«علامة فارقة»: اختراق لمزاج برامج التلفزيون السوري

16-04-2009

«علامة فارقة»: اختراق لمزاج برامج التلفزيون السوري

يسعى البرنامج الحواري الأسبوعي «علامة فارقة» الذي يعده ويدير الحوار فيه الزميل إبراهيم الجبين على «الفضائية السورية»، إلى استضافة ضيوف شكلوا علامات فارقة، في الحراك الثقافي والفني والاجتماعي السوري.
تبدو حلقات البرنامج غير معنية دائماً بالبحث عن سلبيات في تاريخ الضيف، رغم أن البرنامج لا يتبرأ من هذا الدور أحياناً، ولكنه في الغالب يبحث في المسؤوليات كعلامة فارقة، وأحياناً ينضم كل من المحاور والضيف إلى جهة واحدة ويبحثان في سلبيات حالة بعينها، للضيف علاقة فيها بشكل أو بآخر. ولعل في هذا كله تكمن أكثر المعاني دلالة حول اسم البرنامج: «علامة فارقة»، ففي الحلقة الأولى التي استضافت الفنان أحمد معلا، أبدى الزميل الجبين فهماً لآلية عمل الفنان وخصوصيته، ومن البوابة هذه وجه إليه مجموعة اتهامات، على حد تعبير الجبين، لم تنته عند السؤال حول مسؤوليته عن تخريب الذائقة العامة.
وفي حلقة أخرى حاور المقدم وزير الثقافة السوري الدكتور رياض نعسان آغا. شاكسه في الحوار، أحياناً، في مشهد نادراً ما يحدث في برامج التلفزيون السوري عند لقائها مع وزير حكومي ما زال قائماً على رأس عمله، وهذه نقطة تحسب للقائمين على الإعلام اليوم ولوزير الثقافة نفسه، إذ اقترب البرنامج من الوزير ونجح بالخروج معه بتصريحات شفافة وجريئة، وبكل تأكيد صادمة، عن حال الثقافة والمثقفين في سوريا: «ما كان للمتنبي والمعري وزارة ثقافة»، «برميل مازوت ـ عند البرد ـ أفضل من قصيدة»، «الإبداع مسؤولية الجميع»، «وزارة الثقافة آخر من تسألونها عن الثقافة..».
في الحلقة الثالثة من البرنامج بدا حوار «علامة فارقة» مع ضيف الحلقة الفنان بسام كوسا بمثابة رمي حجر في الماء الراكد للعديد من القضايا الثقافية والمجتمعية، حين تكلم الفنان كوسا عن «بعض المؤسسات الثقافية التي تدار بعقلية إقطاعية»، وأن «الدول الحديثة لا تبنى إلا بالمؤسسات» وأشار إلى أن «نقابة الفنانين تدار بآلية المزرعة»، وأن هناك «من أراد أن ينجح في الانتخابات ولو فشلت النقابة». في الحلقة، سيعترف الفنان كوسا «أنا جزء من المجتمع المتخلف»، ولكن «لم يعد مسموحاً أن نقول كم نحن رائعون»، و يؤكد أنه «عندما أشعر بأني عالة على المهنة سأتركها»، ورغم أن الحلقة توقفت عند مشاكل بسام كوسا مع عدد من المخرجين والمؤسسات الرسمية، إلا أنها لم تبدُ مشغولة باستعراضية ما، وتلك حقيقة أكدها الفنان كوسا حين أشاد بكل من تحدث عن خلافه معهم، وأكدها المحاور الجبين حين تعامل مع أجوبة بسام كوسا بالإيجابية ذاتها، ولم يركب موجة موضة الإثارة التلفزيونية، كما يحدث عادة في حالات مشابهة حين يصر المحاور على الخروج بـ«سكووب» من التصريحات المثيرة للضيف ضد منتقديه.
بالنظر إلى «علامة فارقة» بالشكل الكلي، نجد أنه استطاع خرق الصورة التقليدية التي دأبت البرامج الثقافية في التلفزيون السوري على الظهور بها خلال السنوات السابقة، وبالطبع لا يمكن تحميله مسؤولية منافسة برامج عربية أخرى مشابهة، ولعل التدقيق في موقع البرنامج على الخريطة البرامجية لدورة الفضائية السورية الجديدة، ومقارنته ببرامج ثقافية أخرى انطلقت معه وبدت هزيلة أمامه، نخلص إلى أن التغيير الكلي في أداء التلفزيون السوري صعب لكن الكثير من الأشياء ممكنة، وهذا ليس بالأمر العادي بالنسبة للبرامج الحوارية الثقافية بالذات.
الكلام على هذا النحو لا يعني أن البرنامج نجا من بعض الهفوات التي تتعلق بطبيعة إدارة الحوار، إذ يؤخذ على الزميل الجبين دخوله الحوار وفي رأسه عشرات الإشارات الاستفهام الإشكالية التي يريد أن يرميها على ضيفه دفعة واحدة، فنجده يستعجل طرح السؤال في اللحظة التي يقرر ضيفه الاستفاضة في إجابة حساسة، لا في اللحظة التي ينتهي فيها الضيف من الإجابة فعلياً. وربما كانت مشكلة الزميل الجبين هنا وقت البرنامج المحدود بساعة تلفزيونية، وهو وقت أقل من أن يستوعب الموضوعات التي يريد محاورة ضيفه فيها.
حتى الساعة، نجح الجبين باختراق مزاج المشاهدة الراكد في البرامج الثقافية السورية، لكن ما زال أمامه خطوة تحتاج إلى دراسة أكثر ليدخل دائرة المنافسة مع البرامج الحوارية الثقافية على الفضائيات الأخرى، وهو الاستحقاق الحقيقي للبرنامج، وعندها سيشكل البرنامج خطوة أولى جيدة نحو تحقيق أمر ملح في أداء التلفزيون السوري، هو تعزيز العلاقة مع المشاهد العربي، ولو تمكن «علامة فارقة» من أن يحقق ذلك، فسيكون عنوانا لمرحلة في التلفزيون السوري، لا مجرد عنوان لبرنامج فيه.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...