إلى أين يفضي بنا الغضب العقائدي؟
في المجتمعات الدينية المغلقة، تُجيّر التبرّعات والمكافآت لجهة الإيديولوجيا أو الدين. يُستعمل الإنسان الموجَّهة إليه التبرّعات كوسيلة دعائية لا غير. هو يأتي في المرتبة الثانية من غاية التبرّعات، تسبقه الإيديولوجيا. وغاية التبرّعات هي الدين والإيديولوجيا. تبرّع وزير باكستاني بصفته الشخصية بـ100 ألف دولار أميركي لقتل مخرج «براءة المسلمين». عندما تواجه الأفعال بردود فعل قصوى كعقوبة الموت أو الاجتثاث السائدة راهناً في العراق، يكون الغضب ذا طبقة انتقامية واحدة تحتاج إلى تنفيس ضروري. هذا الغضب إيديولوجي، تنعدم فيه طبقات الغضب، التي يُمكن أن تجعل الغضب يهدأ أو يفكّر في حلول غير العقوبة. يريد الغاضب العقائدي أن يدفع عنه تهمة المقارنة بالفعل المسيء.
لهذا، يعمد إلى حل مطلق وهو القتل، درءاً لشبهة المقارنة. لكنه يسقط لاشعورياً في المقارنة، متساوياً مع الفعل، عندما يتبنّى حلول الموت كقصاص، مثل عقوبة هدر دم سليمان رشدي من قبل الخميني، ومكافأة الوزير الباكستاني. لأن ردّ الفعل جاء مساوياً للفعل من حيث التطرّف والالغاء. ليس خافياً على أحد ما تعانيه باكستان من تردّي الخدمات، الاجتماعية والعملانية، والبنى التحتية للجسور والنقل والمواصلات.
ما أحوج أن يُصرف هذا المبلغ على تطوير الخدمات لا على تطوير وسائل الثأر، بل تشجيعها التكرار مرّة ثانية. بالفعل، ظهرت رسوم في أميركا وفرنسا تسيء إلى الإسلام، كأننا أمام سلسلة لا تنقطع من الفعل المتطرّف والردّ العنفيّ. سيكولوجية التعصّب مصدر إغناء السلسلة وتدوير حلقاتها. والخاسر هو الحياة الاجتماعية والفكرية. إذاً، ستشجع مكافأة القتل على التمادي والاستمرار، وكأنها مكافأة لا عقوبة.
تسدي السلسلة فوائد جليلة لكلا الطرفين صاحبي الفعل العنيف والردّ العنيف: عندما قُتل الصحافي الهولندي تيو فان غوغ، مخرج فيلم «خضوع»، صار في عرف الثقافة الهولندية مخرجاً شهيداً وعظيم الموهبة، بينما فيلمه ضعيف ويعتبر من الناحية التقنية ريبورتاجاً مصوّراً، فلا هو وثائقي ولا روائي. لو استمعنا إليه من خلال الراديو لفهمنا مغزاه من دون الحنين إلى الصورة التي هي أساس السينما، ما عدا بعض اللقطات التي تُظهر آيات من القرآن على جسد امرأة عارية. الأمر نفسه في فيلم «فتنة» للهولندي خيرت فيلدرز: يبدأ بلقطة لكتاب غامق يشير إلى القرآن، مع صورة النبي محمد وقنبلة في عمامته، من عمل رسّام الكرتون الدانماركي ويستر غارد، بالتزامن مع قراءة للآية 60 من سورة الأنفال: «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة». كان مخرج الفيلم يصرّح دائماً بأن فيلمه هو ضدّ القرآن ككتاب ومنهج، وسيثبت بالدليل القاطع أن الإسلام يشجع على الارهاب. لم نر في الفيلم مقابلات مع مستشرقين أو مهتمين مع الإسلام أو ضده، ما يشي بعدم حرفية مخرجه. لكن، ساهم الردّ السلمي للجالية الإسلامية في هولندا في منع انتشار الفيلم وتكرار محاولات أخرى، ثم إن تأثيره جغرافياً سرعان ما زال.
ينمو الإرهاب نتيجة الفعل السلسلي. فعل عنيف إقصائي يجلب ردّاً عنيفاً إقصائياً. هنا، تكمن خطورة الصراع السلسلي في تشجيعها الصراع الفنائي بعيداً من صراع المفاهيم بعضها مع بعض لاعنفياً، وتعايشها في الصراع سلمياً. هنا، قوّة إبداع المفاهيم.
علي البزّاز
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد