«شارلي إيبدو» تتخيّل إيلان «متحرّشاً»
مرّة جديدة، تنشغل مواقع التواصل بمجلّة «شارلي إيبدو» الفرنسيّة، بسبب رسم مثير للجدل، عدّه البعض «وقحاً»، تزامناً مع الذكرى الأولى للاعتداء الذي أدّى إلى مقتل 12 فرداً من فريقها في 7 كانون الثاني 2015. خلال الساعات الماضية، انتشرت على «فايسبوك» و«تويتر» قصاصة لرسم منشور في عدد المجلّة الأخير الصادر أمس الأول الأربعاء، مرفقةً بردود فعل غاضبة وشاجبة.
يحمل الكاريكاتور توقيع «ريس» (لوران سوريسو)، ويحاكي حوادث التحرّش الجنسي ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا الألمانيّة. خطّ ريس رسماً للطفل السوري إيلان الذي غرق على شواطئ تركيا خلال محاولة عائلته اللجوء إلى أوروبا العام الماضي، وسأل: «ماذا لو لم يغرق إيلان؟»، وأجاب: «كان كبر ليلمس المؤخرات في ألمانيا». قوبل الرسم بسخط شديد على مواقع التواصل وفي الإعلام، وتداوله مئات الناشطين مرفقاً بتغريدات تنتقد المجلة الفرنسية وتصفها بأنها «عنصرية»، و«مثيرة للاشمئزاز».
وبعد جدل امتدّ لساعات، تبيّن أنّ مضمون الرسم المثير للجدل، اقتُطع من سياقه، إذ جاء في زاوية بعنوان «فرنسا ليست ما يقال عنها» La France C’est pas c’qu’on dit تهدف إلى السخرية من العقليّات الفرنسيّة العنصريّة التقليديّة. وأوضح بعض من تداولوه على مواقع التواصل أنّ الهدف منه معاكس تماماً للرسالة التي وصلت منه، إذ أراد الرسام السخرية ممّن يظنّون أنّ جميع اللاجئين متحرّشون. في هذا السياق، تداول كثيرون مقالةً للصحافي الفرنسي المعروف دانيال شنايدرمان لام فيها ريس على الرسم، قائلاً أنّه لا يثير الضحك ولا حتّى التأثّر. وقال شنايدرمان في رسالة موجّهة إلى ريس، إنّ قلّة سيرون المجلّة كاملة، ويفهمون المغزى من الزاوية التي ورد فيها الرسم، مذكّراً بأنّ إمكانيّة سوء الفهم تتضاعف في عالم تحكمه مواقع التواصل.
حجة سوء الفهم لم تقنع كثيرين، إذ رأوا أنّه بغضّ النظر عن السياق، فإنّ مجرّد وضع صورة إيلان بجانب الإشارة إلى حوادث التحرّش، أمرٌ يحمل مضموناً عنصريّاً وتشويهيّاً. ووصف معلّقون الرسم بأنّه يفتقد إلى الذوق والإبداع، وأشاروا إلى أنّ هناك مواضيع لا تحمل السخرية، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بموت طفل غرقاً.
تلك ليست المرّة الأولى التي تتناول فيها «شارلي إيبدو» صورة إيلان في رسم كاريكاتوري، إذ نشرت في أيلول الماضي رسمَين ساخرَين من الطفل. في الأول يظهر الطفل الغريق بجانب رسم للمسيح وهو يسير على المياه، مرفقاً بتعليق «المسيحيّون يسيرون على الماء، بينما أطفال المسلمين يغرقون»، وفي الثاني يبدو إيلان على الشاطئ بجانب إعلان لمطعم «ماكدونالدز» كتب عليه «عرض خاص: وجبتا طعام أطفال بسعر واحدة»، مع تعليق: «قريب جدّاً من الهدف».
شبكة «بي بي سي» اهتمت بالضجة التي أثارها رسم المجلة الفرنسية، فنشرت مادة بعنوان «ردود أفعال عنيفة على رسم عنصري لمجلة شارلي إيبدو يجسد الطفل إيلان كردي». كذلك نشرت صحيفة «اندبندنت» البريطانية مادة عبر موقعها الالكتروني حول الضجة التي أثارها الرسم العنصري الجديد للمجلة، وذلك ما فعلته أيضاً صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية التي نشرت مادة بعنوان: «كاريكاتور جديد لشارلي إيبدو يظهر الطفل إيلان كردي الذي غرق وعمره ثلاث سنوات متحرشاً جنسياً في ألمانيا لو كبر».
هكذا جاءت الذكرى الأولى للهجوم على «شارلي إيبدو» لتذكّر بالجدل المثار حول سقف السخرية الذي تمنحه لنفسها. فقبل رسم ريس حول إيلان، نشرت المجلّة الأسبوع الماضي عدداً خاصّاً وزعت منه نحو مليون نسخة، وعلى غلافه رسم تعبيري للإله وهو ملطّخ بالدماء، ويحمل سلاحاً بجانب عبارة: «القاتل لا يزال هارباً»، ما تسبّب أيضاً بجدل بين مؤيّد لها ومنتقد لـ «تجاوزها الحدود».
نينار الخطيب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد