احتدام الصراع الديني في مصر بعد مئة يوم على بداية الثورة
طغت لليوم الثاني على التوالي أصداء حرق كنيستين في حي امبابة مساء السبت، على هموم مصر، بما في ذلك الجدل حول مرور مئة يوم على «ثورة 25 يناير» وحصاد تلك الفترة.
وفي الوقت الذي تظاهر فيه مئات المسلمين والأقباط في امبابة وحديقة الميدان وسط القاهرة والاسكندرية امس دعت حركة «6 إبريل» إلى المشاركة في «جمعة الوحدة» يوم الجمعة المقبل في ميدان التحرير «ضد الثورة المضادة والتقاعس الأمني والإرهاب الفِكري... وجمعة النفير الفلسطينية ضد الإرهاب الإسرائيلي»، فيما اتهم الكاتبان البارزان علاء الاسواني وبلال فضل، رجال أعمال مقربين من الرئيس المخلوع حسني مبارك، بالتعاون مع ضباط امن دولة، في تحريك أحداث امبابة، واشارا إلى أن «إسرائيل ليست بعيدة» عما يحدث.
واعتبرت أحداث امبابة، التي سقط فيها 12 قتيلاً وأصيب 240 آخرين، بحسب البيانات الرسمية، نقطة تحوّل مهمة بعد ظهور بوادر سخط على الثورة التي لامتها بعض الأصوات القبطية في امبابة على ما «جناه الأقباط» منها.
وكان ملاحظاً إطلاق هتافات معادية للمشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي يدير شؤون البلاد منذ تنحي مبارك في 11 شباط الماضي، بشكل مستمر، حتى وقت متأخر من مساء الأحد في تظاهرة شارك فيها أكثر من 5 آلاف قبطي أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) وسط القاهرة. وهتف هؤلاء مطالبين بمحاكمته ورحيله.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتردد فيها هذا الهتاف، إذ سبق أن ارتفع بشكل ملحوظ في ما عرف بـ«جمعة التطهير والمحاكمة» في ميدان التحرير يوم الثامن من نيسان، بسبب عدم محاكمة رموز النظام السابق، وعلى رأسهم حسني مبارك الذي صدر قرار بحبسه بعد ذلك بأربعة أيام.
وعقد المجلس الاعلى للقوات المسلحة برئاسة طنطاوي اجتماعاً مع رئيس الحكومة عصام شرف وعدد من الوزراء المعنيين بأحداث امبابة وكيفية وأد الفتنة الطائفية ومواجهة الانفلات الامني ومناقشة دور الاعلام الحالي وتأثيره على الرأي العام وعلى توجهات الدولة خلال المرحلة المستقبلية. وقال مصدر عسكري إن «الحوار اتسم بالمصارحة والشفافية الكاملة في الموضوعات كافة التي تمت مناقشتها، وما يرتبط بها من ابعاد داخلية وخارجية وتأثيرها على المستقبل السياسي والاقتصادي في مصر مما كان له أكبر الاثر في اتخاذ العديد من الاجراءات الحاسمة للمحافظة على أمن الوطن وسلامته».
وجاءت أحداث امبابة على خلفية انفلات أمني وانتشار أعمال البلطجة والسطو المسلح والسرقة والعنف في مناطق متفرقة داخل القاهرة وخارجها، في ظل تراخٍ أو غياب أو عدم اكتراث أمني. و لعل أخطر تجليات هذا الوضع تكرار محاولات الهجوم المسلح على أقسام للشرطة لإطلاق الموقوفين فيها، آخرها في قسمي البساتين وشبرا، وقبلها في أقسام شرطة دار السلام والعجوزة، ما أدى إلى هروب بعض المحتجزين الخطرين. ولم تسلم بعض المستشفيات العامة ـ مثل «القصر العيني» و«المطرية» و«احمد ماهر» ـ أيضاً من هجمات البلطجية الذين استهدفوا أقسام الطوارئ، حيث اعتدوا على المرضى والممرضين والأطباء، في أحداث تزامنت، وكأنها مخططة، خلال نيسان، الذي شهد أيضاً حادثة اختطاف ابنة رجل الأعمال عفت السادات، في مقابل فدية طلبها الخاطفون، الذين وقعوا بعد ذلك في قبضة الأمن.
وإذ بأحداث امبابة تخطف الأضواء، وتفتح ملف غياب القانون، وتزيد في سجل الفتنة الطائفية، لتغير دفة اهتمام الرأي العام، الذي انشغل بمتابعة التحقيقات مع رموز النظام السابق المحبوسين على ذمة عشرات القضايا في سجن طرة، بما في ذلك ابنا مبارك علاء وجمال، بشكل تحول إلى هوس إعلامي بالقليل الذي يسرب عنهم من داخل السجن.
وبرغم البيان الذي أصدرته الحكومة المصرية، أمس الأول، والذي جاء فيه ان السلطات ستضرب «بيد من حديد» كل من يعبث بأمن مصر، استمرت احتجاجات الأقباط في ماسبيرو لليوم الثاني على التوالي للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن أحداث امبابة. وقالت وزارة الداخلية إنها ألقت القبض على الشخص الذي تسبّب في نشر شائعة احتجاز إحدى الكنائس في امبابة لسيدة مسيحية بعدما أسلمت. وبعدما أعلنت السلطات أنه تمّ توقيف 190 شخصاً، ذكرت، أمس، انه يجري الآن التحقيق مع 26 شخصاً فقط بتهمة المشاركة في أحداث امبابة، في حين ظلت قوات الشرطة العسكرية تطوّق المنطقة وتفرض حظراً للتجوال بقرب كنيسة مارمينا، حيث بدأت الاشتباكات مساء السبت الماضي.
ولعلها المرة الأولى التي يتمّ فيها القبض على متهمين في أحداث متصلة بالفتنة الطائفية منذ الثورة، بعدما أعلن متحدث باسم النيابة العامة لصحيفة «الأهرام» انه لم يقدَّم للنيابة متهمون في أحداث الاعتداء على كنيسة «صول» في قرية اطفيح جنوبي القاهرة والاشتباكات في منطقة «الزرايب» شرقي العاصمة، بين أقباط ومسلمين، قتل خلالها 13 شخصاً من الطرفين.
وفي الوقت الذي بدا يستقر الاعتقاد ان السيدة سبب المشكلة لا وجود لها اصلاً، بث موقع الجماعة الاسلامية مساء أمس حواراً ادعى انه مع عبير فخر، بطلة القصة. ونشرت الجماعة اول صورة لها مرتدية الحجاب. وقالت في الحوار انها اعتنقت الاسلام لكن الكنيسة حبستها في آذار الماضي حتى تمكنت من الاتصال بشخص مسلم كان يساندها، وطلبت منه إنقاذها السبت الماضي.
وفي ما بدا تحدياً لرئاسة الوزراء، وبيانها التحذيري، قامت مجموعة من بدو سيناء بقطع الطريق الدولي «رأس سدر ـ الطور»، بحسب موقع «مصراوي»، ومنعوا مرور السيارات في كلا الاتجاهين مستخدمين الأسلحة الآلية وأشعلوا إطارات السيارات وأطلقوا الأعيرة النارية في الهواء من دون تدخل الشرطة أو الجيش، وذلك احتجاجاً على «عدم وفاء الحكومة بتلبية مطالبهم الأمنية المتعلقة بإسقاط الأحكام الغيابية الصادرة ضد بدو سيناء والإفراج عن المسجونين».
وقام مساء أمس المئات من المسلمين والأقباط بمسيرة للوحدة الوطنية انطلقت من شارع طلعت حرب في امبابة إلى مقربة من كنيسة مار مينا التي لا يزال الجيش يفرض حظراً للتجوال حولها، شارك فيها مثقفون ونشطاء، استجابة لدعوة أطلقها المرشح الرئاسي محمد البرادعي، وسط هتافات «الشعب يريد الوحدة الوطنية». ودعت حركة «6 إبريل» إلى المشاركة في «جمعة الوحدة» يوم الجمعة المقبل في ميدان التحرير «ضد الثورة المضادة والتقاعس الأمني والإرهاب الفِكري... وجمعة النفير الفلسطينية ضد الإرهاب الإسرائيلي».
وفي مدينة الإسكندرية شارك عشرات المسلمين والمسيحيين في تظاهرة تدعو للوحدة ومعاقبة من شاركوا في عنف السبت. وردّدوا هتافات «هي هي المسرحية والأقباط هُمّا الضحية» و«يا طنطاوي فينك فينك حرقوا كنيستي قدام عينك». كما تظاهر العشرات في حديقة ميدان التحرير مطالبين بنبذ الخلافات بين المسلمين والأقباط.
وفي وقت يواصل قرابة الف مسيحي اعتصاماً بدأوه امس الاول امام مبنى الاذاعة والتلفزيون وسط القاهرة احتجاجاً على ما يعتبرونه تساهلاً من السلطات مع مرتكبي الاعتداءات على المسيحيين، جرت مواجهات بين متظاهرين وقوات الجيش في القاهرة. واستخدم الجنود مسدسات تاسير التي تطلق شحنات كهربائية وفقاً لشهود.
ومع تدهور الوضع هنا، بدت النبرة السائدة في أعمدة الرأي متشائمة وحائرة في ما يجرى. وكان لافتاً دعوة بعض الكتاب، مثل ضياء رشوان في صحيفة «الشروق»، إلى إعلان القوانين العرفية واتخاذ إجراءات عاجلة «للحفاظ على الثورة»، وذلك حتى «لا ينفلت الوضع أكثر مما هو منفلت اليوم».
وفي «المصري اليوم»، ذهب الكاتب بلال فضل، الذي يتمتع بشعبية واسعة، إلى اتهام رجال أعمال مقربين من مبارك، بالتعاون مع ضباط امن دولة، في تحريك أحداث امبابة. وكتب في مقاله «بلاغ للشعب» انه تلقى مكالمة من مواطن مصري السبت الماضي حذره من وقوع أحداث «خطيرة» في البلد وان «إسرائيل ليست بعيدة» عما سيحدث. ونسب فضل إلى هذا الرجل علمه بقيام رجال الأعمال هؤلاء بتوزيع السلاح على البلطجية وتوجيههم للتسبب في اشتباكات بين السلفيين والأقباط. ويعكس هذا المقال شيئاً من المزاج العام في مصر، حيث الحيرة أمام تصاعد العنف، وغياب الأمن، وانتشار لنظريات المؤامرة التي طالت المجلس العسكري وفلول النظام السابق وإسرائيل التي فقدت حليفها الأكبر في المنطقة ولا تريد قيام نظام ديموقراطي في مصر.
وحذرت 15 منظمة حقوقية من خطورة تداعيات أحداث امبابة، التي «تنذر بتحويل مصر إلى ساحة للاحتراب الأهلي بين المسلمين والأقباط». واتهم البيان القائمين على إدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية ـ في إشارة إلى المجلس العسكري وحكومة عصام شرف ـ بـ«التقاعس» عن تحمل مسؤولياتهم في إعمال مبدأ سيادة القانون.
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر إن «الولايات المتحدة تدين بشدة» الصدامات التي وقعت بين مسلمين واقباط. واضاف «اننا ندعو الى الهدوء وضبط النفس»، موضحا ان الولايات المتحدة تحض السلطات على «فتح تحقيق كامل وشفاف» حول المسألة. واعلن ان واشنطن تدرس عدداً من الخيارات لمساعدة القاهرة، بينها احتمال الإعفاء من ديون لكن لم يتم اتخاذ قرارات نهائية بعد. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت امس الاول إن واشنطن قررت إعفاء مصر من ديون بقيمة مليار دولار في إطار حزمة مساعدات تشمل أيضا حوافز تجارية واستثمارية.
كما ادانت الاحداث الطائفية وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ووزارة الخارجية الفرنسية.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد