إسرائيل تسخر من كل العالم: الطفل محمد الدرة لم يُقتَل
تكاد إسرائيل الرسمية والإعلامية تطير فرحاً بعدما أظهرت تحقيقاتها أن محمد الدرة، الطفل الذي غدا رمزاً لانتفاضة الأقصى حينما قتل في حضن والده، لم يُقتل.
وبديهي أن إسرائيل التي قتلت من الفلسطينيين وأطفالهم الكثير ليست فرحة لأن الدرة، وفق تحقيقاتها، لم يمت، وهذه هي المقدمات، وإنما لأن إسرائيل، وهذا هو الاستنتاج، لم تقتله. والأهم، كمحصلة لا بد منها، أن إسرائيل عانت طوال 13 عاماً من «فرية دم» جديدة. لكن الرواية الإسرائيلية أقرب لحكاية الفقير الذي تشجع لطلب يد بنت الملك، ليس لأنه جدير بها أو لأن الأميرة تحبه والملك معجب به، وإنما لأن والديه وافقا على ذلك.
وهكذا بعد 13 عاماً من سجال تقلب في الصحافة، وفي الجيش، وفي الداخل والخارج على حد سواء، تسلم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تقرير لجنة تحقيق رسمية إسرائيلية شكلها وزير الدفاع موشي يعلون العام الماضي حينما كان نائباً لرئيس الحكومة لفحص «فرية الدم ضد إسرائيل» حول قتل الطفل محمد الدرة. وأعلن نتنياهو عند تسلمه التقرير أن قضية الدرة «شهّرت بإسرائيل وهذا مثال عن نزع للشرعية نعيشه طوال الوقت. وهناك سبيل واحد لمحاربة الكذب وهو سبيل الحقيقة».
وقال وزير العلاقات الدولية والاستراتيجية والاستخبارات يوفال شتاينتس إن اللجنة بذلك تتهم القناة التلفزيونية الفرنسية «فرانس 2»، التي نشرت أول صور مقتل الدرة في 30 أيلول العام 2000، بالافتراء.
ومعروف أن مقتل الدرة أثار غضباً واسعاً ضد الاحتلال الإسرائيلي، الذي نكّل حينها بالفلسطينيين في الضفة والقطاع، وهو ما دفع إسرائيل إلى ادعاء أن الطفل البالغ من العمر 12 عاماً قتل بنيران فلسطينية. وكرست إسرائيل لهذا الادعاء الكثير من الجهد والمال، وحشدت خبراء للقول إنه يستحيل أن يكون الدرة قتل بنيران تأتي من الموقع الإسرائيلي، الذي يحرس مستوطنة «نيتساريم» في قطاع غزة قبل تفكيكها. وشجعت إسرائيل أنصارها على رفع دعاوى ضد القناة الفرنسية ومراسليها بهدف إظهارهم كـ«مفترين» على إسرائيل ومتحيزين للفلسطينيين. لكن كل المحاولات باءت - غالباً - بالفشل، وظل الدرة أقرب إلى أيقونة فلسطينية دخلت كل بيت في العالم لتحكي واقع الظلم الذي يعيشه شعب أعزل تحت الاحتلال.
وإسرائيل التي صادرت الأرض الفلسطينية والتراث الفلسطيني، رفضت طوال الوقت إثبات أي مظلومية فلسطينية سواء كانت جماعية، مثل قضية اللاجئين، أو فردية مثل قضية الدرة. وفي هذا السياق سعت لجنة التحقيق الرسمية لإعادة تحليل شريط الصور لتعلن أن الشريط ينتهي بالطفل حياً: يرفع رأسه وذراعه، يحرك يده على وجهه وينظر إلى البعيد.
وقد رأى العالم كله الشريط، ولم ير ما رآه الإسرائيلي. وكان استنتاج العالم مغايراً للاستنتاج الإسرائيلي، لكن ذلك لم يمنع اللجنة من القول إنه «لا توجد شهادة على مقتل الطفل»، ولأن اللجنة «موضوعية جداً فإنها لا تستطيع تحديد المسؤول عن مقتل الدرة لسبب بسيط، وهو أنها لا تعرف أنه قُتل».
وقال مسؤول اللجنة يوسي كوبرفيسر لـ«يديعوت أحرونوت» إن الدرة «قد يكون مات لاحقاً، لكن أي إسرائيلي لم يطلق النار عليه». وبحسب اللجنة الإسرائيلية فإن الصور لا تظهر أي بقعة دم تحت الطفل المصاب، وهو ما يشكل دلالة على أنه لم يصب.
ووفقاً للجنة فإن المراسل الفرنسي شارل أندرلان، الذي نشر صور المصور الفلسطيني طلال أبو رحمة، قام باقتطاع المشاهد الأخيرة التي يبدو الطفل الدرة حياً فيها، وذلك لغرض الإثارة. لكن المراسل الفرنسي سخر من التحقيق الإسرائيلي معلناً أن اللجنة «الموضوعية» لم تتصل به لتسأله رأيه. أما جمال الدرة، والد محمد، فأعلن استعداده لإعادة فتح قبر ابنه في مقبرة الشهداء في مخيم البريج في قطاع غزة لإثبات أكاذيب إسرائيل. وأكد أن طفله قتل يومها وهو إلى جانبه وفي حضنه.
وتأتي محاولة إسرائيل نسف قضية الدرة في إطار فهمها بأن صور الدرة شكلت تبريراً ودافعاً للعديد من العمليات الاستشهادية ضد إسرائيليين. وقد جرت محاولة إسرائيلية مشابهة لنسف الوقائع حول مجزرة مخيم جنين التي جرت بعد استشهاد الدرة بعامين تقريباً.
وبديهي أن اليمين الإسرائيلي وأنصاره في وسائل الإعلام رحبوا بالتقرير واعتبروه إنجازاً يلغي «الفرية» ويكشف «الحقيقة». لكن خلافاً لهؤلاء انتقد كتاب آخرون التقرير واعتبروه أقرب إلى المهزلة. ووصف المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد التقرير بأنه «احدى الوثائق الأقل أهمية التي كتبتها الحكومة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة». واعتبر أن حفل تسليم التقرير كان أقرب إلى المشهد «السوريالي»، مشدداً على أنه لا يتضمن أي قرائن جديدة تغير الصورة المعروفة وأنه تم إعداده، ربما، لأغراض داخلية. فالتبريرات المعروضة لا تقنع أحداً سوى المقتنعين أصلاً بأن الدرة لم يقتل، وأن إسرائيل لم تقتله، وفي النهاية فإن التقرير لن يغير شيئاً في الرواية العالمية حول الواقعة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد