«مسرح بابل» استحضر شابلن العرب: نضال سيجري الساخر من الموت
رثاء فرح. هكذا يمكن وصف الاحتفال الذي أقامه المسرح البيروتي أول من أمس لاستذكار الممثل والمخرج السوري الذي ظلّ يعتصم بسخريته ودعابته حتى اللحظات الأخيرة
أول من أمس، كرِّم «شارلي شابلن العرب»، الممثل والمخرج السوري نضال سيجري الذي رحل في 11 تموز (يوليو) عن عمر ناهز 48 عاماً بعد صراع طويل مع سرطان الحنجرة. كان جمع من أصدقائه الفنانين اللبنانيين والسوريين وبعض معجبيه قد احتشدوا في «مسرح بابل» ليستودعوه ويستذكروه بكلمات ألقاها زملاؤه الممثل فايز قزق، والممثل عبد المنعم عمايري، والمخرج جواد الأسدي. ثم انتهى الاحتفال بعرض مسرحية «حمام بغدادي» (كما صوّرت لدى استعادتها في بيروت العام 2008) من تمثيله وتمثيل زميله قزق وإخراج الأسدي.
لقد نعاه أصدقاؤه بفرح كي يليق الرثاء بالشاب المبتسم دائماً والمحبّ للحياة، هو الذي حقق رصيداً كبيراً في الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية، ونجاحاً كبيراً في الأدوار التلفزيونية الكوميدية. لم يقف استئصال حنجرته عقبة في مسيرته، بل قدم دوراً صامتاً في مسلسل «الخربة» عام 2012.
استهلّ فايز قزق الكلمة لينقل إلينا كيف كان يرى شخصية نضال كطالب عنده في المعهد في الثمانينيات وكيف تطوّرت العلاقة حتّى أصبح هذا الطالب ملهمه. كان طالباً غير عادي، تميّز بحس المبادرة والأفكار التي لا تنتهي. لا ينسى قزق دوره المميّز في «حلم ليلة صيف». علماً أنّ مثال سيجري الأعلى الذي استمد منه القوة كان الممثل والمخرج المسرحي جهاد سعد. تغيّرت مكانة نضال عند فايز حين عملا معاً في «حمام بغدادي». جعله يعيد النظر في طبيعة عمل «الإنسان» الذي يقف على الخشبة لا «الممثل»، وكيف يمسك الخشبة بدلاً من أن يقف عليها. تحول نضال من طالب سابق الى زميل فملهم من الناحية الشعورية، والوجدانية، والإنسانية بل أصبح شقيقاً إنسانياً له على خشبة المسرح. وختم قزق مع غصّة بوعد لروحه أنّه سيعمل على هذه الفكرة بالذات مع طلابه في المعهد.
أما كلمة صديق الراحل عبد المنعم عمايري، فجاءت مؤثرة وحميمة بعد وقت طويل تصارع فيه عمايري مع الكلمات لينطق أخيراً: «حيوان مائي من خمسة أحرف». هكذا قال له نضال الساخر من المرض حين أفصح له عن ورمه الخبيث. لم يعرف عمايري جواب الحزورة، إلا أنّ نضال أجاب قائلاً إنه «سرطان». ثم راح عمايري يتخيّل مع الحاضرين سخرية نضال من الموت، فقال بأنّه لو كان معنا، لكان سخر منّا جميعاً مستذكراً حين قال له قبل شهر «يا زلمي كيف بدي أقعد لحالي أنا بالقبر؟» فهو الذي كان يحبّ الحياة ولا ينام. «نضال ساخر من الحياة والموت. كسر لي ظهري. نضال بيستاهل تكون كل المسارح مضواية وعم تحتفل فيه» ختم عمايري. كان سيجري يؤلمه ما يجري في وطنه ويؤلمه أن يرى السلاح مصوباً بين أبناء الوطن الواحد فكتب «وطني مجروح. وأنا أنزف. خانتني حنجرتي، فاقتلعتها. أرجوكم، لا تخونوا وطنكم». هكذا وصف جواد الأسدي الراحل، خاتماً بأنّ سيجري حمل وجع سوريا كله على جسد أسطوري، وغادر الى مكان ناءٍ، وأنّ الوطن العربي حي في نضال، فهتف «أُحبّكَ بكل ما للشام من أبواب وبردى. فلسطين كانت ترفرف بين فناياك» ثم نادى لمحمود درويش وشعراء وفنانين عرب مناضلين يعيشون في روح سيجري، وختم بأنّ نضال سيبقى حيّاً فينا. انتهى الاحتفال بعرض فيديو مسرحية «حمام بغدادي» (راجع الكادر) التي صوّرها المخرج الليث حجو، وكانت من آخر أعمال نضال سيجري.
وفاء | نبيّ في وطنه؟
تداولت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أخباراً عن إطلاق اسم الراحل نضال سيجري على إحدى قاعات «المعهد العالي للفنون المسرحية» في دمشق، لكن عميد المعهد سامر عمران أكد أن لا إمكانيّة لحصول الأمر لأنّ سيجري لم يدرّس فيه إلا فترة قصيرة. فيما جرى الحديث أيضاً عن إطلاق اسم سيجري على أحد مسارح اللاذقية، قال المدير العام لـ«مديرية المسارح والموسيقى» عماد جلول إنّ سيجري «يستحق هذا، ومن الممكن أن يقترح ذلك على وزيرة الثقافة»، مضيفاً إنّه «لا يوجد بحث جدي في الموضوع حالياً». رغم تداول هذين الخبرين من باب التمنيات، إلا أنّ مثل هذه المبادرة ليست كثيرة على ممثل بقي وفياً للمسرح وأهله حتى رحيله.
خلود ناصر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد