أبـرز معـارك المقـاومـة فـي العـراق
وصف بعض المحللين سرعة انطلاقة المقاومة العراقية بعد الغزو بـ«القياسية» في تاريخ المقاومة المسلحة، حيث أنها لم تنتظر أكثر من أسبوعين بعد اجتياح العاصمة بغداد في 20 آذار العام ,2003 لتنطلق شرارتها الاولى في 11 نيسان، على شكل «حرب شوارع» شنت ضد دوريات الاحتلال التي كانت تباشر انتشارها في بغداد، بعد يومين من سقوط الرئيس الراحل صدام حسين.
وفيما تستمر تنظيمات المقاومة العراقية بشنّ هجمات حتى الساعة ضد الاحتلال ومصالحه في العراق، بوسع المراقب تعداد محطات مهمة في تاريخ هذه المقاومة خلال الاعوام الاربعة الماضية، تلخصت في معارك ضارية شهدتها كل من الفلوجة، النجف، سامراء، نينوى والرمادي.
وتعد معركة الفلوجة الاولى أبرز هذه المعارك على مستوى المواجهة الفعلية، والتي بدأت في الرابع من نيسان العام ,2004 واستمرت حتى الثاني من شهر أيار، أي لمدة شهر. وتحدثت تقارير أمنية بعدها أن خسائر الاميركيين فيها تجاوزت الـ1200 جندي. كما أسقطت فيها 18 طائرة مروحية بينها طائرتان حربيتان، فضلاً عن عدد كبير من الدبابات والمدرعات والاليات العسكرية الاخرى، فيما استشهد المئات من المدنيين والمقاومين من أبناء المدينة.
واعتبر العام 2004 عام المقاومة العراقية ضد الاحتلال، حيث وصلت شرارة المقاومة إلى مدينة النجف جنوبي العراق، حين أخذ أتباع رجل الدين مقتدى الصدر يصعدون من المواجهة ضد القوات الاميركية. ووقعت مواجهة عنيفة بين الطرفين في شهر تموز من العام ذاته، واستمرت نحو 20 يوما سقط فيها المئات من الضحايا من الطرفين.
وقد اعتبر مراقبون أن معركتي الفلوجة والنجف عززتا أواصر الوحدة الوطنية العراقية استناداً إلى اشتراك مقاتلين من كلا الطائفتين في المعارك التي دارت. ورفعت لافتات وصور لمقتدى الصدر في الفلوجة آنذاك، فيما هتف أتباع الصدر في النجف بالمقاومة الوطنية في الفلوجة، خلال المعارك.
ودفعت معركتا الفلوجة والنجف قوات الاحتلال إلى تغيير خططها العسكرية قبل بدء أي هجوم على أية مدينة أخرى. وهو ما عرفته لاحقاً عاصمة محافظة صلاح الدين، سامراء. ففي كانون الاول من العام ,2004 عمدت القوات الاميركية إلى قطع جميع الطرق المؤدية إلى سامراء ونجحت في حسم المعركة بعدما سقط مئات القتلى والجرحى في صفوف الجنود الاميركيين، في اشتباكات استمرت طوال أسبوعين تقريباً.
وقد حرص الجنرالات الاميركيون في العراق، وبينهم مدير القيادة المركزية للقوات الاميركية السابق جون أبي زيد، على إظهار معركة سامراء كإنذار مباشر لاهالي الفلوجة، الذين ظلوا يمنعون الجيش الاميركي من دخول مدينتهم منذ الثاني من أيار، تاريخ انتهاء معركة الفلوجة الاولى.
وحاول الاحتلال اعتماد سياسة الحرب النفسية والتخويف والترويع ضد أبناء الفلوجة، لوقف عملياتهم ضد الدوريات الاميركية التي تحاول دخول المدينة، بذريعة البحث عن عناصر «إرهابية» مختبئة فيها. لكن الامور اتخذت منحى تصعيدياً رغم تشكيل وفد رسمي يتحدث باسم أهالي الفلوجة للتفاوض أمام الحكومة العراقية وقادة الجيش الاميركي.
وفي خضم المفاوضات، قرر جيش الاحتلال محاصرة المدينة في 25 تشرين الاول طوال خمسة أيام، تزامناً مع تهديد رئيس الحكومة إياد علاوي آنذاك، بشن هجوم شامل على المدينة. ومع بداية تشرين الثاني اللاحق، وقعت المعركة التي وصفها الكثير من قادة الجيش العراقي المنحل بأنها أكثر خطورة من معركة مطار بغداد الشهيرة في مطلع الغزو.
واستمرت المعركة لنحو شهر وأسبوع، وشهدت تدميراً شاملاً للبنى التحتية للمدينة ومنازل سكانها، بالاضافة إلى خسائر بشرية كبيرة، وخاصة في صفوف المدنيين الذين سقط منهم أكثر من 1200 قتيل وآلاف الجرحى، فضلا عن أكثر من ثلاثة آلاف معتقل.
مع بداية العام ,2005 انتقلت ذروة أعمال المقاومة إلى جانب آخر من ساحة العراق، محافظة نينوى الشمالية، ثاني كبرى محافظات العراق، من دون أن تتوقف عن شن هجمات متواصلة في المحافظات الاخرى الاخرى. واتسمت معارك نينوى باتساع المساحة الميدانية للمعركة، انطلاقاً من كبر حجم المدينة عمرانيا من جهة، ولان المعركة اتخذت شكل حرب شوارع من جهة أخرى.
وفيما خفت حدة عمليات المقاومة في نينوى، افتتحت فصائلها جبهة جديدة على شكل معركة «مكمِّلة» في مدينة القائم في محافظة الانبار على حدود العراق مع سوريا غربي بغداد، في شهر آذار من العام .2005 واستمرت المعارك طوال شهر ونصف تقريباً، واعتبرت تلك المعركة المكملة بمثابة نقلة نوعية للمقاومة من حيث التكتيك العسكري، بما شهدته من استخدام لأسلحة متطورة. وتمكنت المقاومة بفضلها من إسقاط حوالي تسع طائرات مروحية وحربية، باعتراف القوات الاميركية، فيما أكد شهود أن العدد يزيد عن 15 طائرة.
وبعد نحو شهرين من معارك نينوى، برزت في الانبار أيضاً مدينة أخرى تحتل اليوم دور الصدارة على مسرح المقاومة، هي عاصمة محافظة الانبار، الرمادي. ومنذ حزيران العام ,2005 باتت المقاومة المسلحة تعتمد أسلوب الكر والفر بدلاً من الدخول في معارك ومواجهات دامية ستخسر فيها الكثير، وإن ألحقت خسائر بالاحتلال.
وإلى جانب الرمادي والفلوجة على وجه الخصوص، تشهد كل من مدن الخالدية، هيت، راوه، حديثة وغيرها في الانبار، عمليات شرسة ضد الاحتلال، بات الاعلام غافلاً عنها عن قصد أو عن غير قصد، لكثرة ما تحولت إلى «روتين» مع اطلالة كل يوم عراقي آخر تحت الاحتلال.
فاضل البدراني
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد