استراتيجية جديدة لأنقرة تجاه الأكراد: شطب «العمال الكردستاني» من المعادلة
تظهر في الأفق ملامح انسداد في طريقة تعامل الحكومة التركية مع القضية الكردية.
فبعد تراجع رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان في الربيع الماضي عن اعترافه في العام 2005 بوجود قضية كردية في تركيا، وبعد انكشاف وجود اتصالات سرية بين مسؤولي الحكومة مع حزب العمال الكردستاني في النروج، ها هي الحكومة التركية تقطع الحبال مع «الكردستاني» بالإعلان عن استراتيجية جديدة في التعامل مع المسألة الكردية، تشطب من الوجود حزب العمال الكردستاني، بحيث ستسعى إلى حل المشكلة الكردية من دون الحزب الذي لا يزال يتزعمه عبد الله أوجلان من سجنه في جزيرة ايمرالي، ومن دون قيادة الحزب المتواجدة في جبال قنديل في شمال العراق. أي ان المرحلة المقبلة ستكون من دون «إيمرالي وقنديل».
وفي كلام مسؤول رفيع المستوى إلى صحيفة «ميللييت» فإن استراتيجية الحكومة الجديدة تقوم أيضاً على أساس التواصل مع المجتمع المدني التركي، وأن يكون الحل تحت سقف البرلمان، لكن في الوقت ذاته استمرار العمليات العسكرية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وخارجها. وإذا كان لا بد من حوار مع «الكردستاني» فعلى تسليم سلاحه وتخليه نهائياً عن العنف.
وفي نظرة إلى مثل هذه الاستراتيجية الجديدة، التي حظيت في اليومين الأخيرين باهتمام ونقاشات واسعة، لا يبدو أنها «جديدة» كما حاولت الحكومة تظهيرها، بل إنها قديمة بثياب جديدة، وتذكّر بالسياسات التركية، التي كانت قائمة في التسعينيات، أيام طانسو تشيللر وسليمان ديميريل ومسعود يلماز وكل الطبقة السياسية والعسكرية التي حكمت سابقاً، والتي تنبئ بالمزيد من سفك الدماء والعمل على تفتيت الصف الكردي الذي يشكله جناحا الحركة الكردية، أي حزب العمال الكردستاني (البعد العسكري) وحزب السلام والديموقراطية (البعد السياسي) الممثل في البرلمان بـ36 نائباً، والذي انتصر على حزب العدالة والتنمية في المناطق الكردية في انتخابات 12 حزيران العام 2011.
الخطة الجديدة تلحظ بصورة غير مباشرة دوراً لحزب السلام والديموقراطية كونه مدنياً وممثلاً في البرلمان. لكن اردوغان نفسه كان يكيل الاتهامات لحزب السلام والديموقراطية بأنه نصير للإرهاب، وبأنه قناع لحزب العمال الكردستاني وبالتالي لا حوار مع من يدعمون الإرهاب، فكيف يمكن أن يحاوره اليوم؟.
كذلك فإن اردوغان يعرف جيداً أن مطالب الكتلة الكردية واحدة، وما يريده حزب العمال الكردستاني يريده حزب السلام والديموقراطية. وحتى لو استبعد اردوغان حزب العمال الكردستاني من العملية السياسية فلن يجد أمامه مع حزب السلام والديموقراطية سوى المطالب نفسها، وبالتالي لن يستفيد بشيء.
وفي الوقت نفسه أيضاً فإن تهميش او استبعاد حزب العمال الكردستاني من العملية الداخلية لن يساهم بشيء في إنجاح الخطة الجديدة، إذ أن الحكومة تعرف الدور المركزي والقيادي للحزب بالنسبة الى الحركة الكردية في تركيا، وهي نفسها تحاورت معه طوال الفترة الماضية في ايمرالي وفي اوسلو، فكيف يمكن لها اليوم ألا تعتبره موجوداً؟. كما ان حزب السلام والديموقراطية نفسه هو الذي يريد ان يكون أوجلان المخاطب الكردي لدى الدولة التركية، فمع من إذاً ستتحاور الحكومة وتحت قبة البرلمان؟.
لذلك بدا زعيم حزب السلام والديموقراطية صلاح الدين ديميرطاش متخوفاً من الإعلان عن وجود استراتيجية جديدة للحكومة تجاه الأكراد، تسقط من العملية السياسية حزب العمال الكردستاني ولا تتفاوض معه إلا لإسقاط سلاحه.
ويقول ديميرطاش «أتى الربيع، ونحن متخوفون من تصاعد الحرب. ومن أجل وقف الموت نحن مستعدون للقيام بما يلزم»، لكنه اشترط لنجاح العملية السياسية تشكيل مناخ من الثقة المتبادلة، مقللاً من نسبة التفاؤل على اعتبار ان اردوغان كان يتهم «السلام والديموقراطية» بأنه اداة وقناع لحزب العمال الكردستاني.
في هذا الوقت، نشرت صحيفة «حرييت» ملخصاً لتقرير استخباراتي تركي قدم للقيادة التركية، يشير الى ان حزب العمال الكردستاني قد حصل على ضوء اخضر لاتخاذ المنطقة الكردية في سوريا مكاناً لتواجده ومنطلقاً لعملياته.
وقال التقرير إن مصادر استخباراتية متعددة التقت على ان الرئيس السوري بشار الأسد قرر دعم «الكردستاني» رداً على دعم انقرة للمعارضة السورية وتنظيم مؤتمر «أصدقاء سوريا» في الأول من نيسان المقبل في اسطنبول. وتقول الصحيفة إن التقرير يفيد بأن وجود «الكردستاني» في شمال سوريا سيكون أكثر تأثيراً وانتظاماً منه في شمال العراق، حيث يقوم «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني بحملة تضييق على حركة «الكردستاني» هناك حتى لا تتوتر العلاقات مع تركيا.
وقالت الصحيفة إن البرزاني يعدّ لمؤتمر كردي في المستقبل القريب، ربما في حزيران، من اجل دعوة حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح واتخاذ حزب السلام والديموقراطية مسافة من «الكردستاني».
المصدر:السفير
إضافة تعليق جديد