أولمرت : تصريحات السنيورة تحقق أحد مطالبنا
تسابقت ليلة أمس جهود التصعيد الإسرائيلية مع مساعي التهدئة الدولية، بإعلان وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس حالة طوارئ خاصة في شمالي إسرائيل وتكثيف المساعي الدبلوماسية لترتيب وقف إطلاق النار. وفي هذه الأثناء، تتعاظم خيبة الأمل في المستويات الشعبية الإسرائيلية من الحكومة والجيش، فيما تتزايد خيبة أمل المستوى السياسي من المستوى العسكري.
ولاحظ المعلقون السياسيون في إسرائيل غياب رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت عن السمع ورفضوا الفكرة التي يشيعها مقربوه من أنه ترك للجيش أن يتكلم. ويوحي المقربون من أولمرت بأنه على استعداد لأن يخرج في حديث على الملأ فقط إذا شعر بأن هناك تطورات جدية على الصعيدين الميداني والسياسي.
وفي وقت متأخر من مساء أمس، أبلغ مقربون من أولمرت المراسلين السياسيين لوسائل الإعلام الإسرائيلية أنه يرى في إعلان رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة مطالبته بوقف النار والتزامه ببسط السيادة <خطوة في الطريق الصحيح> ولكنها غير كافية. وقال هؤلاء، في ما يشبه <تبادل الرسائل إعلامياً>، ان تصريحات السنيورة مثيرة وتخلط الأوراق <وهي تحقق أحد مطالبنا: إبعاد حزب الله عن الحدود. ونشر الجيش اللبناني هناك. ولكن إسرائيل تصر أيضا على مطلب الإفراج عن الجنديين>.
وقال المقربون من أولمرت للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إن استجابة الحكومة اللبنانية للمطالب الإسرائيلية جاءت <مبكرة، لأن إضعاف حزب الله لم يبلغ بعد مرحلة تتيح لرئيس الحكومة اللبنانية فرض موقفه>. ورأى هؤلاء أن المعركة بالتالي سوف تستمر، برغم دخول العديد من القوى على خط الضغط السياسي من أجل وقف إطلاق النار.
من جهته، قال وزير العدل حاييم رامون <على حزب الله أن ينتشر ما وراء نهر الليطاني، يجب أن يسلّم ترسانته من الصواريخ الى الجيش اللبناني الذي ينبغي أن يتمركز على طول الحدود مع اسرائيل> مضيفاً <اذا قبلت هذه الشروط فستوافق اسرائيل على وقف لإطلاق النار>.
وحول تصريحات السنيورة، قال رامون ان ما يهم اسرائيل هو <ما يحصل على الارض>. وأضاف متوجهاً الى السنيورة <طبقوا القرار 1559 وأعيدوا مقاتلي حزب الله الى شمالي الليطاني وسلّموا صواريخهم الى الجيش اللبناني وسيكون هناك وقف فوري لإطلاق النار>. وتابع <يجب تطبيق هذه التدابير على الارض والا تبقى في إطار التصريحات> مشددا على ان <الحقيقة حتى الآن هي أن نصر الله لا يزال صاحب القرار في لبنان، وننتظر تعهداً منه>.
وحاولت جهات إعلامية إسرائيلية بلورة الأفكار السياسية التي يجري تداولها، بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول العربية، لوضع حد للمواجهة الراهنة. وقالت إنها تتلخص في وجوب التفاهم أولا على سبيل لتبادل الأسرى ومن ثم الاتفاق على وقف نار تدريجي. يلي ذلك التفاهم حول انسحاب حزب الله من خط النار في مقابل امتناع إسرائيل عن الطلعات الجوية مستقبلاً فوق الأراضي اللبنانية. وتنهي الأفكار بمواصلة العملية السياسية في لبنان لدمج حزب الله في مؤسسات الدولة ونزع سلاحه.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإنه لا يمكن إبرام اتفاق لا يوفر صفقة يمكن أن تعتبرها الحكومة اللبنانية <مشرفة>. ولذلك فإن الولايات المتحدة ضغطت في مؤتمر الدول الصناعية الثماني الكبرى من أجل توفير المهلة لإسرائيل لإتمام عملية إضعاف حزب الله. فإدارة بوش طالبت إسرائيل طوال الوقت بالحذر في التعامل مع الوضع اللبناني والعمل بطريقة تمنع خسارة الحكومة اللبنانية شرعيتها أمام جمهورها.
وكان الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي الجنرال غيورا آيلاند قد كشف النقاب عن خطة عمل كان قد وضعها سابقاً لحل الأزمة مع لبنان، تتضمن ستة مقومات تستند إلى توفير ضغط دولي يمارس على كل من لبنان وسوريا من أجل تحقيقها: والبند الأول في هذه السداسية هو إبعاد حزب الله عن خط الحدود مع إسرائيل. أما الثاني فهو وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية. والثالث الاتفاق على تبادل الأسرى والإفراج عن جميع الأسرى اللبنانيين في إسرائيل. والرابع تسوية قضايا الحدود المعلقة وخصوصاً في الغجر ومزارع شبعا. أما البند الخامس فهو يتعلق بمشاكل مياه بين الطرفين. والسادس الاتفاق على هيئة للإشراف على وقف إطلاق النار.
وهكذا عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى تقليص أهدافها من وراء الحرب وتلخيصها، إضافة إلى استعادة الجنديين، بإبعاد حزب الله عن الحدود بطريقة سياسية أو عسكرية لا فرق. وشددت على أن الهدف الراهن هو إضعاف حزب الله وتغيير الوضع القائم. وبرغم أنها تفضل تحقيق هذا الهدف بأسرع وقت ممكن بطريقة سياسية إذا أمكن، إلا أنها مستعدة للسعي من أجل إنجازه بطريقة عسكرية أيضا.
وهذا ما يفسر خطوتين أقدمت عليهما الحكومة الإسرائيلية أمس. فقد أعلن الجيش الإسرائيلي عن قيامه بنشر بطاريات صواريخ من طراز <باتريوت> على مقربة من حيفا. ومن البديهي أن لا شأن لهذه البطاريات مع الأسلحة الصاروخية المتوافرة لدى حزب الله بما في ذلك تلك البعيدة المدى. واعتبر المعلقون العسكريون هذه الخطوة استعداداً لاحتمالات المواجهة مع سوريا التي تملك صواريخ يمكن لبطاريات <باتريوت> التعامل معها. وعنت هذه الخطوة، إضافة إلى تحذير الجمهور الإسرائيلي جنوبي حيفا من احتمال تعرضهم لسقوط صواريخ وأن المعركة طويلة، أن التصعيد وارد. وجاء إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس حالة الطوارئ المدنية التي تتيح للجيش إصدار الأوامر للمدنيين، لتشير إلى أن التصعيد وشيك.
وعقد الجيش الإسرائيلي بأسلحته الثلاثة، مؤتمراً صحافياً امس لاستعراض مجريات الحرب، بدا واضحاً أن الهدف الأساس منه رفع معنويات الجمهور الذي لم يرتح لاستمرار المعركة وعدم قدرة الجيش على <طحن> حزب الله حتى الآن. وتحدث قادة الأسلحة عن المهام الكبيرة التي قاموا بها وأشاروا إلى أن النتائج سوف تظهر لاحقاً. وقالوا إنهم لا يستخفون بحزب الله وأنه ليست لدى الجيش النية لخوض معركة برية واسعة وطويلة وأن المعارك البرية التي يمكن أن تتم هي مجرد غارات محدودة زمنياً ومكانياً، معتبرين أن كل ما هو مطلوب من الجمهور الإسرائيلي هو الصبر والصبر فقط.
وأشار معلقون عسكريون إلى أن قادة الجيش كانوا يرمون إلى تفسير المفاجأة التي يعيشها الإسرائيليون من هذه الحرب. وكان الهم الأساس هو تبيان أن إسرائيل تواجه خصماً عنيداً استعد جيداً للمعركة الجارية ولكن إسرائيل قادرة على إيلامه إن لم يكن تركيعه.
ومهما يكن الحال فإن المعلقين الإسرائيليين يرون أن الشارع الإسرائيلي الذي عاش تجربة الانتصارات السهلة، يتعذر عليه تقبل وجود عدو عنيد ومؤهل. وفوجئ الجمهور والحكومة الإسرائيلية بمجريات الأمور ابتداء بالإخفاقين العسكريين في <كيرم شالوم> و<زرعيت>، ثم في مجريات المعركة الجارية. وكانت قدرة حزب الله على الاستمرار في إطلاق الصواريخ والسيطرة على قواته، واحدة من المفاجآت التي لم ترق للجمهور والحكومة. كما أن نجاح حزب الله في توسيع ردود أفعاله على الغارات الإسرائيلية وخصوصاً اصطياده سفينة الصواريخ <حانيت>، شكل مفاجأة أخرى. غير أن المفاجأة الأكبر التي تبدت للجمهور الإسرائيلي هي ضعف معرفة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية بما لدى حزب الله من قدرات.
وليس صدفة أنه في ظل بدء طرح هذه التساؤلات والحديث عن سبل إنهاء المسألة، صار الميل هو السعي لاستغلال الوقت لضرب زعماء حزب الله وملاحقتهم بشكل شخصي في إطار مهمة <تنظيف> الجنوب. غير أنه بخلاف الادعاءات الأولية، صار القادة الإسرائيليون يعلنون أن المهمة أشد تعقيداً وأنها تحتاج الى وقت أطول.
يذكر أن حزب الله أكمل يوم امس خطه الناري، بإدخال مدينة طبرية للمرة الاولى في نطاق قصفه الصاروخي. وبذلك جعل حوالى مليون إسرائيلي تحت رحمة صواريخه بشكل مباشر. وحذر ضباط استخبارات وقادة عسكريون إسرائيليون، من أن لدى حزب الله قدرة صاروخية يمكن أن تصل الى تل أبيب.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد