الاستحقاق الرئاسي اللبناني: واشنطن تريد الأغلبية ودمشق تريد التوافق

06-11-2007

الاستحقاق الرئاسي اللبناني: واشنطن تريد الأغلبية ودمشق تريد التوافق

جدد أعضاء مجلس الأمن الدولي، دعوتهم لعقد «انتخابات رئاسية حرة وعادلة في لبنان وفقاً للقواعد الدستورية ومن دون أي تدخل أجنبي»، وذلك بعد مناقشة التقرير الدوري للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون حول تنفيذ القرار 1559 الذي أعده مبعوثه تيري رود لارسن.
وقرأ مندوب اندونيسيا ماري ميتاليجوا الذي ترأس بلاده مجلس الأمن للشهر الحالي، بياناً صحافياً عبر فيه عن مناشدة أعضاء المجلس «لكل الأطراف اللبنانيين حل خلافاتهم عبر المصالحة والحوار الوطني»، مؤكداً «دعمهم لوحدة أراضي لبنان وسيادته استقلاله السياسي في ظل السلطة المطلقة والكاملة لحكومة لبنان».
كما أعرب البيان عن دعم أعضاء المجلس لما ورد في تقرير الأمين العام وكذلك جهود مبعوثه الخاص لارسن، وهو ما اعتبره المراقبون إشارة مهمة إلى استمرار لارسن في منصبه، رغم الانتقادات العديدة التي وجهتها له سوريا وأطراف لبنانية أخرى، اتهمته بالتحيز للموقف الإسرائيلي، وكذلك مواقف الولايات المتحدة المؤيدة لفريق الغالبية.
وجاء بيان مجلس الأمن الصحافي الشفهي كتسوية بعد مطالبة أعضاء في المجلس من بينهم الولايات المتحدة وفرنسا بإصدار بيان رئاسي يؤكد على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وذكرت مصادر دبلوماسية عربية لـ«السفير» أن الاجتماع الذي عقدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس في اسطنبول قبل أيام مع نظيرها السوري وليد المعلم، وكذلك لقاء المعلم مع نظيره الفرنسي برنار كوشنير على هامش اجتماعات اسطنبول التي كانت مخصصة للجوار العراقي، كلها أمور ساهمت في التراجع عن المطالبة ببيان رئاسي والاكتفاء بالبيان الصحافي الشفهي.
كما نفى مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أن يكونوا قد تداولوا بشأن إمكان عقد جلسة انتخاب الرئيس اللبناني خارج لبنان، كما ورد في بعض التقارير الصحافية، وذلك في ضوء استمرار الأزمة اللبنانية الداخلية وصعوبة التوصل الى اتفاق. وقال المندوب الأميركي زلماي خليل زاد الذي كان أول من غادر جلسة المشاورات المغلقة لمجلس الأمن «نحن نبحث إجراء الانتخابات الرئاسية داخل لبنان في موعدها». وأشار الى انه في حالة عدم إمكان حدوث ذلك، يبقى من الممكن انتخاب رئيس بالغالبية البسيطة في مجلس النواب اللبناني. وقال إن «البعض يتحدث عن ضرورة وجود إجماع، ويتحدث آخرون عن غالبية الثلثين. ولكننا نعبر عن وجهة نظر ترى انه في العديد من الديموقراطيات، يجري انتخاب الرئيس بالغالبية (البسيطة)، ودستور لبنان يسمح بذلك. ولذلك، فإن قضية انتخاب الرئيس في لبنان عبر الغالبية تبقى مطروحة. المهم هو أن تجري الانتخابات في موعدها ومن دون تدخل أجنبي».
وشدد خليل زاد في تصريحات للصحافيين على ضرورة عقد الانتخابات اللبنانية في موعدها من دون تأخير ومن دون تدخل أجنبي. وأضاف أن واشنطن تتفق مع بان كي مون في التعبير عن القلق من النتائج المحتملة لعدم انتخاب رئيس ونشوء فراغ دستوري وحكومتين. وأضاف إن بلاده قلقه من «ألا يغادر لحود منصبه منتصف ليل 23 تشرين الثاني كما هو مقرر، وما قد يلي ذلك من تشكيل حكومة منفصلة غير مشروعة. مثل هذه النتيجة لن تكون مقبولة للمجتمع الدولي». وأضاف أن مستقبل لبنان مهم ليس فقط للبنانيين، «ولكن للمنطقة ولمستقبل المنطقة بحكم أن ما يحدث في هذه المنطقة هو أحد أهم التحديات التي تواجه العالم في هذه المرحلة».
وبشأن موقف واشنطن من قضية انتخاب الرئيس بالغالبية من دون التمسك بتحقيق الإجماع، قال خليل زاد «ما نطالب به هو احترام المسار الدستوري. ولو طالبنا بالإجماع في كل انتخابات، فإن ذلك قد يؤدي الى حالة من الشلل، وذلك لأن جماعة صغيرة يمكنها وقف عملية اتخاذ القرار. بالطبع الحصول على أكبر حجم من التوافق سيكون أفضل خيار. ولكن المهم هو احترام الدستور وعدم حدوث تدخل خارجي وانتخاب رئيس قوي يتمكن من المضي قدماً في ديمقراطية فعالة».
أما لارسن فقال في تصريحاته المقتضبة إنه «من واجب جميع الأطراف الدعوة للالتزام بعقد الانتخابات الرئاسية في موعدها والذي ينتهي في الرابع والعشرين من تشرين الثاني، وكذلك وفقاً للقرار 1559 الذي يدعو لانتخابات حرة ونزيهة وفقاً للقواعد الدستورية. أعتقد أنه من المهم أن يؤكد الأمين العام على هذا الهدف، وهو ما يقوم به بالفعل، وكذلك أن تقوم الدول الأعضاء بإثارة هذه القضية مع الأطراف المعنية كافة. وذلك لأنه لو لم تحدث انتخابات أو إذا انتهينا كما تتوقع أسوأ السيناريوهات برئيسين وربما حكومتين، فإن هذه لن تكون أنباء جيدة للبنان أو للمنطقة».
وكان لارسن حريصاً على ألا يتورط في اتهامات حادة بحق دمشق، كما اعتاد في السابق، والتزم بما ورد في التقرير الرسمي الذي تلقاه مجلس الأمن. وعكس ذلك من وجهة نظر المراقبين، تحذيرات وجهها بان كي مون إلى لارسن حول وجوب التزام الموضوعية وعدم التورط في الخلافات الداخلية اللبنانية من خلال تصريحات توحي بتحيزه لفريق الغالبية والحكومة على حساب المعارضة.
وأثارت تصريحات المندوب الأميركي غضب المندوب السوري بشار الجعفري، الذي وصف موقف الولايات المتحدة بـ «الشاذ» من ناحية استعدادها لقبول رئيس بالغالبية بدلاً من الإجماع أو التوافق. كما رفض الجعفري الاتهامات التي وجهها لارسن إلى بلاده في تقريره بشأن استمرار تهريب الأسلحة عبر الحدود بين سوريا ولبنان، وكذلك ما ورد في خطاب للرئيس فؤاد السنيورة يزعم أن الكثير من عناصر تنظيم «فتح الإسلام» دخلوا لبنان عبر سوريا.
وكشف الجعفري أنه سلم بان كي مون وأعضاء مجلس الأمن، أمس، خطاباً من الحكومة السورية يتضمن تفاصيل سبعة عشر اجتماعاً عقدها مسؤولون لبنانيون وسوريون من أجل مناقشة قضية الحدود في ما بينهما، وذلك رداً على ما ورد في تقرير لارسن حول ضرورة الإسراع في ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان، وكذلك إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما. كما قامت الحكومة الإيرانية أيضا بتسليم رسالة الى مجلس الأمن، نفت فيها ما ورد في تقرير لارسن عن استمرارها بدعم «حزب الله» بالأسلحة.
وشن الجعفري هجوماً لاذعاً على لارسن، قائلاً إنه يجب عدم السماح باستخدام تقارير الأمم المتحدة من أجل بث ما وصفه بـ«أكاذيب ودعايات مضللة» بحق سوريا. ولم يخف المندوب السوري راحته النسبية للتقرير الأخير للارسن والذي تم تقديمه لأعضاء المجلس باسم الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك لأنه تضمن مقتطفات طويلة من رسالة سورية رسمية تنفي الاتهامات الموجهة الى دمشق والخاصة بتهريب الأسلحة ودعم «حزب الله»، وكذلك تقديم الدعم لجماعات من قبل القيادة العامة وفتح الانتفاضة، والتي بدورها قدمت الدعم لمقاتلي «فتح الإسلام» كما في ورد في تقرير لارسن.
وقال الجعفري «إن سوريا ساعدت جيش لبنان في معركته ضد فتح الإسلام. وهذه حقيقة لم تنعكس في تقرير الأمين العام. العارفون بالشأن اللبناني أكثر قدرة على فهم هذه الأمور وليس من يسمون أنفسهم بخبراء من قبيل لارسن. فتقرير الأمين العام لا يجب استخدامه كمنبر للدعاية الإسرائيلية ضد سوريا، بينما إسرائيل هي التي تخرق كافة قرارات الأمم المتحدة بما في ذلك 1701 و .1559 لارسن يقف وراء أي محاولة لاستخدام مجلس الأمن كمنبر لترويج اتهامات باطلة ضد سوريا».
وقال الجعفري لـ «السفير» إن «لمسات بان كي مون كانت واضحة هذه المرة في التقرير وهو ما جعله أكثر توازناً». وكان التقرير حريصاً هذه المرة أن يشير إلى الاتهامات التي وردت من «دول في المنطقة» وإسرائيل بشأن دور سوريا في لبنان، ولكن مع التأكيد في كل مرة أن الأمم المتحدة بمفردها لا تملك ما يمكنها من تأكيد أو نفي هذه الاتهامات، وهو ما ميز التقرير الحالي عن التقارير السابقة.
وتحدث الجعفري كذلك بإيجابية عن العلاقات بين بلاده وفرنسا في أعقاب اللقاء الذي جرى بين المعلم وكوشنير في اسطنبول، وقيام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإرسال اثنين من مساعديه لدمشق لمناقشة الشأن اللبناني والعلاقة مع سوريا. وقال الجعفري إن العلاقة بين سوريا وفرنسا الآن هي «في حالة جيدة.. البلدان يفكران ملياً في كيفية تحقيق مصلحة لبنان. هناك أطراف بدءاً من الفاتيكان والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين تعمل على تشجيع لبنان على انتخاب رئيس توافقي. والاستثناء الوحيد هو الموقف الأميركي. ولذلك كانت هناك مداخلة شاذة من المندوب الأميركي في المجلس (بشـأن انتخاب الرئيس بالغالبية)، بينما عبر الآخرون عن الرغبة في التوصل الى توافق».
وأضاف الجعفري أن «الدبلوماسية الأميركية تعزل نفسها بنفسها عندما تتعامل مع الأحداث بشكل غير متوازن».

خالد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...