/ يوليو السابقة التي اضطرت السلطة إلى إلغائها بعد امتناع أهم المترشحين المحتملين عن التقدم. فمن الواضح أن السلطة اليوم ستمضي في مسار الانتخابات الرئاسية إلى نهايته، لأن ثمة موافقة ضمنية من شخصيات ثقيلة على الترشح لهذا الموعد، وفي مقدّمتها علي بن فليس رئيس الحكومة سابقاً وأحد أبرز منافسي الرئيس السابق، والذي رأى أن «الشروط المؤسساتية والقانونية لإجراء اقتراع رئاسي شفاف وصحيح وغير مطعون فيه قد تحققت عموماً، ولكن يبقى السعي لتوفير الشروط السياسية الملائمة وخلق المناخ الهادئ». كما يوجد من بين المترشحين المحتملين عبد العزيز بلعيد، وهو رئيس «جبهة المستقبل» وأحد وجود التيار الوطني. أما من جانب الإسلاميين، فيبدو احتمال دخول عبد القادر بن قرينة، رئيس «حركة البناء»، وارداً جداً، فيما لم تحسم «حركة مجتمع السلم»، أكبر حزب إسلامي في البلاد، خيارها، إلا أن رئيسها عبد الرزاق مقري كان قد أعلن قبل مدة أن حزبه مستعد للمنافسة في الرئاسيات. ويُرجّح متابعون أن تتقدم في الأشهر المقبلة أسماء ثقيلة لا يزال يحتفظ بها النظام في خزانته، مثل الوزير الأول سابقاً عبد المجيد تبون. وباتت المخاوف، في ظلّ هذا الانقسام، تتركز حول احتمال انزلاق الوضع إلى الصدام، بالنظر إلى تشبّث الحراك برفض الانتخابات، وإصرار السلطة ومن معها على تنظيمها تحت أيّ ظرف.
الأخبار
إضافة تعليق جديد