«الإنتاج» والفنانون والنقابة: من يحفظ حق من؟
تسعى «لجنة صناعة السينما والتلفزيون» في سوريا (الإطار النقابي الذي يجمع شركات الإنتاج السورية) و«نقابة الفنانين» إلى إنهاء واحد من أكثر الملفات إثارة للجدل في الوسط الدرامي السوري، والمتعلق بآليات التعاقد بين الفنانين والفنيين من جهة، وشركات الإنتاج من جهة أخرى.
ودرجت العادة أن تنظم شركة الإنتاج عقوداً من نسخة واحدة فقط، بينها من جهة وبين الفنانين وفنيي العمل من جهة أخرى، على أن تحتفظ بهذه النسخة شركة الإنتاج ذاتها. وهو ما كان ينظر إليه بوصفه أغرب تعاقد. فالعقد هنا عموماً ليس شريعة المتعاقدين، بل هو شريعة الأقوى بين طرفي التعاقد. وباستثناء العقود التي تنظم من نجوم الصف الأول من فنانين ومخرجين وكتاب، تبدو شركة الإنتاج غالباً هي الطرف الأقوى التي تتحكم بمآل العقد مهما كان مضمونه، فيما تعاني هذه الأخيرة من عدم التزام بعض الفنانين بشروط تعاقدهم معها.
وتبحث اليوم نقابة الفنانين و«لجنة صناعة السينما والتلفزيون» سبل الوصول إلى صيغة عقد عمل نموذجي، يحقق ما يمكن أن نسميه «حالة توازن» بين طرفي التعاقد، ويقدم عبر ثلاث نسخ لكل من الفنان وشركة الإنتاج فيما تحتفظ «نقابة الفنانين» بالنسخة الثالثة.
ويؤمل نظرياً أن تنهي العقود بصيغتها الجديدة الكثير من المشكلات، التي غالباً ما كانت تنشب بين شركات الإنتاج والفنانين، لعل أبرزها عدم إيفاء بعض شركات الإنتاج كامل المبالغ المتفق عليه للمتعاقدين معها من فنانين وفنيين. غير أن رغبة النقابة باستيفاء حقها من ضرائب تلك العقود سيجعل منها الرابح الأكبر في الصيغ الجديدة للتعاقد، بعد أن درج العرف على أن تتقاضى مبلغاً مقطوعاً تتفق عليه مع الشركة المنتجة للمسلسل، كضريبة عن العمل ككل.
الصيغ النموذجية للعقود واحتفاظ النقابة بنسخ عنها، كنوع من الضمانة وحماية أعضائها من خروقات الآخرين، سيتيح للنقابة، وفق ما ترغب، أن تقتطع نسبتها من القيمة المالية للعقود المبرمة، والتي تقدر بخمسة في المئة من أجور النقابيين الموظفين، وثلاثة في المئة من عقود غير الموظفين منهم. وهو ما تراه النقابة حقاً لها بموجب القانون. ليبقى الجدل قائماً حول كيفية تقاضي هذا المبلغ، ومن سيقوم بجبايته. هل سيتم حسمه من قيمة العقد من قبل شركة الإنتاج، كما هو متبع في القطاع العام الدرامي في إبرام عقوده، أم يترك موضوع تحصيل الضرائب للنقابة لتقوم بنفسها بجبايته؟
إنه الأمر الذي اتفق حوله المنتجون، على اعتبار أننا «لسنا جباة ضرائب للنقابة». ولكن من ناحية أخرى، لا يخفي عدد منهم تخوفه من أن يطلب نجوم التمثيل، إضافة ضريبة النقابة إلى قيمة العقد المبرم معهم كجزء من الاتفاق بينهما. في حين يتخوف آخرون من الطريقة التي قد تلجأ إليها «نقابة الفنانين» لملاحقة المتخلفين عن دفع الضرائب لها، والتي في الغالب ستترجم بمنع هؤلاء الفنانين من العمل، وهو ما يعني عملياً تعطيل التصوير، وهو أسلوب سبق ولجأت إليه النقابة مع المخرجين غير النقابيين.
المشكلة لن تنتهي مع تقديم النقابة التزاماً بعدم تعطيل التصوير في ملاحقتها للمتخلفين من أعضائها عن دفع الضرائب. إذ يطرح تساؤل ثان عن أي عقود ستعتمدها «نقابة الفنانين» في تحصيل ضرائبها والدفاع عن أعضائها، إذا ما عرفنا أن عدداً من نجوم الصف الأول يبرمون عقوداً بأجور أعلى بكثير مما يتقاضونه فعلاً، كنوع من الثقل الإعلامي لنجوميتهم. في حين سيميل آخرون مع دخول النقابة على الخط إلى اعتماد صيغتي عقد الأول باتفاق مالي حقيقي، والثاني باتفاق مالي أقل منه في الغالب، وهو ما سيتم احتساب ضريبة النقابة بموجبه، وستحتفظ الأخيرة بنسخة منه.
وهنا يبرز تساؤل عما إذا وقع خلاف بين صاحب العقد والشركة المنتجة، فعن أي اتفاق ستدافع النقابة؟ هل نتعامل هنا مع الفنان على «مبدأ جنت على نفسها براقش»؟ وهل تملك النقابة بالأصل تصنيفاً لأعضائها لتحفظ حدا أدنى لأجورهم؟!
تبدو الحكاية متشعبة. يتبادل كل من «نقابة الفنانين» وشركات الإنتاج والفنانين في كل تفصيل منها أدوار الخصم والحكم، ويختلط فيها الجاني والمجني عليه. والجميع عيونهم على كعكة الدراما السورية. يريد حصته منها، فمن يحفظ حصة الدراما السورية نفسها في هذا «المولد»؟
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد