التأثيرات النفسية للحرب السورية: صدمات متزايدة.. لا تلقى الرعاية!
لم يعد عارف، الطفل الجميل الهارب من العنف في شمال سوريا، قادراً على النطق بطريقة سليمة، فقد بات يتلعثم كلما حاول الكلام، ما جعله يخجل كثيراً، ويُحجِم عن محاورة الآخرين في الكثير من الأوقات.
الطفل الذي لم يتجاوز التاسعة من العمر أصيب بصدمة نفسية نتيجة هجوم شنته «جبهة النصرة» على قريته نقارين التابعة إلى محافظة حلب، التي تعد من أكثر المحافظات سخونة في سوريا.
وتقول والدته إنه كان نائماً في منتصف الليل عندما دخل مقاتلون من «النصرة» إلى القرية، تصحبهم أصوات الرصاص وتكبيرات، ما أدى لاستيقاظ الطفل من نومه مرعوباً. وتضيف «حاولت أن أهدئ من روعه، لكنه بدا أصفر اللون، واحتضنني بشدة ولم يتركني حتى الصباح، وبقي شاحب الوجه لأيام بعدها».
المفاجأة كانت في الصباح عندما حاولت الأم أن تطمئن على ولدها، فرد عليها بتلعثم شديد. ظنت حينها أنها حالة طارئة، لكنها رافقته منذ أكثر من عام إلى الآن.
هذه الحالة الطارئة التي ألمت بالطفل لم تنتهِ عند حدود النطق، وتطورت لتتحول إلى خجل شديد ناجمٍ عن عدم حسن تعاطي المجتمع معه. ويقول عارف، الذي لجأ مع عائلته وأقاربه إلى الساحل السوري، «أبناء عمي وأصدقائي في المدرسة يسخرون مني عندما أحكي، في الماضي لم أكن هكذا، لقد كانت المعلمة تختارني لقراءة الدرس، أما الآن فلم تعد كذلك».
ليست هذه الحالة الوحيدة التي أنتجتها الأزمة السورية، فهناك حالات أكثر قساوة بكثير. فاطمة، فتاة في عمر الزهور، أصيبت بهستيريا بعد أن أدى صاروخ أطلقته المجموعات المسلحة على قريتها جدرين، الموالية للدولة، إلى مقتل كل أفراد عائلتها الذين كانوا في مكان واحد.
وكذلك جميلة، طفلة في العاشرة من العمر، أصيبت بحالة من الهستيريا بسبب سماعها أصوات الصواريخ، تتألم والدتها وهي تقول «إنها تناطح الجدران وتعض أصابعها، تتبول لا إرادياً ...إلخ». عائلة جميلة فقيرة جداً، وتعيش في غرفة صغيرة نزحت إليها مؤخراً، وهي غير قادرة على تحمل مصاريف علاجها، ولا تفكر بالعلاج.
وتزداد نسبة المصابين بصدمات نفسية كثيراً في سوريا. وتقول كارلا بولس، وهي اختصاصية نفسية تعمل في مجال الدعم النفسي، إنه يوجد في المدينة الجامعية في حلب (مركز تجمع نازحين) أكثر من 75 حالة، وجميعها تتدهور، نظراً إلى قلة الاهتمام بها، علماً أن ثلاثة من أصل عشرة منازل (سكانها نازحون) زرناها يوجد فيها مصابون بصدمات نفسية.
وترى بولس أن الأحداث الدائرة في سوريا تنعكس بأشكال مختلفة على نفسية الأطفال، ما يؤدي إلى ظهور العديد من الاضطرابات الانفعالية والسلوكية، والنفسية، والجسمية. وتشير إلى أن أسباب الحالات يعود الى الصدمة النفسية والانفعالية التي تعرض لها الطفل نتيجة مشاهدته لأعمال عنف، أو سماعه لأصوات أثارت حالة من الخوف لديه، وغيرها.
ولا تحظى الإصابات النفسية جراء الحرب السورية بكثير من العناية لسببين، الأول أن المصابين ينحدرون من عائلات متواضعة، بعضها لا يدرك أهمية العلاج وبعضها الآخر لا يملك ثمنه، فيما السبب الثاني يتمثل بعدم الاهتمام بها من قبل الجهات المعنية، بما فيها المجتمع المدني الذي يقتصر دوره على الدعم النفسي الأولي، فيما يغيب التدخل العلاجي الكامل، باستثناء بعض الحالات القليلة.
وتوضح أن غالبية الحالات قابلة للعلاج، ولا بد من العمل على ذلك، ومتابعة هذه الحالات، لأنها إذا لم تعالج ستتسبب بخلل في النمو النفسي السوي، خصوصاً عند الأطفال، كما سيكون لها آثار على المجتمع السوري مستقبلاً.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد