35000عائلة سورية تعتاش على زراعة الحمضيات
تبدأ مشكلة الحمضيات في كل وقت من هذا العام في بلدنا مع بدء تباشير جنيه وموسمه، لترتفع معه أصوات الفلاحين عالياً قبل عمليات التسويق خوفاً من ما حصل لهم في المواسم السابقة، هذه الأصوات التي لا يختلف مطالبها عن السنوات السابقة بل ما زالت هي نفسها، مشاكل في التسويق داخلياً وخارجياً وغياب شبه كامل لرعاية الحكومة بكل مؤسساتها وفعاليتها، والتي أدت بدورها إلى خسارة الفلاح الذي يعمل أحياناً مع باقي أفراد عائلته بانتظار بيع المحصول والذي قد لا يتم بسبب تحكم تجار الجملة وبيعه بسعر أقل من التكلفة بعد اتخاذ عمليات سيئة وغير مجدية في تصريف الإنتاج، أو بسبب ظروف خارجة عن نطاق الإنسان تتعلق بعوامل الطبيعة كالصقيع والرياح الشديدة الذي يتلف نصف كميات الإنتاج.
ولا يختلف اثنان على أن زراعة الحمضيات في سورية أصبحت من الزراعات الاقتصادية المهمة بعد أن تربعت سورية واحتلت المركز الثالث في الوطن العربي في إنتاج الحمضيات بعد الشقيقتان مصر والمغرب وبالتالي احتلالها المركز السابع على المستوى العالمي، لتشكل إنتاجه من الحمضيات ما يقارب 1% أو أكثر بقليل من مجموع الإنتاج العالمي للحمضيات، واعتبار سورية من الدول المصدرة المهمة لهذا المنتج.
حيث يعمل في هذه الزراعة ويعيش عليها حسب بعض الإحصائيات أكثر من 35 ألف عائلة وازدياد المساحات المزروعة من سنة لأخرى فبينما كانت المساحات المزروعة للحمضيات في عام 2006 تبلغ /30.000/ ألف هكتار وتضم نحو 10.3 ملايين شجرة وصل الإنتاج لنفس الموسم إلى نحو 800 ألف طن كان متوزعاً على 125 ألف طن حامض و420 ألف طن من نوعية البرتقال و195 ألف طن مجموعة اليوسفي وأكثر من 4000 طن من الكريب فروت، بينما قدرت المساحات المزروعة في عام 2007 بـ 34 ألف هكتار ـ وبإنتاج قَدر بـ 950 ألف طن، ومن المتوقع أن تصل عام 2008 إلى مليون وعشرة آلاف طن حسب تصريحات وجيه المرعي رئيس بحوث الحمضيات في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية منها 180 ألف طن متنتج من طرطوس والباقي في محافظة اللاذقية التي تحتل المركز الأول من حيث الإنتاج والمساحات المزروعة تليها جبلة، القرداحة، ثم الحفة، حيث يبلغ عدد الأشجار هذا العام /12/ مليون شجرة مزروعة ضمن مساحة تقدر بـ 36 ألف هكتار أي بزيادة ألفي هكتار عن العام الماضي، وكان نصيب الحامض (الليمون من الإنتاج 126 ألف طن والبرتقال 635 ألف طن، واليوسفي 210 ألف طن، والكريب فروت: 346 ألف طن.
ورغم صدور قرار المجلس الزراعي الأعلى رقم /68/ تاريخ 19/11/2001 القاضي بإحداث صندوق لتنمية وتنشيط الصادرات والذي أكد رئيس مجلس الوزراء على إمكانية العمل بهذا الصندوق من خلال تأمين رأس مال له بمبلغ /300/ مليون ليرة منها /100/ مليون من اتحاد الفلاحين و/100/ مليون من الجهات المانحة و/100/ مليون في الموازنة العامة للدولة.
فإن هذه الزراعة ما زالت تعاني من صعوبات جمة رغم أهميتها الإستراتيجية ففي مجال التسويق الداخلي ما زلنا نفتقر الى رؤية تسويقية واضحة وسياسة تسويقية وتسعيرية ثابتة لعدم وجود آلية عمل تسويق كميات الإنتاج وعدم إيجاد طرق سليمة في تصريف الفائض منه وخاصة بعد ازدياد المساحات المزروعة من سنة لأخرى وتعاظم الإنتاج والسؤال المهم الذي يطرح نفسه بقوة:
كيف سيكون حال الفلاحين في حال تم زيادة المساحات المزروعة آلاف الهكتارات عن المساحات السابقة ليزيد بذلك الكميات المنتجة أتوماتيكياً إلى أكثر من مليون ونصف طن؟
هذه الزيادة التي ستأتي دون أي حل للمشاكل والصعوبات السابقة سواء من حيث إيجاد منافذ تسويقية جديدة للمحصول على الصعيدين الداخلي والخارجي بالإضافة الى مشكلة تدني الأسعار التي تأتي على حساب الفلاح المنتج ولصالح تجار الجملة المتحكمون بالسياسة السعرية والتي لا يمكن مقارنتها بتكاليف ومستلزمات الإنتاج الزراعي والتي لا تتناسب أبداً مع ما يقدمه الفلاح من تعب وجهد وزيادة في تكاليف الإنتاج وتجدر الإشارة إلى أن معظم الحمضيات السورية هي أصناف عالمية ومعروفة يتم إدخالها من محطات بحوث دولية ومعروفة، لذلك فالحمضيات السورية تمتاز بخلوها من الأثر المتبقي للمبيدات بسبب اعتماد أسلوب المكافحة الحيوية المتكاملة من أجل إنتاج محصول خال ٍمن الأثر للمبيدات حرصا ًعلى الصحة والبيئة معاً إلا أن الصادرات السورية رغم هذه المواصفات تواجه العديد من المعوقات أهمها المنافسة الخارجية وعدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة للتصدير وخاصة ما يتعلق بنظام الأحجام والمواصفات التسويقية وارتفاع تكاليف الإنتاج والتوضيب مقارنة مع الدول المجاورة لبنان مثالاً.
هذه مشاكل التصدير أما مشاكل التسويق فتتمثل بعض منها بآلية عمل بعض المؤسسات والهيئات التنظيمية والإدارية التسويقية والتي تعتبر مسؤولة عن محدودية السعة التخزينية وأجهزة وأدوات الفرز ووسائل النقل وقلة مراكز الاستلام واعتمادها على بيانات إحصائية تفتقد إلى الدقة والوضوح في دراساتها التسويقية ولمختلف المحاصيل الزراعية ولعل تصريح رئيس اتحاد الفلاحين في اللاذقية للصحافة يدخل في هذا السياق وذلك حين أكد أن 50% من الإنتاج كمياته فائضة ومعدة للتصدير وتوقع أن تكون احتمالات تسويق الكميات الفائضة مقبولة في حال أوجدت الحكومة التسهيلات اللازمة لتسويق الإنتاج وأن عدم حصول ذلك سيوقع المزارعين بأزمة كبيرة، في ظل فوضى التسويق الذاتي الذي لا يرافقه أي دعم لعدة أسباب يرجع أهمها لعدم وجود جهة داعمة مسؤولة عن زراعة وتسويق الحمضيات، وعدم وجود دراسة كافية للأسواق الخارجية التي يمكن التصدير إليها، وعدم وجود خطة إستراتيجية علمية تراعي كمية الإنتاج وأساليب التسويق وآفاق التصدير.
وأكد رئيس الاتحاد في تصريحه على أن المطلوب من الحكومة إيجاد أسواق خارجية لتصريف المنتج الجيد المعد للتصدير وإنشاء معمل للعصائر يحقق هدفين مهمين في نفس الوقت.
وأولهما تأمين فرص عمل للعديد من الفلاحين وبالتالي استثمار فائض الإنتاج من الحمضيات التي لا تنطبق عليها المواصفات التصديرية المطلوبة مع الاستفادة من الميزة النسبية التي منحت لسوريا في مجال الحمضيات من خلال منطقة التجارة العربية الحرة والثاني إيجاد أسطول بري وبحري لنقل المنتج المحلي وربط موضوع استيراد الموز بتصدير الحمضيات مع منع استيراد الحمضيات في ذروة الإنتاج المحلي كما يحصل سنوياً.
ولابد من الذكر بالقرار أن الذي أصدره نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري والذي يقضي بتشكيل لجنة لمعالجة تسويق وتصدير الحمضيات في الساحل السوري بحيث تكون مهمتها وضع آليات لتسويق وتصدير الحمضيات من أجل ضمان أسعار أفضل للمزارعين وأسعار أقل للمستهلكين ووضع مراحل آليات الإنتاج والتسويق، كما ستقوم اللجنة بوضع أسس لإقامة اتحاد ونوعي لمنتجي الحمضيات وتأسيس شركة مساهمة للفرز والتوضيب والتسويق والتصدير.
أخيراً:
يمكننا القول أن كل هذه التصريحات لن يستفيد الفلاح منها شيئاً إذا بقي تجار الجملة يتحكمون بالسوق وأرباحه على حساب تعب وجهد الفلاح الذي يصل به الأمر أحياناً إلى الخلاص من بعض الكميات لتدني أسعارها والاستفادة فقط من العبوات الفلينية لإعادة استخدامها فهل يبقى هذا المنتج البسيط تحت تحكم وسيطرة هؤلاء وبعض المتنفذين ممن يدعمهم في عملياتهم؟
وهل سينتهي ويتخلص من عملية العرض والطلب التي أنهكته طوال هذه السنين إنها أسئلة مشروعة لآلاف العائلات ليس لديها مصدر رزق سوى هذه الأراضي.
علي نمر
المصدر: بورصات وأسواق
إضافة تعليق جديد