التسيب اللغوي.. والأخطاء الشائعـة في اللغة العربية ظواهر واسعة الانتشار
اللغة هوية الأمة وأعظم مقومات وجودها ووطنها الروحي والأمم الحية تحافظ على لغاتها حفاظها على أوطانها والعلاقة بين مكانة الأمة ومكانة لغتها وثيقة جداً هل يكفي أحدنا أن يعرف شيئاً عن العربية ليقول أنا عربي؟ لقد قال طه حسين: ((إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا معرفة لغتهم، ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومُهين أيضاً)).
إن هذا القول هو أَنَّةُ عربيّ تألّم جداً من تقاعس الكثيرين عن الذَّود عن العربية، ومن استخفافهم بهذا الأمر الخطر.قال أبو الريحان البيروني (362 -440 للهجرة) العالِمُ الشهير، الفارسي الأصل: ((والله لأَنْ أُهْجى بالعربية، أحبُّ إليَّ من أن أُمدح بالفارسية!))
ولا داعي هنا للحديث عن عبقرية اللغة العربية وخصائصها الفريدة، فقد كُتبت عن ذلك عشرات الكتب والدراسات والمقالات، وانحنى لعظَمتها العرب والمستشرقون، حتى لقد قال أحدهم: ((ليس على وجه الأرض لغةٌ لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أُمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية!)).
ويتساءل الباحث مكي الحسني مؤلف كتاب نحو إتقان الكتابة العلمية باللغة العربية في إصدار جديد لمجمع اللغة العربية في دمشق.. لماذا تدنى مستوى الأداء بالعربية؟
ويلفت إلى مجموعة من الخطوات التي ترمي إلى تحسين أداء الكاتبين باللغة العربية، فهو يتحدث عن الوسائل التي يمكن أن تساعد الكتاب على ذلك، منبهاً إلى الأخطاء النحْوية واللغوية الشائعة في الكتابات المعاصرة، ومبيناً وجه الخطأ والصواب فيها، وملحقاً ذلك بأهم القواعد النحوية والصرفية واللغوية التي تشتدّ حاجة الكاتبين إليها. ويؤكد الكاتب الحسني أهمية اللغة للأمة، وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها.ويقول شارحاً: «أودّ أن أذكّر بأن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية – وبأنها اليوم – باعتراف العالم كله – اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)… ».
ويضيف الحسني: لقد أدركت القيادات السياسية الواعية في كثير من الدول أهمية اللغة الوطنية، وأنّ تعزيزها هو مسألة كرامة، كرامة الأمة، أي واجب قومي. فعزّزت كوريا وفييتنام وفنلندا ورومانيا وغيرها، لغاتِها الوطنية، وجعلت التعليم بها في جميع مراحله؛ بل أحيا الكيان الصهيوني لغةً ميتة! واستجاب المواطنون، ولاسيما المثقفين لرغبات قياداتهم وآزروها وساعدوها على تطوير اللغة الوطنية وازدهارها وسيادتها.
وما أعمق ما قاله الدكتور عثمان أمين في كتابه (فلسفة اللغة العربية): ((مَن لم ينشأ على أن يُحب لغة قومه، استخف بتراث أمته، واستهان بخصائص قوميته، ومن لم يبذل الجهد في بلوغ درجة الإتقان في أمر من الأمور الجوهرية، اتسمت حياته بتبلّد الشعور وانحلال الشخصية، والقعود عن العمل، وأصبح دَيْدنه التهاون والسطحية في سائر الأمور)).
ويرى الكاتب مكي الحسني أن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلُّم اللغات الأجنبية الحية، بل من المهم جداً أن يتقن العالِم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل! هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة والأحرى أن يفعله علماؤنا، وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن وأن يهمل في الوقت نفسه لغته العربية! ليس مقبولاً أن يأخذ بالحَزمْ في تعلُّم الإنكليزية -مثلاً- وبالتضييع في تعلّم العربية، تراه إذا خالف قاعدةً وأخطأ التعبير بالإنكليزية ونُبِّه على ذلك أبدى أسفه وعبّر عن احترامه وخضوعه للقاعدة: لأنه يتمنى أن يكون من المتقنين للإنكليزية فيتباهى بذلك…
أما إذا نُبِّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو – في الأغلب – لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مُبالٍ ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحْسِن العربية!). ولا تلمس منه – غالباً – رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية، وقد يقول لك: (كثيرون يقولون هذا). فإذا ذكرت له أن هذا الشائع خطأ، رأيته يدافع عن الإبقاء عليه! وأود هنا أن أذكر أن صديقنا الأستاذ الدكتور مازن المبارك، عقد في كتابه (نحو وعي لغوي) فصلاً عنوانه:
((السُّخف المأثور، في أن الخطأ المشهور، خيرٌ من الصواب المهجور!))
إن رغبة الكثيرين في تجاوز مضمون العنوان المذكور، وتقاعسهم عن استدراك ما ينقصهم من معلومات في العربية – إضافة إلى عقدة الشعور بالدونيّة إزاء الغرب، التي تعانيها نسبة غير ضئيلة من العرب – هو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار: التسييب اللغوي. بل أكاد أقول: (الإباحية اللغوية!) وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.
ويحذر الحسني من الأخطاء الشائعة مبيناً: انظروا إلى الإعلانات واللافتات، في الطرقات والمجلات، تجدوا طوفاناً من كلمات أجنبية بحروف عربية! أو عبارات (عربية) مملوءة بالأخطاء! ثم لماذا يسمح كثير من الناس لأولادهم أو لأنفسهم أن يرتدوا ملابس يسيرون بها متباهين فرحين، وقد صارت صدورهم وظهورهم دعايات متحركة للإنكليزية؟!! من غير أن يشعر أحدٌ بالمهانة، أو أن يحرك ساكناً إزاء هذه المهانة؟! أليس من واجبنا جميعاً أن نكافح هذا المرض النفسي الذي استشرى، وهذا الانحلال في الشخصية، ومظاهر الانتماء إلى الغرب، وأن ندافع عن كرامتنا بدفاعنا عن لغتنا؟
ويلفت الحسني: أودّ أن أذكر أمراً مقرَّراً، وهو أن الخطأ الشائع ليس ضرباً من التطور! وأن شيوعه لا يعطيه أيَّ حقٍ في البقاء. فليس من التطوير ما كسر أصلاً أو هدم قاعدة سارت عليها العربية من القديم حتى يومنا هذا.
تشرين
إضافة تعليق جديد