«توك توك» القاهرة مركبة هندية صارت واقعاً مصرياً
على رغم أنه يعيش بين المصريين منذ سنوات، فقد طفا من ضمن الظواهر المرتبطة بمصر ما بعد الثورة. وعلى رغم أنه لم يكن من الأصوات المعارضة، أو الرموز التي تعرضت للقهر والتعذيب، أو حتى الوجوه المكروهة لدى النظام السابق، فهو لسبب ما صنف نفسه تحت بند «الطُّلقاء الجدد».
إنه الـ «توك توك» أو ذلك الاختراع الهندي الأصل، الذي يعتبره البعض نقمة حلّت على المجتمع المصري، ويتعامل معه آخرون باعتباره نعمة من السماء. باكينام القاسمي (25 سنة) تقطن في «شارع الثورة» في حي «مصر الجديدة» الراقي. فوجئت قبل أيام، في الشارع الذي يضم سفارات ومطاعم فاخرة وأبنية لا تقل قيمة الشقة الواحدة فيها عن مليون جنيه مصري، بـ «شيء مقزز يسير على عجلات ثلاث، بعكس اتجاه المرور، جهاراً نهاراً»، الأمر الذي أصابها بالفزع، لا سيما أنه «كان يصدر ضجيجاً فظيعاً». وتقول إن صديقة، كانت معها لحظة ظهور ذلك «الشيء»، شرحت لها أن هذا الشيء هو أغنية «أنا مش عارفني» لمطرب «التكاتك» الأول عبد الباسط حمودة.
وسبحان جامع الأضداد... فباكينام الراقية، التي لم تر الـ «توك توك» بعينيها من قبل، وجدت نفسها في سلة واحدة مع قائد «الشيء المقزز»، إذ رفع كلاهما راية «أنا مش عارفني». تقول: «سمعت كثيراً عن هذا التوك توك في المناطق العشوائية والشعبية، لكنها كانت المرة الأولى التي أراه فيها. لقد تأكدت تماماً بعد ظهوره في شارعنا الحيوي أنني لا أعرف شيئاً عن مصر الحقيقية»!
لا إحصاء رسمياً لعدد هذه المركبات الهندية المولد - مصرية الانتشار، إلا أن التقديرات تتراوح بين 750 ألفاً ومليون مركبة، ما يعني أن الـ «توك توك» تعدى كونه مجرد ظاهرة عابرة تقتصر على المناطق الشعبية، بل تحول إلى واقع يراه البعض مريراً والبعض الآخر طيباً إذ يرفع عنه جانباً من ضغوط الحياة اليومية.
«لو باض الديك...»
وعلى مسافة أقل من كيلومتر واحد من شقة باكينام الفاخرة، في «شارع الثورة»، شقة أخرى مبنية في منطقة عشوائية يشار إليها بـ «عزبة الهجانة» تقطن فيها أمل إبراهيم التي تتحدث عن الـ «توك توك» بكل اعتزاز وتقدير: «كانت حياتي عذاباً قبل أن يرزقنا الله التكاتك! فعرض الشارع الذي أسكن فيه لا يسمح بمرور السيارة الميكروباص التي أستقلها يومياً وأترجل منها عند أول الشارع. لكن الـ «توك توك»، بحكم حجمه الصغير، يتحرك في مساحات ضيقة بلا مشاكل». ولعل هذا ما يفسر انتشار عبارة «أبو أربعة ماشي تاتا تاتا... والحلو عنده من العجل ثلاثة» التي تبرز أهم مميزات الـ «توك توك».
إلا أن مشكلة الـ «توك توك»، أو بالأحرى مشكلاته، يمكن تلخيصها من خلال العبارات التي اختارها سائقو الـ «توك توك» أنفسهم لمركباتهم. وأولاها تكمن في نظرية «لو باض الديك... مش ع أعدّيك»، وهو المبدأ الذي قد يساعد في تفسير خط السير المتعرج الذي تتبعه الغالبية العظمى من مركبات الـ «توك توك». فـ «القيادة شقاوة مش أدب وأخلاق»، كما تشير العبارة المكتوبة على أحدها. وقد يكون لعامل السن أثر أيضاً في نهج الخطوط المتعرجة في القيادة. فنظرة سريعة إلى داخل «كابينة القيادة» تشير إلى أن الغالبية المطلقة من السائقين هم دون الـ 18، ما يزيد احتمالات تعاملهم مع المركبة باعتبارها لعبة «السيارات المتصادمة» الموجودة في ملاهي الأطفال.
لكن «السيارات المتصادمة» في ملاهي الأطفال لا تسفر عادة عن حوادث قاتلة، لأن قيادتها تقتصر على مضمار محدود، مزود بحواف مطاطية لامتصاص الصدمات، على عكس لعبة «التكاتك المتصادمة» التي اتخذت من شوارع القاهرة مضماراً لها.
فبسبب الغياب الأمني الذي تعانيه القاهرة، عقب «ثورة يناير»، والهزة التي أصابت الأجهزة الرقابية، لاسيما وزارة الداخلية وإدارة المرور فيها، خرجت «تكاتك» القاهرة من مكامنها ونطاقاتها التي كانت محصورة في الشوارع الداخلية للمناطق الشعبية والعشوائية، ولعل الخروج هذا هو بدوره ترجمة عشوائية للمبادئ الثورية الثلاثة: العدالة والتغيير والحرية.
وأبرز أعمدة مبدأ الحرية يتضح من خلال شعار «تعمل حسابي أقدرك تهزر معايا أعورك»، الذي يرفعه البعض من أبناء بني الـ «توك توك» قولاً وفعلاً. يقول آدم فهمي، الذي تخضع سيارته حالياً لعملية ترميم وإصلاح، أنه فوجئ قبل أسابيع بـ «توك توك» هائج في أحد شوارع حي المهندسين، وكان يقل فتياناً يبدو أنهم كانوا في رحلة أو ما شابه، وكان السائق الذي لا يتعدى عمره 13 سنة يتباهى أمام أصدقائه بأسلوبه البهلواني في القيادة». ويتابع آدم: «وما أن ضغطت على بوق السيارة، طلباً للمرور، حتى اعتبره القائد الطفل تحدياً، فأخذ يقترب من السيارة ويقوم بحركات جنونية، حتى صدمني صدمة شديدة من الجانب، وفرّ هارباً فيما زملاؤه يضحكون بهستيرية. وبالطبع لم يحمل الـ «توك توك» رقماً، لكن كتب عليه من الخلف «روتانا توك توك... مش هتقدر تمشي على رجليك»!
على الأرجح أن السائق المراهق لم يقصد تعذّر المشي بسبب الحوادث، لكنها، على ما يبدو، حقيقة! فحوادث الـ «توك توك» المتكررة، لا سيما خلال الأشهر القليلة الماضية، تتراوح بين حوادث سير، و»بلطجة»، وتحرش بالإناث، والسير من دون ترخيص وغيرها.
«أسلّيك»... أم «أولّع فيك»؟
وتنفس كثيرون الصعداء قبل أيام، حين خرج محافظ القاهرة عبد القوي خليفة معلناً «قطع رجل أي توك توك يتجرأ على السير في شوارع القاهرة». وبما أنه ليس للـ «توك توك» أرجل، فقد أُتبع تصريحه التلفزيوني بتأكيد مدير الإدارة العامة لمرور القاهرة بعدم السماح نهائياً بسير مركبات الـ «توك توك» في شوارع القاهرة، والقضاء على ظاهرة انتشاره في بعض الأحياء، والتنسيق مع شرطة المرافق في ضبطه والتحفظ عليه، مضيفاً أن القاهرة لم تصدر ترخيصاً واحداً بسير الـ «توك توك» في شوارعها. وتضاربت الأنباء حول مصير الـ «توك توك» في الجيزة. ففي حين أكد محافظها علي عبد الرحمن أنه لن يلغي الـ «توك توك» بالمطلق، بل سيسعى إلى ضبط أوضاعه، وتحديد خط سير له، عاد وصرح أنه يجري حالياً تفعيل قرار حظر الـ «توك توك» في شوارع الجيزة، وهو القرار الذي قال إنه صدر قبل فترة طويلة!
«تركب أسليك تنزل أولّع فيك»... هو الشعار الذي طبّقه عدد من أصحاب الـ «توك توك» رداً على قرارات المنع والحظر، إذ احتشدوا أمام مقر رئاسة الوزراء في وسط القاهرة في وقفة احتجاجية مطالبين بإلغاء قرار الحظر.
لكن إلى أن يُحسم وضع الـ «توك توك»، فإن «مركبة الحلو أمّ ثلاث عجلات» ما زالت تدور في شوارع القاهرة، في انتظار تفعيل أحد الشعارين: «كنا عصافير أكلونا... بقينا ديابة احترمونا» ما يعني تركهم ليرتعوا في شوارع العاصمة بلا رادع، أو «لو كنت داري بحالي كنت بكيت بدالي»!
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد