«اسمه الغرام»

16-01-2010

«اسمه الغرام»

المخيف في كلّ ما سمعناه من لغط حول القائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية، أننا تناسينا الروايات، بالأحرى نسينا قراءاتها لندخل في نقاشات، لا أعرف إن كانت تفيد بشيء أم لا. إذ مهما حاولنا، لا تصنع الجائزة كاتبا، بل الكاتب هو الذي يعطي قيمة للجائزة.
في أيّ حال، ليس مدخلي هذا إلاّ للإشارة إلى رواية «اسمه الغرام» لعلوية صبح. ولن أبحث عن أي مسوغات نقدية لوصفها، إذ أعترف منذ البداية، بأنه كتاب جميل، وجماله برأيي، يكمن في أن الروائية لا تقدم العالم على أنه لوحة كاملة، بل إنها تلتقط صوته وخشخشته وتنفسه السرّي. أشعر كأن الكتابة لا تشاهد العالم بل تسمعه. تتواطأ مع كل ما هو مهمل فيه، وأقصد بقولي هذا أنها تتواطأ مع حيوات الأشياء ومع صخب الشارع وردود الفعل. أذكر هنا، جملة تقولها إحدى شخصيات بيتر هندكه، بما معناه: «أكثر ما ضايقني طوال حياتي، واقع أن العالم كان لا يقرب، لا يؤسر، كأنه كان من المتعذر بلوغه كما أنه كان يطردني». أعتقد أن ما قامت به علوية صبح في كتابها هو هذه المحاولة الحقيقية لأسر هذا العالم عبر ما يمكن تسميته السفر الداخلي.
ففي هذا السفر الداخلي، هذه المحاولة للاستماع إلى صوت العالم والأشياء، ثمة إحساس جغرافي يطارد الكاتبة، لكنها لا تهرب منه بل تحاول أن تستعيده لأنها في استعادته، ثمة استعادة متكاملة لمعنى الكتابة، إذ كي يصل المرء إلى موضوعه، عليه أن يتسلق الدرجات وأن يحاول عدة لفات وأن يضيع في تعرجات النهر. هذه التعرجات هي التي تشكل قماشة الكتاب لأنها تروي السياقات التي تشكل مجمل الأشياء.
ثمة إحساس أيضا بأن الجملة الروائية تأتي كأنها درب ما يقع على مفترق طرق، وأن الكتابة ما هي إلا مغامرة طارئة لأنها مبنية على قصص أشخاص وعلى أمكنة خلفية وعلى لحظات. من هنا ننتقل من قصة إلى أخرى كما لو أننا نتبع دربا، لأن الحكاية هي الوحدة الدنيا للصفحة، ولحظتها الراهنة هي التي تعطينا شكلها.
هل أن نعيش بشكل جزئي وأن نروي بشكل كامل، هما مشروع الروائية كما الرواية؟ لنطرح السؤال بشكل آخر: هل الحياة، ليست في نهاية الأمر، سوى هذه الحكاية التي نرويها؟
ماذا يبقى من هذه الحياة لو لم تكن الحكايا المنسوجة حولها هي من يعطيها شرعية وجودها؟ ما معنى الذاكرة؟ هل هي فقط ذلك الخزان الذي يحتفظ ببعض التفاصيل أم أنها شيء آخر؟
أسئلة عديدة تطرحها علينا الكاتبة، وهي أسئلة، أجدها أساسية لأنها تعطي لفعل الكتابة ذلك التساؤل الذي يقودنا ـ في العمق ـ إلى التساؤل... أي إلى الوجود نفسه.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...