أسئلة تفتح باب الجهالة.. وباب المقبرة..
ما عساه يقول القارئ وهو يرى أنني أبدأ غالباً ما أكتب بسؤال أو أسئلة؟
أفترض أن السؤال هو أول فعالية للعقل, وهو المقياس الحقيقي لحسن أدائه, فالسؤال يساوي لحظة جهل تسبق الإجابة- المعرفة, ولولا السؤال لما كانت.
وقد لا يكون السؤال مفتاحاً لمغلق أو مجهول, فقد يكون حالة رفض.. أو حالة استنكار كما هو معروف في الاستفهام الاستنكاري.. فللسؤال كما يبدو فنون وحالات.
ما هي أهم الأسئلة التي مرت بها البشرية؟
يبدو السؤال كبيراً متشعباً.. يبدو لا نهائياً... لكن أليس من الممكن تلخيص كل الأسئلة في إجابة واحدة: البحث عن المعرفة!
نسأل لنعرف.. فما أقسى أن نسأل لندخل باب الجهالة ونفتح باب المقبرة!
ما هو السؤال الأهم لنا حالياً؟ ما هي المعرفة التي نبتغيها؟
هل هناك أسوأ من «معرفة ضالة» تقود إلى التمسك بالجهل؟!
متى توقفنا كمجتمع عن طرح الأسئلة الكبرى؟ لماذا توقفنا عن طرح تلك الأسئلة؟
لن يقود هذا السؤال بطبيعة الحال إلى إجابات متشابهة, فعلى عكس ما يفعله السؤال في مجال العلم, يفتح السؤال في المجال الإنساني- أقصد العلوم الإنسانية- باب الاختلاف والخلاف.. ستتوالد إجابات كثيرة جداً, وستكون لكل صاحب إجابة حقيقته المختلفة المبنية على طبيعة إجابته عن السؤال: لماذا توقفنا عن طرح الأسئلة؟
الأسئلة مفاتيح, فما الذي يجعلنا نقبل الأبواب المغلقة, التي يتوقف فتحها على امتلاك مفتاح السؤال؟ هل هو الخوف من المعرفة؟ أم هو الخوف من عقاب يتطلبه وصولٌ غضٌ إلى المعرفة!؟
من أغرانا بترك كل ما يستلزم طرح الأسئلة, والمضي في سياقات فرضتها إجابات قديمة ما عادت لتنفع, بل لعلها تقتل؟
هل حان الوقت لطرح سلّة من الأسئلة على أنفسنا أولاً قبل توجيه الأسئلة إلى الخارج المحيط بنا؟
ماذا تريد؟ ماذا فعلت لتحقيق ما تريد؟ لماذا توقفت؟ لماذا قبلت؟ لماذا لم تدافع عن أمنياتك؟ لماذا لم تختر طريقاً آخر؟ لماذا خضعت لإرادة الجماعة؟..............
كل سؤال سيقود إلى سؤال وليد آخر.. بحيث تصبح الحياة سلسلة مفاتيح.. ولعل بعضنا- أو كثيرين منا- لا يريد حمل علاّقة مفاتيح متخمة وثقيلة!
أيهما أصعب سؤال الحياة أم سؤال الموت؟
يستغرق كثير من البشر في البحث عن سؤال الموت وما بعده, فيعيش الحياة في الموت, في البحث عن حياة أخرى, رغم أن ما لديه منها الآن قد أفناه في البحث عن مجهول غير ثابت.. لماذا تبحث عن حياة ماورائية وتدع حياة ههنا حقيقية نابضة بكل ما في الكون من جمالات!
سؤال آخر أراه مُلحّاً: من حضّنا على ترك ما لدينا والبحث عما لا يلوح له وجود إلا في الموت؟
من المحزن أن نقضي الوقت الأكبر من الحياة في البحث عن الموت, وإحياء الأموات وتكريس سلوكاتهم وأقوالهم ومدّها بسبل الحياة بيننا.. إنه غياب السؤال ما جعل أغلبيتنا تلجأ لإجابات الماضي والركون إلى حقائقها.
لماذا لا يخوض الناس في سؤال الحب؟
في الحب حياة مضاعفة.. فيه تتحول الحياة إلى فرصة لإثبات الذات عبر آخر.. في الحب معادلة ذات طرفين, يحاول كل منهما التداخل في الآخر وصولاً إلى اتحاد.. ففي الحب اتحاد قوتين.. كونين.. سؤالين.. حياتين.. هذا على صعيد الحب الأكثر تداولاً بين البشر.. مثل هذا الحب يُنتج معرفة تتجسد في خلق إنسان جديد.. فإذا ما أردنا توسيع المعنى لابد للحب أن يُنتج إنساناً جديداً بمعرفة جديدة تعمل على تخليص الحياة من مآسيها..
الحب أعلى درجات السؤال.. إنه منتهى المعرفة.
لماذا نبحث عن معنانا عند الآخر؟
الإنسان ليس كياناً مسطحاً مفرد المعنى, إنه كيان معقد ذو وجوه كثيرة, ويملك أكثر من معنى.. تأتي هذه المعاني عبر آخر يرانا ويتعامل معنا ثم يصدر حكم قيمة علينا, فكل واحد منا هو مجموعة من أحكام القيمة التي أطلقها الآخرون عليه.. أحكام قد تتشابه أو تختلف.. أحكام قد تعجبنا وقد لاتفعل.. أحكام تقترب من حقيقتنا وأحكام تتجنى علينا..
متى يمكن لأحدنا أن يجيب نفسه: «لقد بذلت أفضل ما في وسعي بكل ما كنت أمتلكه» كما قال فيليب روث يوماً رداً على سؤال, ثم قال: «أنت لست ما تعتقده عن نفسك، أنت ما نعتقده عنك، أنت ما اخترنا أن تكون عليه».
هذا سؤال هام آخر: كيف يراك الآخر- الآخرون؟ ما أهمية تلك الرؤية عليك وعلى حياتك؟
ألا يبدو محزناً حرصنا على إرضاء الآخرين, قبل إرضاء أنفسنا؟ أقصد هنا التصالح مع الذات, ومحاسبتها وتطويرها خلافاً لمقاييس الآخرين..
هل تأتي قيمتنا حقاً من أحكام الآخرين علينا.. وعلى أعمالنا؟
هنا عقدة أخرى للسؤال.. سؤال الأنا والآخر.. سؤال أن يستمد كل واحد منهما وجوده وأهميته من الآخر.. فمن الأنا.. ومن الآخر؟
وماذا عن سؤال الأنا المجتمعية.. الأنا الجمعية.. الأنا التي تصير بصمة شعب؟
سوزان إبراهيم: كليك برس
إضافة تعليق جديد