التكنولوجيا تخلق قبائل جديدة
نعيش ضمن عالمٍ تتغيّر آليّات التّواصل فيه باستمرار. اللّغة، واحدةٌ منها. أحياناً، تتكوّن مصطلحاتٌ توصّف حالة اجتماعيّة معيّنة نستغرب بعدها قدرتَنا على الصّمود من دونها. «قبيلة منحني الرّؤوس»، واحدةٌ من تلك المصطلحات. منشأ الوصف هو الصّين، وهو يتحدّث عن الأشخاص الّذين يحدّقون مطوّلاً في هواتفهم المحمولة. هؤلاء نصادفهم يوميّاً في حياتنا، أو لا نصادفهم، لكوننا أنفسنا قد نكون أعضاء ضمن «القبيلة». يبدو توصيف «منحني الرّؤوس» أكثر وضوحاً من «مدمني الهواتف الذّكيّة». وإذا كنتَ تنتمي إلى قبيلة «منحني الرّؤوس»، فإنّكَ على الأرجح ستكون أيضاً عضو شرفٍ ضمن قبيلة «الإبهام»، وهي تعني الشخص الذي لا يتوقّف إبهامه عن الطّباعة. نشأ هذا المصطلح في اليابان، حيث تمّ الحديث عن «عشيرة الإبهام» لوصف المراهقين الّذين هم أكثر مهارة في إرسال الرّسائل النصية من مهارات الحديث.
ولكن هل يوجد في الدّول الغربية مصطلحاتٌ تُشبه «قبيلة منحني الرّؤوس»؟ على الرّغم من أنّ المصطلح لا يملك السّحر نفسه الّذي تملكه «القبيلة»، إلا أنّ فنّ ازدراء الآخرين وتجاهلهم عبر النّظر إلى هاتفك، حتّى ولو كنتَ تبتاع القهوة أو تجلس معهم على طاولةٍ واحدة، والّذي يُعرف باسم «فابينغ» (التّجاهل المرتبط بالهاتف)، يبقى مستخدماً بكثرة. ليست المصطلحات المرتبطة بالتطوّر التكنولوجي حديثة العهد. في 17 تموز 1897، نشرت صحيفة «شيكاغو جورنال ويسترن إلكتريشانز» مقالاً بدأته بـ «مجانين الهاتف». في المقال، شرحت الصحيفة أنّ هؤلاء المجانين هم «عادةً الرجال الذين لديهم الكثير من وقت الفراغ، ولا يملكون أيّ تقدير للوقت، وكلّما ازداد وقت فراغهم، تضاءل الأمل منهم».
يتعدّى الأمر «تاريخيّة» الفكرة ليصل إلى مستقبلها. في السّنوات المقبلة، ومع مسار التّطور الّذي تتّخذه التّكنولوجيا، تُصبح الأسئلة المرتبطة باحتمالات تبدّل المصطلحات اللّغويّة وتلك الّتي توصّف الحالات الاجتماعيّة مشروعة. على سبيل المثال، ما هي الكلمات الّتي ستصف مستقبلاً الشّخص الّذي لن يحتاج إلى أن يحني رأسه كي يشاهد هاتفه، ذلك أنّ المعلومات قد تكون متواجدة على عدسةٍ مزروعةٍ في شبكيّة العين؟ هل سيتمكّن أي شخص من أن يعتبر أنّه شخصٌ يمـــارس الـ «فابينغ» على مَن حوله؟
(«السّفير»، «بي بي سي»)
إضافة تعليق جديد