أمل حنا: «جلسة نسائيّة» مع الكاتبة الآتية من الصقيع
كان علينا أن ننتظر طويلاً حتى نلتقي أمل حنا الكاتبة الفلسطينية السورية المقيمة في موسكو. لم يحن وقت إجازتها السنوية القصيرة بعد، لكنها جاءت إلى سوريا للاجتماع بالمخرج الشاب المثنى صبح الذي يعكف حالياً على إنجاز نصها الجديد «جلسات نسائية». هكذا، اغتنمنا الفرصة ليتحول أحد مكاتب «شركة سوريا الدولية» التي أنتجت لها معظم أعمالها إلى عربة ترامواي عادت بها أمل إلى ربوع الشام عندما كانت تحتضنها طفلة صغيرة، وروت لنا بهدوء لم تشُبه أي لحظة انفعال. في عام 1948، وصلت عاصفة التهجير إلى قريتهم في فلسطين، فهاجر جزء من عائلتها قبل أن تولد أمل وتتعرف إلى شكل قريتها الرامة التي ترافقها حتى اليوم في حلم أتعبها لأنه لا يتحول إلى واقع أبداً. بعد تسع سنوات، سُمح لعائلتها بالعودة إلى القدس في عيد الميلاد، فكانت اللحظة الحاسمة التي تعرفت فيها إلى إخوتها، ولا تزال تلك اللحظة حاضرة في ذاكرتها حتى اليوم. بعد ذلك، عاد القدر ليحوك خيوط لعبة التشرد حول عائلتها التي تركت بيتها من جديد وهاجرت إلى سوريا. تقول حنا: «كان علينا أن نتعايش مع ظروف قاهرة حتى ونحن أطفال. تركنا كل السحر الذي تخبئه فلسطين، ورحلنا بالثياب التي نلبسها من دون أن نحمل سوى انكساراتنا والجرح الذي تغلغل في أرواحنا حتى اليوم».
دمشق، حي القصاع سنة 1957. هناك، كان على الطفلة الصغيرة أن تمحو صور اليهود النازحين إلى قريتها، وتلتحق بمدرسة مخصصة للفلسطينيين، ثم تتنقل بين أكثر من مدرسة بينها واحدة للراهبات. تتوقف ملياً عند مفصل مهم في حياتها، وهو شقيقها الفنان الراحل يوسف حنا أحد أكثر المثقفين الذين عرفهم الوسط الفني في سوريا. يوسف كان يعمل في بداياته في مجلة «الجندي»، ويصطحب معه يومياً كتباً تقتنيها أمل وتقرأها، وهي الميزة الوحيدة التي رافقتها بطفولتها، إضافة إلى حبها للغة الإنكليزية وتعلّقها بها. قرأت منذ طفولتها جاين أوستن ودوستويوفسكي: «كنت طفلة عادية لا أذكر أنّه كانت لديّ موهبة ما. أكثر ما كان يميزني هو شغفي بقراءة كتب لم تكن مخصصة لطفلة في سنّي». حينها، كان يوسف يصطحبها إلى السينما ويمارس طقوس مساواة معها إلى أبعد الحدود، ويعترف لها بكيانها كشخص يملك قراره بنفسه. لكنه في المقابل، كان يرجوها بسخريته المحببة دائماً ألا تطلب منه مساعدتها في الأعمال المنزلية.
الطفلة التي قرأت كثيراً ستضعها المصادفات لاحقاً على متن طائرة متجهة إلى موسكو لتدرس الإخراج السينمائي. لكنها لن تبرع مخرجةً، بل ستتفرغ وتتألق في كتابة نصوص الدراما التلفزيونية التي اختزنت الكثير من لحظات عاشتها سابقاً. لكنّها كانت تفاجأ غالباً بأن ما تريد أن تقوله لا يصل. مثلاً، حكت أمل في نص مسلسلها «الشمس تشرق من جديد» الذي أخرجه هيثم حقي تفاصيل لم يرها المشاهد على الشاشة الصغيرة. تعود حنا لتحكي عن أحد هذه التفاصيل التي حدثت معها في الحياة. كان ذلك في عام 1967، حين قررت مع صديقاتها أن يلتحقن بالدفاع المدني. عندها، ذهبن إلى مستشفى كان كل نزلائه جرحى حرب، وكلهم سود نتيجة تعرضهم لحروق شديدة. عندها، تُركت الفتيات المتطوعات مع الوضع المزري لنزلاء المستشفى وغادر كل الطاقم الطبي. وبالمصادفة، ستتلقى أمل تعليمات إحدى الممرضات بأن تسقي المرضى ماءً مالحاً لأنهم تعرضوا لحروق شديدة جداً. «منذ تلك الليلة التي قضيتها في المستشفى، وأنا أفكر حتى اليوم أنه ما دام هؤلاء المرضى سيفارقون الحياة، لماذا لم يسمحوا لنا بأن نقدم لهم ماءً نقياً حتى يرتووا قبل أن يغادروا الحياة؟». منذ ذلك الوقت ورائحة اللحم البشري المحروق الذي اشتمته أمل في تلك الليلة، تلاحقها من حين إلى آخر من دون أن تستطيع التخلص منها.
بعدما اجتازت امتحان الشهادة الثانوية الذي تأجل بسبب حرب النكسة، اصطحبتها إحدى زميلاتها لتقدم طلب لبعثة دراسية إلى روسيا: «تأملت في الاختصاصات، فلم أجد شيئاً أقرب إلى الإخراج السينمائي. لذا، اخترت هذا الاختصاص، وبالفعل قبلت».
عند وصول أوراق القبول إلى بيت العائلة، كان أول رد فعل لأمل أن أيقظت شقيقها يوسف من النوم لتخبره بأنها ستسافر إلى موسكو. لكنّه صحح معلوماتها وأخبرها بأنّ من استحق البعثة هو محمد ملص، وأنها قُبلت كاسم احتياطي في حال تخلُّف ملص عن السفر. لكن ما حصل أنها سافرت هي وملص، وحسن سامي يوسف ومجموعة من الأسماء التي لمعت لاحقاً. هكذا، درس هؤلاء على مقاعد متقاربة ثم عادوا جميعاً إلى سوريا رغم أن أمل تزوجت مواطناً روسياً. بعدها، عملت حنا في التلفزيون السوري وقدمت مجموعة من الاقتراحات حتى حظيت بالموافقة على بعضها وقدمت ثلاثة أعمال كمخرجة، آخرها كان مسلسلاً من خمس حلقات خاضت فيها أول تجربة لها في الكتابة. بعد ذلك، كتبت نصين أخرجتهما هند ميداني ثم كتبت «مطر الربيع» وأنتجته «أوربت» على ثلاثة أجزاء منذ نحو سنتين. قررت صاحبة «على حافة الهاوية» الهجرة النهائية إلى روسيا، فقدمت استقالتها وهاجرت. هناك، أكملت حنا مشروعاً كانت قد بدأت بكتابته، هو «أحلام كبيرة» ليظهر إلى العلن ويحقق نجاحاً استثنائياً ويعدّ واحداً من أهم المسلسلات السورية الاجتماعية المعاصرة. بعد ذلك، كتبت حنا «على حافة الهاوية» وأخرجه المثنى صبح، ثم أنجزت «قلبي معكم» الذي أخرجه سامر برقاوي. فيما أتمت اليوم قصة «جلسات نسائية» الذي يطرح مجموعة من القضايا الاجتماعية الهامة والحساسة في المجتمع السوري، بدءاً من العلاقات الأسرية في ظل تسارع إيقاع الحياة، وصولاً إلى محاولة الدخول بعمق إلى عالم المرأة وحياتها العاطفية في علاقاتها مع الأهل والأصدقاء.
لن نتمكن من الحديث أكثر... سيفسد رنين الهاتف الخليوي متعة اللقاء. تذكّرنا أمل حنا بأن زيارتها لسوريا لن تستغرق أكثر من ثلاثة أيام. لذا، عليها أن ترحل من دون أن تفارقها ضحكتها التي أضفت روح المرح على جلستها المميزة.
5 تواريخ
1949
الولادة في الرامة ـــ فلسطين
1969
بعثة من وزارة الثقافة السورية
لدراسة الإخراج السينمائي
1988
قدمت استقالتها من التلفزيون السوري وهاجرت إلى روسيا نهائياً
2004
جائزة «أدونيا» لأفضل نص
عن مسلسلها «أحلام كبيرة»
2011
أنجزت سيناريو «جلسات نسائية»
الذي تنتجه حالياً شركة
«سوريا الدولية»
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد