«الراب» السوري.. ينتشر مع الحرب ويتعقَّب مشاكلها
في العام 2010 كانت دير الزور شرق سورية تحيي حفلات لأغاني الراب يحضرها الآلاف من شبان المدينة، وكذلك العاصمة دمشق واللاذقية والسويداء وحتى حلب وصولاً إلى مختلف المدن السورية، كان هذا الفن ينتشر بين أوساط الشباب مثل السيل الجارف، جاعلاً إياهم يتقمّصونه في هيئتهم قبل طريقة غنائهم.
انتشر «الراب» في سوريا مطلع الألفية الجديدة على نطاق محدود مستخدماً اللغتين الإنكليزية والعربية إلى أن حقق انطلاقته الفعلية باللغة العربية في العام 2006 تقريباً، حينها بدأ الناس يشاهدون شباناً كثراً بأزياءٍ غريبة بعض الشيء ويطلقون أغاني لم تعتد عليها آذانهم، لكنها ما لبثت أن أصبحت مألوفة لهم لدرجة بات لها حفلات في قلعة دمشق وفي المراكز الثقافية وغيرهما تحييها فرق متخصصة بالراب ولها مشروعها في ذلك الوقت ويحضرها حشد كبير من الجمهور.
ظل الحضور مقتصراً آنذاك على شريحة مَن هم دون الخامسة والعشرين من العمر، وسط رفض للأهالي الذين اعتبروا هذا الفن خروجاً عن المألوف، وبعضهم رأى فيه عبادة للشيطان وهذا ما يرفضه المعنيون بالراب ويردون عليه بأغانيهم التي كثيراً ما ألمحت إلى أنهم بعيدون عن هذه التهمة، ورواد هذا الفن يقولون إن اهتمامه بقضايا عامة ذات أهداف سامية جعله مقبولاً من قبل أهاليهم في ما بعد.
فنّ الشارع
اهتمّ الراب السوري منذ نشأته بقضايا الناس مستمداً أفكار أغانيه من الشارع السوري ومستخدماً لغة قريبة منه جداً يقول «غدير سليمان» وهو مؤدي «راب»: غنّينا عن الفقراء، الشباب، الحب، العمل، وكذلك القضايا السياسية والاجتماعية وكل ما رأينا أنه يلامس الناس والأجيال خصوصاً الشباب.
يطلق عدد من مؤدِّي الراب السوريين على هذا الفن تسمية «فن الشارع»، لكنهم في الوقت نفسه لا يرون في هذه التسمية انتقاصاً من قيمته، يقول «أحمد حمادة» وهو عضو في فرقة «السادة»: الشارع هنا يعني البساطة في الأسلوب والطرح، والتطرق لقضايا المجتمع وعاداته وتقاليده وتفاصيل حياته وما هو ذو أثر سلبي فيها، وملامسة الناس بالغناء من خلال كلام يفهمونه ويتحدثون به، مع فارق أنه كلام مغنّى وموزون وله إيقاع وترافقه موسيقى، وهذه البساطة كانت سبباً لانتشاره بين أوساط الناس.
يختصر «حمادة» الراب السوري بالقول: إنه فن يبحث عن الكمال، وإصلاح المجتمع، فليس الهدف فقط أن نغنّي ويرقص الجمهور ويتفاعل معنا، المهم هو أن يكون هناك فكرة، أن نضيء على السلبيات لننتج عوضاً عنها إيجابيات.
مؤدّي الراب له صفاته وخصوصيته، فهو حساس يعتبر نفسه صاحب مسؤولية تجاه المجتمع وتجاه المتلقي، وأغلب المستمعين لهذا الفن مرّوا بمرحلة جرّبوا فيها أن يكونوا مؤدّين وعندما فشلوا تراجعوا وعادوا لموقع المستمع، وهم يلعبون دور الرقيب على الفن ويُحسنون التذوق، يقول «إيهاب» وهو مستمع: حاولت الغناء، لكنني لم أكن موفقاً، إلا أنني أصبحت مستمعاً جيداً، ومع باقي المستمعين نحسن التمييز بين ما هو جيد وما هو رديء، ونرفض كل أغنية تسيء للذائقة السمعية وتخدش الحياء.
أغاني الراب السوري متنوعة وهي تحظى بمشاهدات عالية جداً على موقع اليوتيوب تصل إلى عشرات ومئات الآلاف، حيث تنتشر على الموقع الكثير من الأغاني بعد أن وجد السوريون في «يوتيوب» ضالتهم نظراً للحرب التي تشهدها البلاد والتي حالت دون قدرة إحياء حفلات في الشارع كما كان عليه الواقع من قبل، وهي فرصة للمؤدين والجمهور لكي لا ينقطعوا عن هذا الفن.
السياسة
كما أن «الراب» وبدرجة كبيرة استطاع الابتعاد عن الاصطفاف السياسي في الأزمة السورية ونحت معظم أغانيه نحواً جامعاً يتناول القضايا دون الوقوف مع طرف معين معتمدةً الحياد الإيجابي، وهذا لا يمنع وجود أغانٍ تقدم طرحاً سلبياً جداً، وأخرى تستخدم ألفاظاً نابية وتخدش الحياء.
يوجد في سوريا مؤدّو راب فرديين وكذلك توجد فرق، ويتميز المؤدون بأنهم يؤلفون ويوزعون ويسجلون أغانيهم بالاعتماد على أنفسهم، إذ على مؤدي الراب أن يكتب كلمات أغنيته بنفسه وقد بات من المتعارف عليه أن كل أغنية تحتاج 16 شطراً من الشعر المحكي الموزون الذي يعتمد قافيةً واحدة أو قوافي عدة، بحسب ما يقول المؤدي الشهير في الساحل السوري «غدير سليمان».
كما أن هناك حضوراً للإناث في هذا الفن لا يقتصر على الاستماع وإنما يمتد للغناء، لكن بصورة خجولة بعض الشيء نظراً للقيود المجتمعية، وتعتمد مؤديات الراب أسماء مستعارة ولا يضعن صوراً لهن إلا في حالات نادرة خوفاً من ردة فعل المجتمع، تقول إحدى المؤديات إن العمل جارٍ على تهيئة الأرضية تدريجياً لجعل المجتمع يقبل أن تكون الأنثى مؤدية راب فهذا ليس عيباً ولا حراماً.
ميزات
خلال الأزمة السورية هاجر الكثير من مؤدِّي الراب السوريين، لكن البلاد مازالت تعج بهم، يقول «فريد شام أمسيز» وهو مؤدي راب في دمشق منذ العام 2000: يوجد حالياً في العاصمة وحدها قرابة 500 مؤدٍّ، وهذا الفن في ازدهار وينتشر بين الأجيال، كما أن غالبية جمهوره في هذه الفترة تنحصر بين سن الخامسة عشرة والعشرين، مع خرق بسيط في باقي الأجيال التي تتابعه بخجل، وبالتالي فإننا لم نصل للعصر الذهبي بعد وإنما نحن ذاهبون إليه..
«فريد» وفرقته أحيوا قبل فترة وجيزة حفلة في العاصمة السورية «دمشق» وقد حضرها جمهور الراب المتعطش للحفلات، يقول «فريد»: الراب السوري يتميّز بأنه متنوّع في الأسلوب وآلية طرح المواضيع، وهذا التنوّع يمتد للأنماط بين هيب هوب ـ اندرغراوند ـ سبيد بيز ـ وباقي الأنماط الالترنتيف.
وصل الراب السوري إلى مرحلة متقدمة جداً من الحضور بين أوساط الشباب، وفي الوقت نفسه وصل لمستوى جيد من حيث الكلام والأداء والموسيقى وصولاً إلى استخدامه تقنية الفيديو كليب، وهو يعتمد بشكل أساسي على خبرات وقدرات مؤدّيه الذين بدأوا يشكلون مع بعضهم بعضاً سنداً لهذا الفن في سورية.
بلال سليطين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد