06-02-2018
إذا كان الموظف يستطيع مجاراة ارتفاع الأسعار فما حال من ليس لديه وظيفة أو دخل؟!
نظرياً.. المواطن ومستوى معيشته هما البوصلة في عمل الحكومة، وعملياً… استمرت أعباء الحياة اليومية التي ترافق عامة الناس منذ عقود، وما تغيّر فقط هو تضاعفها خلال الحرب.
سؤال عابر للمزارع أبو محمد عن تقييمه للواقع المعيشي ومكانة المواطنين في القرارات الحكومية أثار غضبه وانهال علينا بجردة تشمل الكثير من المنغصات اليومية، فيتساءل: ما الذي يحصل عليه المزارع من رزقه؟ ويضيف: الماء يصب في البحر والمزروعات عطشى، التسويق بأسوأ الأسعار، الأجور منخفضة لا تكفي بضعة أيام، والأسعار نار متّقدة دائماً، كيف سيتزوج شاب إذا كان سعر البراد يقارب المليون ليرة؟
يعتقد أبو محمد أن بعض الجهات لا يهمها مزارع ولا مواطن، وأن طاقمها من التجار ويعملون لمصلحتهم ولا يهمهم سوى زيادة رأسمالهم على حساب المواطنين!
توفير الضرائب من اختصاص الموظفين في الدولة، والإعفاءات للمستوردين والصناعيين، القروض ميسرة لهم، بينما أغلب أنواع الإقراض مغلقة في وجه الموظفين، الخدمات الصحية في حدودها الدنيا، ومعاينات أطباء تصل إلى عشرة آلاف ليرة، ودخلُ بعضهم يقارب المليون ليرة يومياً!!!
وزير المالية د. مأمون حمدان يلقي بعلاج كل تبعات الحرب على المواطنين، إذ لا زيادات على الأجور، ولا إقراض إلا بزيادة إنتاج… قد يحتاج تحسنه سنوات.
ولكن في المقابل من الإنصاف الحديث أيضاً عن استمرار الكثير من الخدمات، بل حتى التعويضات رغم الحرب كما لا يحصل مع أي بلد يحارب.
«تشرين» تناقش واقع المواطن في أداء الحكومة وقراراتها، وذلك من خلال آراء مختصين اقتصاديين وأكاديميين.
صعب ومرهق
عضو مجلس الشعب مجيب الدندن يقول: إنّ الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن السوري صعب جداً، فنحن اليوم أمام عدد كبير من أسر الشهداء والجرحى الذين لا معيل لهم، إضافة إلى اتجاه عدد كبير من السوريين ولاسيما جيل الشباب إلى الخارج.
فقد كان متوسط راتب الموظف في عام 2011 يعادل مبلغ 700 دولار، أما اليوم فقد انخفض إلى 70 دولاراً ومن هنا جاءت المعاناة.
وأشار الدندن إلى أنّ حجم الأضرار، وفق أكثر التقديرات، يبلغ مئات المليارات، وأن إمكانات الحكومة السورية ومواردها محدودة جداً، لكن هذا الأمر لا يعفيها من القيام بواجباتها، من خلال جيش خدمي وفريق اقتصادي بعد إطلاق عجلة الاقتصاد، ولعل أهم ما هو مطلوب أن يكون هناك حد للهدر وترشيد للإنفاق، في الأماكن الضرورية ووفق خريطة واضحة الأولويات بالتوازي مع محاربة الفساد بشكل فعلي، فالنصر لن ينجز من دون القضاء على «داعش» و«نصرة» الداخل التي تغطي فسادها بحجة الولاء للدولة، فالوطني لا ينتظر ثمن وطنيته وموقفه.
ورأى أنّ أي قرار حكومي ستكون له إيجابيات لقسم من المواطنين، وقد تكون له منعكسات سلبية على القسم الآخر، لكن المطلوب أن تستهدف السياسة الضريبية أصحاب رأس المال، فحتى الآن مازال الموظف هو الدافع الأكبر للضريبة، وكذلك القيام بخطوات فاعلة نحو الإصلاح الإداري ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
المواطن بارومتر لصوابية القرارات
الأكاديمية والباحثة الاقتصادية د. رشا سيروب تتحدث عن العلاقة بين المواطن والقرارات الحكومية، وترى ازدياد وتسارع وتيرة نقد الشارع وعدم تقبله واعتراضه لمعظم القوانين والقرارات، ولاسيما تلك التي تمس حياته اليومية ومستواه المعيشي، ويعود ذلك في رأيها لشعور المواطن بأن المسؤول العام (من يشغل منصب عام) يصدر القرارات من برج عاجي بعيداً عن الواقع وضروراته، ولا يؤخذ برأيه ولا يتم إشراكه في عملية صنع القرار، ما عزّز شعور المواطن بأنه متلقٍ للقرارات ومنفذ لها وليس شريكاً في عملية صنع القرار.
إن مفهوم صنع القرار يختلف عن مفهوم اتخاذه، فصنع القرار هو عملية وسلسلة من التحليل والدراسات واقتراح الحلول للمشكلات والبدائل الممكنة التي تنتهي باتخاذ القرار الذي يحقق البديل الأفضل، فهل تقوم الحكومة قبل اتخاذ القرار بإشراك المواطن في عملية صنع القرار؟
تضيف د.سيروب: هناك شرخ كبير بين المواطن والأجهزة الرسمية من حيث عدم تجاوب المؤسسات الحكومية مع رغبات وطلبات الشعب، (على سبيل المثال ما حدث في المناهج الدراسية)، وفي حالات كثيرة ورغم تنويه المواطنين بالمنعكسات السلبية لبعض القرارات والتحذير من خطورة إصدارها، إلا أنه يتم إصدارها، علماً أن هذه القرارات قد تكون متناقضة أو خاطئة ويتم بعد فترة التراجع عنها أو إرجاء تطبيقها.
كل هذا يدل على تهميش واستبعاد المواطن عن ممارسة دوره في عملية صنع القرار، ولاسيما تلك القرارات التي تمس الحاجات الأساسية للمواطنين التي تشكل عماد حياتهم.
انعكاسات عدم إشراكه!
ترى سيروب أن الحكومة عندما تصدر قراراتها ومهما روّجت لأهميتها وآثارها الإيجابية على حياة المواطن، إلا أن الواقع يثبت أن هذه القرارات إما عديمة الجودة وإما لها آثار سلبية عكس المرجوة والمعلنة، وفي رأيها أن إغفال دور المواطن كمؤثر فاعل في عملية صنع القرار، يعود بمنعكسات سلبية على جدوى وصوابية القرارات المتخذة، فعندما يتم إشراك المواطن في عملية صنع القرار فإن هذا يزيد نسبة قبول القرار بين المواطنين، والتجاوب في تنفيذ هذه القرارات وتفهم مسوغاتها، وتالياً تحقيق الغاية منها، فالمشاركة المجتمعية في عملية صنع القرار تجعل الحكومة أكثر قرباً من الناس.
كيف نشركه وما هي المتطلبات؟
في كثير من الأحيان نسمع تصريحات بعض المسؤولين بأن المواطن هو من همّش نفسه ولا يرغب بأن يساعد الحكومة في أن يكون شريكاً في صنع القرار، هنا نقول لكي يتمكن المواطن من المشاركة الفاعلة لابد من:
– إيمان الجهات المختصة واقتناعها بأهمية المشاركة المجتمعية بأنها إحدى طرق بناء الثقة في الحكومة، حيث إن المواطنين هم الأقدر على توصيف مشكلاتهم ووضع السياسات والبرامج لمعالجتها.
– سرعة استجابة المسؤولين لآراء ومقترحات المواطنين، تعمِّق شعور المواطن بجدوى المشاركة المجتمعية ومردودها المباشر على تحسين مستوى حياته وعلى الدولة ككل.
– قدرة المواطنين في الحصول على المعلومات الصحيحة بسهولة وشفافية، وتسهيل عمليات التشاور ما بين المواطنين والموظفين العموميين وتفعيل منظمات التي تدعم حق المواطن في صناعة القرار.
– ضرورة توفير المتطلبات والحاجات الأساسية للمواطنين مثل الغذاء والمسكن الملائم والعمل اللائق والتعليم الجيد وجميع الحاجات التي تلبي الإشباع المادي والنفسي للإنسان، إذ إن تلبية القاعدة الدنيا في هرم «ماسلو» للحاجات الإنسانية تتيح للمواطن قدراً من الاستعداد للمشاركة في الحياة العامة داخل الوطن.
تنوه د. سيروب بأن الخطط الإسعافية التي تقوم بها الحكومة ومؤسساتها لا تعني على الإطلاق تجاهل المنعكس الاجتماعي والنفسي على المواطن فضلاً عن الاقتصادي، وأن ما تطلق عليه الحكومة «أولويات» يجب أن تكون منسجمة ومتناسقة مع «الاستراتيجيات» والاستراتيجيات تؤدي إلى تحقيق المصلحة العامة، المتمثلة بتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدمي للمواطن.
إذاً، المواطن هو بارومتر لصوابية القرارات والسياسات الحكومية، وأي تجاهل له يعني مزيداً من التخبط والتناقضات في القرارات الحكومية، فالمواطن شريك للحكومة في عملية صنع القرار قبل اتخاذه، وعدم إشراكه يعني عدم القدرة على تحقيق الحكومة لأهدافها.
من الضرائب
يمكن للسياسة الضريبية المطبقة أن تكون بمنزلة الأنموذج الأوضح لمدى الأعباء التي تلقى على كاهل الموظفين، فالضرائب المقطوعة من رواتبهم تمول خزينة الدولة.
الباحث الاقتصادي شادي أحمد يقول: ليست المشكلة دائماً في حجم الضرائب أو مقدارها، لكن الأساس أن يرى المواطن أن هذه السياسة الضريبية التي تدفع للخزينة العامة تعود بالنتيجة عليه، مشيراً إلى أنه صحيح أن طبقة الموظفين هي الشريحة الأكثر التزاماً بدفع الضرائب، لأن الضريبة تقتطع من الراتب قبل أن يصله، ولكن عندما يرى المواطن أن مستوى الخدمات والمعيشة تحسن، وأن الدولة تدعم الأسعار فهذا الأمر يريحه، لكن حتى الآن لم تقم جهة عامة أو خاصة بقياس أثر الرضا الضريبي للمواطن في السياسة الضريبية.
يعني، هل قامت وزارة المالية ببحث أو استبيان عن طريق مؤسسة خاصة وسألت المواطن هل أنت راضٍ عن الوضع الضريبي في سورية؟ وهل قامت بقياس مستوى الخدمات المقدمة للمواطن نتيجة إعادة استثمار الضرائب والإيرادات الضريبية في قطاعات خدمية أو استثمارية؟ إن هذا الأمر بحاجة إلى جواب!
خلال الحرب
يضيف الباحث الاقتصادي أحمد أن الجزء الثاني الذي يتعلق بالضرائب هو خلال فترة الحرب والأزمة، حيث انخفضت الإيرادات الضريبية بسبب توقف عجلة الاقتصاد والإنتاج وتدمير الإرهابيين للاقتصاد الوطني، تالياً الدولة لم يبق لديها تلك الإيرادات، لأن الدول التي تستهدف سورية قطعت عنها جميع ما يمكن من وسائل يتم فيها الحصول على العملة الصعبة فمنعوا استيراد النفط والفوسفات السوري، واستيراد أي شيء من سورية، وتالياً أصبح الوضع سيئاً لأنه لا توجد عند الحكومة إيرادات، ولكن كان المخطط للأزمة الاقتصادية السورية من الخارج أن ينهار الجهاز المالي والإداري لكن هذا لم يحصل بمعنى بقيت وزارة المالية تدفع رواتب الموظفين منذ اليوم الأول للحرب وحتى الآن.
إعادة الإعمار
وعن ضريبة إعادة الإعمار التي أقرت مؤخراً يرى أحمد أنها بسيطة ولا تعادل سوى 10% من رسم الإنفاق الاستهلاكي، أي أن الموظف يدفع 10 ليرات على الألف ليرة، ويؤكد أن إعادة الإعمار لا تكون بفرض ضرائب ولا بمديونية مطلقة، ويتساءل أحمد فيما إذا وضعت الاستراتيجية حتى نضع لها الضرائب؟
لم توضع الاستراتيجية، لكن الذي حصل أنه كانت هناك لجنة لإعادة الإعمار، هذه اللجنة قامت بتعويض الأضرار لبعض المتضررين وبقيمة وصلت إلى 70 مليار ليرة، حيث يعوض المواطن بنسبة 15– 17% من قيمة الأضرار، وهذه النسبة يعرف الجميع أنها لا تكفي لإعادة الترميم، ولاسيما مع بعض الفساد الذي يحصل عند لجان التقييم والصرف، ولو أن الحكومة شيّدت بهذا المبلغ لأنجزت أكثر من 7 ضواح سكنية تستوعب أعداداً كبيرة من المتضررين، لكن الدولة قامت بالتعويض كمسؤولية اجتماعية، ولكي تقول «إني مازلت قادرة على تعويض أضرار الحرب».
جاءت لمصلحته
ورأى أحمد أن القرارات التي كانت لمصلحة المواطن هي استمرار الدعم الحكومي لقطاعات مهمة، مثلاً رغم انقطاع الكهرباء وارتفاع تكلفتها بشكل كبير لكن لم تقم الدولة برفع أسعار الكهرباء كما اعتقد البعض، حيث إن قطاع الكهرباء، يكلف الموازنة والخزينة أعباء كثيرة، وأكثر من 70% من الدعم الحكومي موجه للكهرباء ومع ذلك لم تتغير أسعار الكهرباء بالنسبة للاستخدام المنزلي، وفي الوقت ذاته عندما كان التقنين طويلاً كنا نلاحظ وجود الهدر في استخدامها، كذلك الاستمرار بدعم الخبز، فالربطة تكلف الدولة 280 ليرة تباع بـ50 ليرة، كذلك استمر دعم القطاع العام الذي وفر الكثير من الخدمات للمواطنين.
وفي المقابل، كانت هناك قرارات انعكست سلباً على المواطن اتخذتها الوزارات والهيئات المعنية، منها عدم القدرة الحقيقية قبل 2017 على ضبط حقيقي لأسعار الصرف في سورية، ما أدى إلى اختلال كبير في أسعار المواد.
إغاثة لم تغث!
ويرى أحمد أن من بين القضايا التي لم تنصف المواطن أيضاً موضوع المساعدات والإغاثة التي لم توزع بعدالة سواء عن طريق المنظمات الدولية أو الحكومية، فهناك الكثير من الناس لم تصلهم المساعدات مع أنهم يستحقونها، بينما هناك أناس يدعمون بمواد وسلع وغذائيات لا يحتاجونها، من هنا وجدنا سوقاً سوداء للمساعدات.
وأيضاً بقيت مستويات الفساد والبيروقراطية مرتفعة جداً، وتالياً الحزم بمحاربة الفساد لم يكن كافياً، وحتى لم يكن بالحد الأدنى، كذلك هناك قضايا تتعلق برعاية أسر الجرحى الموجودين سواء بالجيش أو الدفاع الوطني وغيره، لم تنل الرعاية الكافية، ويعتقد أحمد أن أسر الشهداء حصلوا على شيء مقبول، طبعاً لا يرتقي إلى مستوى الشهادة، لكن أسر الجرحى لم تتلق المساعدة الكافية وهذا الأمر سبب مشكلة كبيرة للأسر، فالجريح أصبح مقعداً وغير قادر على الحركة فزادت أعباء الأسرة، وكان يجب أن يكون لدينا علاج فوري لهذا الواقع الجديد.
«كافيار وسيكار»
ويرى أحمد أنه لم تفقد أي مادة من الأسواق، فحتى الكافيار والسيكار متوافر، والغريب أن دولة تعيش حرباً ومازالت تلك المواد موجودة في أسواقها، فَمَنْ سمح بدخولها؟ حتماً وزارة الاقتصاد لم تمنح اجازة استيراد للكافيار والسيجار، ولكن ليس من المعقول أن يكون حجم التهريب كبيراً ومتاحاً والأسواق مفتوحة على التهريب إلى هذا الحد! ومَنْ سمح بدخول أفخم أنواع السيجار والمشروبات الكحولية والألبسة، ويعتقد أن الأمر يتطلب مراجعة.
ويرى أحمد أنه يجب التركيز على شريحة المواطنين غير الموظفين أو الذين فقدوا عملهم، وليس لديهم دخل، فلذلك أي زيادة في الرواتب تترافق مع ارتفاع في الأسعار، وإذا كان الموظف يستطيع أن يلبي قليلاً من موجة ارتفاع الأسعار،فما حال من لا يملكون وظائف أو دخلاً وكيف سيلبونها؟
ويرى أن تطور مستوى المعيشة في سورية لم يكن مقبولاً بل تزداد الآن حدة الضائقة المعيشية على المواطن، وما قيل عن تخفيضات في الأسعار التي قامت فيها وزارة التجارة الداخلية، لم تكن مؤثرة، والسبب أن الفرق كبير بين الدخل والإنفاق، حتى إن زيادة الرواتب بـ10- 15% أو 25% لم تقلص الفجوة، وهذه الفجوة لا يمكن حلها بقرارات، بل بالسياسات، فنحن بحاجة إلى سياسة حقيقية تحقق التوازن بين دخل المواطن وحاجاته، وتحقق التوازن ما بين مصلحة القطاع الخاص والعام، وتحقق التوازن ما بين الواقع الحالي والانطلاق لواقع مستقبلي.
المطلوب
وعن الخطوات الأساسية لكي يشعر المواطن بوجود فرق في حياته يقول أحمد: يجب أن تكون لدينا خطة في ثلاث مراحل، مرحلة الترميم أو التعويض والنهوض أو التعافي، ثم البناء.
ويؤكد أن هناك 19 سلعة غذائية أساسية للمواطن يجب إجراء تخفيضات حقيقية عليها، حيث تخفض من استنزاف الراتب من 80 – 50%، فقبل الحرب كان 40% من الدخل يذهب للغذاء ثم الدواء، أما الآن 80% من الدخل للغذاء، لذا اعتماد نظام البونات أو اعتماد البطاقة الذكية يساعد، وهذا سيتحقق مع مادة الخبز، إذ سيتم بيع الخبز عن طريق البطاقة الذكية، وهذا يقلص الهدر، إذ إن الأفران في سورية تخبز 83 مليون رغيف، جزء كبير منها يذهب علفاً للحيوانات، وتنظيم الدعم على الخبز بعد معالجة الهدر يمكّن من توجيه المبلغ لسلع أخرى كدعم اللحمة مثلاً.
في الشعارات فقط!
أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد د. رسلان خضور أكدّ أن أولوية الحكومة من الناحية النظرية هي المواطن، بينما فعلياً لا يندرج ضمن أولوياتها، فمثلاً في مجال الضرائب، النظام الضريبي في سورية يتسم بعدم الإنصاف والعدالة لأنه غالباً ما يتضرر منه أصحاب الأجور المحدودة، حيث إنّ العبء الضريبي عليهم ثقيل مقارنة بالشرائح الأخرى، كرجال الأعمال وأصحاب الثروات.
أما الرواتب والأجور في الدول الصناعية المتقدمة فتشكل 65% من الدخل القومي، أما في الدول الأوروبية بين 45 -65 %، بينما الدول النامية فالنسبة متفاوتة، حسب كل بلد، في سورية قبل الحرب كانت حصة الرواتب والأجور فيها تتراوح بين 30- 35 % من الدخل القومي، أما حالياً وحسب التقديرات الأولية، فإنها لا تعادل أكثر من 15 %.
ولفت خضور إلى أنه حتى لو باع التجار المحتكرون المواد بالسعر الذي يريدونه لكن الأهم أن يدفعوا ضريبة أرباح للدولة وضريبة جمركية، مشيراً إلى أن الدولة لديها موارد، لكن من يأخذ تلك الموارد أشخاص محددون، وعن تقديراته لحجم التهرب الضريبي أكد خضور أنها تقدر في عام 2016 بنحو 1750 ملياراً.
دور متواضع
مدير المرصد العمالي في الاتحاد العام للعمال الدكتور عقبة الرضا يستعرض الواقع المعيشي خلال سنوات الأزمة ويرى أنه بسبب مفرزات الحرب أصبح لدينا ضعف في القوة الشرائية سواء عند المهني أو التاجر أو الصناعي، حيث يقوم الأخير بتعديل تكلفة وهوامش أرباحه بما يتناسب مع ارتفاع سعر الدولار، بينما الشيء الأساسي الذي يحتاجه المواطن هو ضبط الأسواق والأسعار، رغم أنّ وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حاولت القيام بهذه المهمة، لكن دورها كان متواضعاً.
وأشار إلى أنه عندما يحدث ارتفاع في أسعار سلعة ما مباشرة يرافقها ارتفاع في هوامش الدخل بالنسبة للتجار والصناعيين، في حين أن المواطن لم يتلمس حدوث أي زيادة بالحصيلة الضريبة التي يمكن أن تحصل عليها الحكومة من خلال ارتفاع الأسعار، ويرى أن الحكومة تركت للتاجر والصناعي والمهني تحديد السعر الذي يريده من دون أي ضوابط لهذا الأمر، إذ ليس هناك أي ضبط حقيقي للسوق.
وأوضح الرضا أنّ أهم قرار كان على الحكومة اتخاذه هو محاولة تعديل دخل الموظف، بما يتناسب مع هذه الأسعار، لأنه من المتعارف عليه عالمياً أن الدول التي تتعرض لأزمات تستخدم مؤشراً معيناً لمستوى المعيشة، مثلاً يمكن القول: إنه انخفض المستوى المعيشي بمعدل 30- 40% مثلاً، وهنا يجب أن يحدث تعديل للرواتب، بناء على هذا المؤشر، بينما في بلدنا لم يتم الِأمر بهذه الطريقة، مؤكداً أنّ تصريحات الحكومة تعلن أنها ستزيد الإنتاج، لكن السؤال: كيف يتم هذا إذا لم تكن هناك قوة شرائية؟ وهذا يؤدي إلى مدخل مغلق لأنّ المواطن لا يملك اليوم مدخرات أو قدرة شرائية تزيد الاستهلاك، فالنمط الاستهلاكي اختلف وتغيّر، وزيادة الإنتاج من أجل زيادة الأجور لكي يصبح هناك عرض أكثر في السوق، ولكن هذا غير ممكن، مشيراً إلى أنه إذا كان هذا الأمر يشغل بال الحكومة، فلماذا لا تساعد في عملية زيادة الإنتاج من خلال تخفيض أسعار حوامل الطاقة التي هي محرك كبير للأسعار.
أستطيع أن أضيف مسألة أخرى تتعلق بالمشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلق منذ نصف عام، وهذا المشروع محوره الأساس المواطن، وتبسيط الإجراءات الإدارية والتخفيف من عناء المواطن، وأنا أؤكد أنه لم يتم حتى هذه اللحظة وضع أي خطة تنفيذية لهذا المشروع موضع التطبيق، وعندما نقول إصلاحاً إدارياً، يعني أنه يجب أن يكون انعكاسه إيجابياً على حياة المواطن، حيث نرى أن تعقيد الإجراءات وتعقيد المعاملات وعدم الأخذ في الحسبان وقت المواطن، والتكاليف التي يدفعها لتوقيع ورقة صغيرة، حالة وهذا يؤثر فيه سلباً، والسؤال: ماذا حدث لهذا المشروع، هل أنجز شيء منه؟ هذا يحتاج إلى استفسار بشأن ماذا فعلت السلطة التنفيذية بهذا المشروع؟
إن جلّ ما قامت به هو عقد ندوات وورشات لكن لم يتمخض عن هذه الورشات أي خطة تنفيذية لوضع هذا المشروع موضع التطبيق.
ولفت د.الرضا إلى أن الإدارة الضريبية كما تعترف بالربح الضريبي للتاجر، عليها أن تعترف له بالخسارة في حال تحقق هذه الخسارة، ويجب أن نبدأ بعلاقة جيدة مع المواطن حتى نقول له عندما تربح عليك أن تدفع ضرائب وعندما تخسر يمكن تأجيل الدفع إلى حين تحقيق الأرباح، لكن هذه الآليات والأدوات غائبة لدى الحكومة.
الصحة
وكما لم ينصف القطاع المالي المواطن كذلك حال القطاع الصحي، فمعاناة المواطنين خلال رحلة التداوي لا يتسع المكان هنا للحديث عنها، لكن لنقيب أطباء دمشق الدكتور يوسف أسعد رأي مختلف فهو يرى أن كل اهتمام الحكومة بالمواطن، ولكن يجب التفريق بين الحكومة والتاجر، لأن التاجر همه الربح، بينما الحكومة تقوم بجولات ميدانية من أجل الاهتمام والوقوف على ما يصب في مصلحة المواطن، حتى في النقابات حتى نحن في نقابة الأطباء رفعنا الراتب التقاعدي للطبيب من 18- 25 ألف ليرة.
المواطن دائماً هو الهدف والأساس في كل شيء، ويجب التفريق بين الجشعين والدولة، ونقول: إن هناك حلقة مفقودة بين المواطن والدولة، فإذا عملنا على ترميم الحلقة المفقودة قد تتحسن العلاقة أكثر، مثلاً: هناك عداء دائماً بين أملاك الدولة والمواطن، مثلاً المواطن يدفع 1500 ليرة لأركيلة بينما لا يدفع 100 ليرة للدولة، كذلك عندما كانت هواتف الدولة في الشوارع كانت السماعة تسرق أو تكسر، أما عندما أصبحت للقطاع الخاص لم تتعرض للسرقة أو التكسير، فهناك عدم ثقة بين المواطن والدولة، ويجب عليه أن يفهم أن أملاك الدولة ملك له، وعندما تتعرض للاعتداء سيدفع ثمنها من جيبه، لأن الدولة ستأتي بالأموال من العائدات والضرائب.
أما فيما يتعلق بالوضع الصحي فيرى أن الدولة مازالت تؤمن كل شيء للمواطن، الدواء، المعالجة، العمليات الجراحية، وحتى أدوية الأورام، فهناك بعض الأدوية سعرها يصل إلى مليون ليرة، يتم تأمينها من خلال مشفى البيروني وبالمجان.
القطاع الصحي يقدم أفضل الخدمات الطبية خاصة بالمقارنة مع الأسعار في القطاع الخاص أو مقارنة مع دول الجوار، مثلاً تصل تكلفة عملية المفصل إلى 3 ملايين ليرة، والأدوية التي لا تتوافر يؤمن بديلها، لأن الحصار في كل دول العالم لا يكون على الغذاء والدواء إلا في سورية فُرضَ حصار على كل شيء، فتمت الاستعاضة عن الدواء الأوروبي بمنشأ آخر بديل.
يضيف د.الأسعد أنه لا ينكر وجود نقص في بعض الأدوية نتيجة الحرب واستهداف معامل الأدوية والأطباء، والعقول بشكل عام، فسابقاً كنا نصدر لأكثر من 30 دولة وكل الأصناف متوافرة.
لتخفيف الأعباء
وعن أبرز القرارات الصحية المنصفة بحق المواطن أضاف الأسعد، أن هناك تقصيراً في عدم تعديل التسعيرة الطبية وفي عدم تعميم التأمين على كل المواطنين، من أجل تخفيف العبء عن الناس، وفي رأيه أن الاهتمام بالقطاع الصحي يكون من خلال تقوية القطاع العام، فالأولوية لإعادة بناء المشافي التي دمرت، وكذلك المستوصفات الطبية.
صحيح أن الدخل محدود ولا يكفي، لكن الموضوع يحتاج مساعدة من الطرفين فموارد الدولة من المحاصيل الزراعية، والصناعية والنفظ، تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، وعندما تتحسن سيتحسن دخل المواطن، فالدولة عندها عجز في الميزانية، وهناك الكثير ممن لا يدفعون فواتير الكهرباء أو الماء، ويتهربون من الضرائب، فالمواطن له حقوق وعليه واجبات، ونحن مقصرون في هذا الجانب لأن الأغلبية تريد الحقوق من دون تقديم الواجبات لأنهم اعتادوا على ذلك.
أهداف متباينة
لمعرفة رأي وزارة المالية بما أثير من قضايا، كان لنا لقاء مع وزير المالية الذي تحدث عن الكثير من الخطط، وقدم الكثير من المسوغات والتعاريف بأعمال الوزارة، لكنه لم يذكر أياً من الحلول سواء الإسعافية أو الاستراتيجية فيما يخص الواقع المعيشي للمواطن، فكان الحديث مع الدكتور مأمون حمدان أشبه بأداء الحكومة من الحديث الكثير والمحصلة المخيبة، إذ يغيب عن حديثه ذكر أي رقم أو إحصائية كما هو شائع، لا يمكن معرفة الرقم بدقة: لحجم التهرب الضريبي، أو للكتلة المحصلة ضريبياً أو….أو..
عن موضوع التحصيل الضريبي الذي يعتمد على الموظفين أكثر من التجار والصناعيين يقول الوزير الحمدان: إن للضريبة أهدافاً اجتماعية، مثلاً لنفترض أن الضريبة ترفع على المشروبات الروحية، فهذا من أجل التقليل من استهلاكها، وكذلك التبغ، وممكن تخفيض الضريبة عن السلع المنتجة محلياً من أجل تشجيع الإنتاج، إذاً للضريبة أهداف اقتصادية أيضاً، لكن للأسف الناس يفهمون الضريبة كتحصيل أموال وهذا الكلام غير صحيح، وفي النهاية هي موارد للدولة، وأهم الواردات هي الضرائب والرسوم، وإلا كيف ستحصل الدولة على الأموال؟
أما عن العدالة الضريبية، فيرى حمدان أن العدالة مفهوم نسبي، حيث يقول الموظف: إنه يدفع ضريبة عالية، بينما لا تأخذون ضرائب من التجار أو الصناعيين، والحقيقة أن هناك الكثير من القوانين الاستثمارية في دول العالم تعفي رجال الأعمال من الضرائب، لكنها لا تعفي الموظف!
وكمثال على ذلك، القانون 8 للاستثمار في سورية، وأنه بقصد تشجيع الاستثمار أعفاهم من الضرائب لفترة محددة، فالضريبة كما يقول حمدان لها أهداف اقتصادية أيضاً، مثلاً في تنشيط السياحة ممكن إعفاء المنشآت السياحية من الضرائب، من أجل أن يأتي مستثمرون من داخل البلد وخارجه، لتأسيس منشآت سياحية!.
ليست المالية وحدها
ويقول بعد سبع سنوات من الحرب من الطبيعي أن يكون لدينا شح في الموارد والضرائب، الآن إذا وضعنا الرواتب والأجور للقطاع العام جانباً، فلدينا الرواتب والأجور للقطاع الخاص ونحن نعلم أن العديد من المنشآت التجارية والسياحية والصناعية توقفت ودمرت، وتالياً توقفت الضرائب على رواتب القطاع الخاص.
وإذا أتينا إلى الضرائب على المنشآت الصناعية والتجارية والسياحية والخدمية وغيرها أيضاً أين المعامل التي كانت تأتي بالواردات الكبيرة من الضرائب؟ هذه المنشآت دمرت، وتالياً توقفت الضرائب، وأصبح مفهوم العدالة الضريبية معقداً.
أما الضرائب على الرواتب والأجور فنقول: هناك قوانين تحكمها ولا تحددها وزارة المالية، فلا يمكن فرض أي ضريبة أو الإعفاء منها إلا بقانون، فهذا الكلام هو سياسة عامة للدولة وليست وزارة المالية فقط، فلا يمكن لوزارة المالية أن ترفعها أو تخفضها خلافاً لما يعتقده الكثير من الناس.
خفضنا الرسوم الجمركية
في الحرب خفضنا 50% من الرسوم الجمركية على واردات المواد الأولية الداخلة في الإنتاج مدة سنة فقط، هذا ما جعل مئات المصانع تبدأ بالعمل، حيث وجدوا أنهم إذا اشتغلوا واستغلوا تخفيض الرسوم فهذا يجعلهم يعملون ويحققون ميزات نسبية بالتصدير وبالفعل هذا ما حصل، فالصادرات السورية قد ارتفعت.
وهؤلاء لم يتم إعفاؤهم من الضرائب على الدخل فهم يدفعون الضرائب على الدخل لأنه في النظام الضريبي أصبحنا نأخذ منهم سلفة على الضريبة ونسبتها قريبة جداً من الضريبة التي يدفعها التاجر.
عادة عندما يأخذ الموظف راتبه تقطع الضريبة منه مباشرة، وهم يتهمون التجار بأنهم لا يعاملون هكذا، وهذا الكلام غير صحيح، كما يضيف وزير المالية، فالتجار والصناعيون الكبار عندما يستوردون البضاعة تؤخذ منهم سلفة على ضريبة الدخل مباشرة عند دفعه الرسوم الجمركية، وهذه قريبة جداً من الضريبة التي سوف تتحقق بعد سنة، وتالياً يكون قد وصل حق الخزينة العامة إلى حد ما بهذا الوضع.
دراسة للتطوير
النظام الضريبي في الواقع رغم كل ذلك، حالياً، هناك لجنة من الخبراء داخل وزارة المالية وخارجها من أساتذة جامعة – قانونيين – قضاة يدرسون كيفية تطوير النظام الضريبي السوري.
فهذا النظام بدأ في عام 1949 وتم تعديله عدة مرات ولكن تعديلات طفيفة، وهو قائم على أساس الضرائب النوعية، الآن العالم تجاوز هذا النوع وأخذ الضريبة الموحدة على الإيراد، ومن الطبيعي أننا لن نستطيع أن نحقق ذلك خلال فترة وجيزة فالخطة على المدى الاستراتيجي أن نصل لتلك الضريبة العامة على الإيراد، ولكن لا أستطيع أن أعطي موعداً محدداً لأنه الآن يجب أن تنهي اللجنة عملها، ليرفع بالطرق الرسمية لصدور قانون ضريبي جديد أكثر شفافية، الآن هناك 27 تشريعاً ناظماً لضرائب الدخل في سورية، ما نسعى إليه جمعها في تشريع واحد.
يضيف د. حمدان أن كلمة التهرب الضريبي تستخدم في غير مفهومها أحياناً، والبعض يخلط بين التهرب الضريبي وبين الناس التي اغتنت بشكل أو بآخر خلال الحرب، هذا لا يسمى تهرباً ضريبياً، والمتهربون أناس مسجلون لدى ضرائب الدخل ولا يدفعون الضرائب، وهناك آلاف الضبوط بحق المخالفين ومن الصعب تحديد رقم لحجم التهرب الضريبي.
نصف دقيقة
يرى وزير المالية أن أبرز القرارات التي اتخذها في وزارة المالية خلال فترة «عمله» هي موضوع براءة الذمة التي كانت سابقاً تستغرق أكثر من شهر، فقد أصبحت الآن تنجز في نصف دقيقة، وكذلك إدخال وثائق وملفات المكلفين بطريقة مؤتمتة وبشكل يشير لحجم التهرب الضريبي، إضافة لتسريع الإجراءات وتبسيطها للمواطن، وأنه من الشهر القادم لن يكون هناك تعامل ورقي في وزارة المالية، وهذا من شأنه تسريع الإجراءات، كذلك موضوع الاتفاقيات التي عقدت مع أصحاب المنشآت السياحية التي تخضع لضريبة الدخل المقطوع وللإنفاق الاستهلاكي، كانت سابقاً تعتمد على التقدير، حيث يذهب مراقب إلى المنشأة وكان دائماً يثير جدلاً عن قيمة الإيراد، الآن صدر قانون أجاز لوزارة المالية بالاتفاق مع وزارة السياحة واتحاد غرف السياحة تشكيل لجنة رئيسها مدير المالية في المحافظة مع صاحب المنشأة للاتفاق على رقم عمل معين بعد دراسات معينة، حيث تؤدي إلى زيادة الإيرادات بنسبة أقلها 100%، ولكن أحياناً تصل إلى أكثر بكثير.
ليست المالية بل الشؤون
أما ما قاله الوزير حمدان عن موضوع زيادة الأجور فهو التأكيد أن دور وزارة المالية، تنفيذي، وكل الاعتمادات المالية لا تقرها وزارة المالية، بل وزارة الشؤون والعمل هي من تقرر سياسة الأجور بالاتفاق مع لجنة وزارية من عدة وزارات من بينها المالية، لكن المالية لا تقرر الأجور والرواتب وليست لها علاقة في تحسين الواقع المعيشي، بل هي سياسة اقتصادية في البلد تحسم في مجلس الوزراء وجهات مختلفة حتى تصدر بصورتها النهائية وليست مسؤولية وزارة المالية، بل مسؤولياتها إعداد الدراسات.
وكرّر وزير المالية ما سبق تكراره من أن تحسين الواقع المعيشي ليس بزيادة الرواتب فقط لأن الزيادة إن لم تكن مدروسة اقتصاديا ً تقوم بمفعول سلبي، وتزيد العملات والأسعار ويصبح هناك تضخم.
ولقطع الطريق على أي حديث بهذا المجال يؤكد أنه لا يوجد سوى أسلوب واحد لتحسين الواقع المعيشي وهو زيادة الإنتاج، وذلك من خلال المعامل التي عادت للإنتاج وكانت متوقفة سابقاً، وعددها بالآلاف، وأصحابها سيسددون الضرائب في هذا العام!!
هذا الواقع
يضيف حمدان أنه مازالت الدولة تقوم بالكثير من أعبائها فالخبز مدعوم– التعليم– الصحة، النقل– المياه– الصرف الصحي، وأنه إذا أردنا إعادة الكهرباء لشرق حلب مثلاً نحتاج إلى 400 مليار ليرة، لذلك كل تلك الأمور تحتاج إلى بحث ودراسة ضمن الوضع الحالي للبلد، وللواقع الاقتصادي فيه.
ويؤكد حمدان أن الأولوية للجيش والقوات المسلحة ومن ثم الأمن الغذائي، وأن هناك إنفاقاً على الموارد المائية والأقنية الزراعية حتى استطعنا الزراعة في الوقت الحاضر، فهناك مناطق زراعية لم تزرع، أما هذا العام فقد تمت زراعتها، كذلك شجعنا الفلاح من بداية الحرب وحتى الآن لم تتوقف القروض الزراعية عن الفلاحين ونعطيهم مستلزمات الإنتاج، ونشتري منهم المحصول مسبقاً، كذلك نقوم بتشجيع الصادرات السورية، لأن التصدير أساسي في كل دولة من دول العالم.
أما فيما يتعلق برسم إعادة الإعمار فيقول الوزير حمدان إنهم رصدوا في الموازنة العامة للدولة 50 مليار ليرة لإعادة الإعمار، ولكن هذا المبلغ لا يكفي، وفي حال رصد أكثر من هذا المبلغ فهذا سيعني أنه سيقلل من عدد المدارس، والمشافي التي ستبنى وسيكون هناك شيء على حساب آخر.
من التجار!
ويضيف: قامت الحكومة بإعطاء الكثير من الأموال للمواطنين حتى أعادوا إعمار منازلهم جزئياً، أما من هُدم بيته بالكامل فهذا يحتاج إلى دراسة وحلول جذرية، ولزيادة المبلغ على 50 مليار ليرة، وبعد اجتماع الحكومة والجهات المعنية لم يكن هناك حل إلا برفع هذا الرسم من 5- 10% وسوف يدفعها التجار بالدرجة الأولى حيث تم إعفاء كل الرواتب والأجور من هذه الضريبة، ولا على أي شيء يضاف إلى فواتير الكهرباء والماء، والمواطن العادي وأصحاب الدخل المحدود لن يتأثروا بهذه الضريبة، وإنما زادت على الأرباح الحقيقية، على المهندس– التاجر– الصانع وهذا الإجراء سوف يصب في الموازنة العامة للدولة ومن المتوقع أن يساوي 15 مليار ليرة. وبذلك نستطيع أن نتوسع/ نأخذ من التاجر ونعطي للناس المتضررين، والتي سوف تذهب للإدارة المحلية للجنة إعادة الإعمار.
يقول الموازنة العامة للدولة في العام الماضي كانت 2660 مليار ليرة، بينما في عام 2018 من المتوقع أن تنفق الدولة 3187 مليار ليرة، إذاً توجد زيادة لابأس بها أكثر من 20 %، والشيء الآخر الذي يجب إبرازه هو توزيع الإنفاق الجاري والاستثماري، فالاستثمار الجاري يمثل 75% والاستثماري 25% التي تمثل الأبنية والمشروعات، بينما الجاري هو الذي يهتم بالمواطنين، من أجور- مواد– قمح..
من أين؟
مادامت الموارد شحيحة في سورية فمن أين الإنفاق؟ يقول حمدان رغم أن الضرائب والرسوم لا تساهم إلا بجزء قليل في الموازنة العامة، وأيضاً لدينا الكثير من معامل الاقتصاد العام التي دُمرت، ونضطر لدفع رواتب عمال المعامل وأخذهم للقطاع الإداري حتى تحولوا إلى عبء على الدولة، فبدل من أن تأتينا فوائض أصبحنا نعطيهم رواتبهم، لكن هناك بعض الفوائض في بعض المعامل لاتزال ترفد الخزينة، والأمل في تخفيض الإنفاق لأنه عندما تتحرر آبار البترول والغاز، نتوقف عن الاستيراد، ويقل الإنفاق، وهذا الشيء الأساسي الذي تعمل عليه الحكومة، والبقية عبارة عن عجز، يعني نقترض من البنك المركزي، وإذا أردنا إعادة الوضع إلى ما كان عليه، تجب إعادة ما أخذناه من البنك المركزي، لكي تعود الليرة كما كانت سابقاً، وهذا يحتاج إلى سنوات، لذلك نحتاج إنفاقاً أكبر، ولكن لا نستطيع اقتراض كل هذه المبالغ لأنه توجد سياسة نقدية في الدولة، والشيء المهم لعمل الحكومة الحالية هو قدرتها على تثبيت سعر الصرف، لذلك نقول إننا كحكومة نسير في الطريق الصحيح.
كذلك في مجال الزراعة نشتري موسم القمح مباشرة ونشجع بعض الزراعات كالتبغ لأن التبغ السوري مرغوبة في الخارج ورفعنا سعره، كذلك ارتفعت صادراتنا من زيت الزيتون، ويتم العمل بخطط جديدة، فقد تمت الموافقة على بناء معمل جديد لتكرير زيت الزيتون من أجل دعم الفلاح. هناك تحسن لواقع المواطن لكن إنجازاتنا لا تعادل إنجازات الجيش، نتمنى على موظفنا وعاملنا أن يضحي بنسبة مما يضحيه الجيش، لَكُنّا صنعنا المعجزات… يختم وزير المالية!!
يقول الوضع الاقتصادي أفضل بكثير من السابق وكل يوم يتحسن عن الذي قبله، عدد العاملين في الدولة مليون و800 ألف الموجودين حالياً، فإذا حسنّا الرواتب نحسن وضع هؤلاء فقط، وليس هؤلاء كل الشعب السوري، فهناك الكثير من الباحثين عن فرص عمل وبالراتب الحالي فماذا نقول له، فالحل هو التشغيل لكل شخص قادر على العمل، بالنسبة لسياسة الإقراض بدأنا بالشرائح الصغيرة والمتناهية الصغر حتى كل إنسان ممن لديه القدرة على العمل ويصنع فرصة عمل، كذلك استيراد الأبقار فالخطة هي استيراد 30 ألف بقرة وفيما هذا خلق فرص عمل أيضاً، فليس المطلوب من الدولة توظيف الكل، استيراد الأبقار يعني تخفيض سعر الحليب، فيعني هذا تحسين الواقع المعيشي، كذلك الألبان – الأجبان، وذلك شغّلنا الأطباء البيطريين أي شغلنا الريف، كذلك وزّعنا مناحل مجاناً العام الماضي على مناطق في الساحل السوري من أجل تحسين معيشته.
في الصناعة تل كردي فيه 177 معملاً، وبدأت الكثير من تلك المعامل بالعمل بعد أن تم توفير الكهرباء لها – الشوارع – الخدمات – من أجل إعادة الإقلاع، والأهم أنه خلق فرص عمل، وبعد فترة توجد لدينا مؤشرات عندما يتحسن الوضع فمن الطبيعي أن ينعكس إيجاباً على المواطن الذي نحتاج إلى رضاه ونراه مهماً، وعندما نشعر بأنه أصبح لدينا إنتاج حينها نستطيع أن ننفق ما نريد.
الرواتب والأجور تقريباً تأخذ حوالي 900 مليار تقريباً سنوياً أي ثلث الموازنة العامة للدولة، الآن إذا أردنا أن نزيدها ستكون الزيادة 100% لأنه من غير المعقول زيادة 5000 ليرة، هذا مستحيل، وإذا زدنا 100% فهذا صار ثلثي الموازنة هي الرواتب والأجور، فلن يكون هناك مجال للإنفاق
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد