الأطفال يحكمون أيضاً على النيات
يميل البالغون عند الحكم أخلاقيًا على الناس إلى التركيز على نياتهم لا نتائج أفعالهم، فإن إيذاء الآخرين عن قصد أسوأ بكثير من إيذائهم بغير قصد. مع ذلك، فإن الرأي السائد في علم النفس التطوري يقول إنّ أحكام الأطفال الأخلاقية ترتكز بشكل رئيسي على نتائج الأفعال لا نيات الأشخاص الذين قاموا بها. ولا تزال هناك اختلافات في الرأي حول صحة هذه المزاعم بالرغم من انقضاء عشرات السنين من البحث.
ولحل هذه المشكلة درس باحثون من جامعة «إيست أنجليا» الأسباب الكامنة وراء نتائج دراستين تقدّمان دليلاً قوياً على أن أحكام الأطفال الأخلاقية ترتكز بشكل رئيسي على نتائج الأفعال. وقد اختبرت الدراسات البالغين أيضًا، ما سمح للباحثين بمقارنة ردة فعل الأطفال بردة فعل البالغين. لكنّ عددًا من البالغين في هاتين الدراستين قاموا أيضًا بأحكام مبنية على النتائج فقط، ما دفع الباحثين إلى التشكيك في الطرق المستخدمة.
كرّر فريق البحث هاتين الدراستين (نشرتا في عامي 1996 و2001) وفحص التأثيرات المتعلقة بإعادة صياغة أحد الأسئلة. وعندما طُرح السؤال الأصلي كانت النتائج أن أحكام الأطفال والبالغين في المقام الأول تعتمد على النتيجة بغضّ النظر عن النية. فحكموا على الحوادث التي انتهت بنتيجة جيدة على أنها جيدة والحوادث ذات النتيجة السيئة بأنها سيئة.
إلا أن إعادة صياغة السؤال، أثّرت في أحكام الأطفال بين الرابعة والخامسة بشكلٍ متساوٍ بالنتيجة والنية، أما الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين الخامسة والسادسة، فقد كانت أحكامهم معتمدة بشكل أساسي على النية. مع تقدم عمر الأطفال والبالغين فإن أحكامهم تبدلت بشكلٍ أساسي من أحكام معتمدة على النتيجة بشكل حصري إلى أحكام معتمدة على النية بشكل حصري، وذلك عندما تغيرت صياغة السؤال.
وأوضح قائد فريق البحث الدكتور غافين نوبز: «يقوم الادعاء منذ فترة طويلة على أن الأطفال يحكمون وفقًا لنتائج الحدث وليس وفقًا لنية الشخص، فإذا كانت الفرضية صحيحة ستختلف الأحكام الأخلاقية للأطفال اختلافًا جوهريًا عن أحكام البالغين..على أية حال تشير النتائج التي توصلنا إليها بأنه، ولأسباب منهجية، تعتمد قدرة الأطفال على إصدار أحكام مماثلة على النية يُستهان بها إلى حدٍ كبير. وتبين لنا أنه يمكن للأطفال التفكير كالبالغين بشكل ملحوظ، ما يعني أن الأطفال البالغين من العمر أربع سنوات يمكن أن يصدروا أحكامًا أخلاقية تعتمد على النية تمامًا كالبالغين.
يضيف الدكتور نوبز: «إذا كان البالغون يطلقون أحكامًا خاطئة فلا بد للطفل ذي الخمسة أعوام أن يخطئ في حكمه أيضًا، لذلك بحثنا فيما إذا سأل الباحثون في الدراسة الأصلية الأسئلة المناسبة وذات الصلة، وتبين لنا بأنهم لم يقوموا بذلك».
تضمنت الدراسة القائمة في جامعة «إيست أنجليا» مئةً وثمانيةً وثلاثين طفلاً تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثامنة، وواحد وثلاثين بالغًا، وقد حُكيت لهم أربع قصص وسُئلوا عنها، تضمنت القصص أضرارًا عرضية (نية إيجابية ونتيجة سلبية) أو محاولات بالإضرار (نية سلبية ونتيجة إيجابية). كانت القصص والصور والأسئلة مطابقة لتلك الواردة في الدراسة الأصلية، وسُئل كل مشارك السؤال الأصلي بالنسبة للرضا عن الفعل لاثنتين من القصص، وسؤالاً تمت إعادة صياغته للقصتين الباقيتين.
«إن السؤال الذي سُئل في الدراسة الأصلية كان خاطئاً، ونحن نعلم أن قيامنا بإعادة الدراسة قد نجح، لأننا عندما سألنا المشاركين نفس الأسئلة حصلنا على نفس الأجوبة أو نتائج مشابهة جداً. لقد قمنا بتعديلٍ بسيط، ولكن النتائج تغيرت بشكل كبير، والتفسير الوحيد الممكن لما حدث هو إعادة صياغة السؤال».
(«ناسا» بالعربي)
إضافة تعليق جديد