واقع عمل الخادمات ومكاتب تشغيلهن في سوريا
ظلت العلاقة بين النساء العاملات في الخدمة المنزلية وبين أصحاب البيوت ملتبسة قروناً عديدة، فيها الكثير من الإجحاف بحق المرأة، بل عرفت مراحل انحطاط شديد كان ينظر خلالها الى المرأة كقطعة من أثاث البيت تباع وتشترى.
إلا أن تطور المجتمعات المدنية الحديثة ومع ازدياد الحاجة الى مهنة الخدمة المنزلية حمل نظرة مختلفة كلياً على الأقل نظرياً لعمل المرأة في هذا المجال ركزت أساساً على تخليصها من تلك النظرة التاريخية السيئة الصيت لخدمة المرأة في البيوت ومن كل مايمس كرامتها وحقوقها الشخصية واستغلالها من قبل الوسطاء والسماسرة وتجار الرقيق وحاولت تجديدها وفق معايير دولية انسانية تنظم آليات عمل المرأة كمربية أو حتى مرشدة في البيوت، وتؤمن حقوقها وحقوق الطرف المستفيد من هذه الخدمة في الوقت ذاته.
هذا المفهوم الحديث الانساني الطابع لعمل المرأة الأجنبية في الخدمات المنزلية يمكن القول انه كان جوهر القرار /81/ الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء المتضمن تسمية هذا النظام نظام المكاتب الخاصة العاملة في استقدام واستخدام العاملات والمربيات في المنازل من غير السوريات.
..ومن أهم الأحكام التي وردت في هذا النظام شروط ترخيص الاستقدام والاستخدام فقد ورد في المادة /2/ منه: لايجوز استقدام العاملات واستخدامهم إلا عن طريق المكاتب المرخص لها بذلك وفق أحكام هذا النظام كما حدد شروطاً خاصة لطالب الترخيص، وللعاملة المراد استقدامها كما ألزم هذا النظام طالبي الترخيص بشروط يجب توافرها في مقر المكتب الذي سيخصص لهذا الغرض ومنها أن يوضع الترخيص الممنوح للمكتب في مكان ظاهر داخل مقره وأيضاً ورد في النظام واجبات المكتب والتزاماته التي نتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تعمل على إلزام أصحاب المكتب بها حتى يكون تطبيق القرار عملياً وحقيقياً، وأن يقوم مفتشو الوزارة بأداء مهامهم طبقاً للقانون ليس شكلياً وانما عملياً أيضاً وبشكل صارم فالقرار قد تضمن إلغاء الترخيص إذا قام صاحب المكتب بممارسة أية أعمال أو نشاطات غير مرخص للمكتب العمل فيها أو في حال استقدام عاملات الى سورية على أسماء مستفيدين وهميين بغية تشغيلهن بأجر يومي أو شهري أو في أماكن متعددة وهو مايقصد به التلاعب الذي يقوم به أصحاب هذه المكاتب وورد في المادة 21 منه أن على المكتب أن يضع جدولاً للاتصال الدوري بالمستفيدين للتأكد من حسن معاملتهم للعاملة ومن حسن أدائها وأن يقوم بإبلاغ المديرية المختصة في حال حصول أي شكوى من قبل الطرفين.. وأما المادة 22 فقد حظرت على أصحاب المكاتب الاعلان عن الأسعار بأية وسيلة كانت بشكل مباشر أو غير مباشر وذلك مراعاة للقواعد والاتفاقيات الدولية في هذا المجال كما حدد القرار الاتعاب التي يستوفيها المكتب بشكل صريح وحظر القرار على أصحاب المكاتب وموظفيه وعلى المستفيد ممارسة أي شكل من أشكال التعسف وسوء المعاملة أو التمييز بين العاملات على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الأصل الاجتماعي أو أي شكل آخر من أشكال التمييز التي تحظرها القوانين النافذة.
«تشرين» حاولت استطلاع آراء بعض الأطراف التي شملها هذا القرار فكانت لنا لقاءات مع أصحاب مكاتب تعمل حالياً ومع مستفيدين من خدمات هذه العاملات التي تزايدت اعدادهن بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.. وقد أصبح وجودهن ظاهرة في المجتمع السوري.
من خلال جولتنا على عدد من أصحاب هذه المكاتب الذين يملؤون صفحات الجرائد الاعلامية عن استقدام عاملات ومدبرات منزليات وبمواصفات مناسبة يحددها المستفيد أكد أصحاب هذه المكاتب ان حالات الاعتداء على العاملات قليلة اذا ماقورنت بالدول الأخرى.. وان الأسر السورية أصبحت تطلب العاملات بسبب ظروف ربة المنزل /العملية والاجتماعية/ .. وقالوا بأن هذا العمل بدأ بعد صدور القانون الشخصي الصادر عن وزارة الداخلية عام 2001 الذي يسمح للمواطن باستقدام عاملة أجنبية.. ومن خلال انتباهنا الى تراخيص هذه المكاتب لاحظنا ان تراخيصها اما سياحية أو تجارية.. إذاً فهي غير قانونية.
أما عن تجاوبهم مع القرار فقد أكد البعض ان النظام سيسمح لهم بالعمل بترخيص رسمي وأنه نظام له ايجابيات كثيرة تضمن بشكل رسمي أتعاب المكتب، كما تضمن حقوقاً للعاملة إذا حصل لها أي أذية..
أما البعض الآخر فقد اعترض على مبلغ الكفالة /5 ملايين ل.س / ويضاف بدل الترخيص وهو ماسيشكل عبئاً مادياً كبيراً عليهم..
من خلال لقاءاتنا مع سيدات استقدمن عاملات أجنبيات تأكد لنا أن العاملة الأجنبية مرغوبة أكثر من السورية.. فالسيدة سلوى محامية قالت ان عملي كمحامية يتطلب مني التفرغ الكامل فأنا أوجد صباحاً في المحكمة ومساءً في مكتبي لذلك فانا بحاجة لمن تهتم بالمنزل وبالأولاد طيلة فترة غيابي، ثانياً العاملة الأجنبية أجرها أقل بالاضافة الى أنها تبقى حذرة في تعاملها لأنها تخاف من الوقوع في الخطأ فيكون مصيرها العودة الى بلادها وحرمانها من العمل.. أما عن النظام الذي صدر مؤخراً فإنه قرار كنا ننتظره منذ فترة طويلة، خاصة أن أصحاب المكاتب يتلاعبون ويعملون تحت أسماء مستعارة ولارادع لهم ولايراعون في معاملاتهم أي أصول قانونية ولكن النظام حدد لهم الآن أتعاب المكتب وفق نسب محددة وعن تكلفة استقدام العاملة قالت السيدة سلوى ان التكلفة النهائية حوالي 3000 دولار ويضيف اليها المكتب أجر شهرين أو ثلاثة من أجر العاملة الذي يتلاعب أصحاب المكتب به ويكون بين 100 ـ 125 دولاراً شهرياً.
ويحدد أجر العاملة حسب مزاجية صاحب المكتب الذي يدعي ان لكل عاملة شروطاً خاصة تحدد أجرها.. لذلك نتمنى ان يقضي هذا النظام على هذه الفوضى وتصبح العملية قانونية ومنظمة وتكفل حقوق جميع الأطراف.
ولإلقاء الضوء على هذا القرار كان لتشرين لقاء مع السيد مجاهد عبد الله ـ مدير القوى العاملة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.. الذي أكد بداية ان استغلال العاملات الأجنبيات لم يكن ظاهرة لأننا شعب لديه تقاليد وعادات اجتماعية تمنع هذا الاستغلال اللاانساني الذي يحصل في العالم لتلك الفئات العاملة البسيطة.. ولكن هناك عشوائية في عمل المكاتب الموجودة حالياً وفوضى أدت الى عواقب سيئة.. وقال السيد مجاهد: ان هذه المكاتب غير قانونية وهي تعمل بتراخيص متعددة منها تجاري أو صناعي أو سياحي ولكنها تمارس على أرض الواقع مهنة استقدام العاملات الأجنبيات وهذا مخالف لشروط ترخيصها أصلاً.. وقد انتشرت المكاتب بعد قرار وزارة الداخلية الذي حدد شروط دخول العاملات وكيفية الحصول على الاقامة بالاضافة الى القرار الصادر عن رئيس مجلس الوزراء الذي أوجب تسديد ألف دولار للخزينة المركزية ولم يكن لوزارة الشؤون الاجتماعية أي سلطة على هذه المكاتب.. وأضاف السيد مجاهد: ولكن وبما أن اليد العاملة هي مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وهي الأعلم بالحقوق الواجب ضمانها للعاملات والشروط التي يجب توافرها بمن يمارس هذه المهنة بحسب القوانين في العالم والاتفاقيات الدولية كان لابد من وضع مشروع لتنظيم عمل هذه المكاتب وتحديد شروط تضمن حقوق العاملة وعدم استغلالها بما يتفق مع الأحكام العامة للقانون المدني وشروط وحقوق العمال الذي يضمنها قانون العمل النافذ والاتفاقيات الدولية المصادقة عليها الجمهورية العربية السورية.. وقال السيد مجاهد: لقد تم اعداد المشروع من قبل الخبراء في الوزارة والمختصين وجهات حكومية لها علاقة من وزارة العدل والخارجية والداخلية والجمعيات الأهلية وأصحاب العمل وشركاء اجتماعيين وتم عرضه على المنظمات الدولية المتخصصة للاستئناس بآرائهم ومن ثم أعدت الصيغة النهائية لمشروع نظام متكامل ومتوازن يراعي الجميع، ويضمن حقوق العاملة والمستفيد.. وقد تضمن أحكاماً وشروطاً خاصة ورفع بعد ذلك الى الجهة الوصائية.. ونوقش في اجتماع اللجنة الاقتصادية في اجتماع مجلس الوزراء.. وثم صدر عن رئيس مجلس الوزراء وثم صدر وأصبح نافذاً من 6/1/2007 ويجب الآن على جميع الراغبين بمزاولة هذه المهنة من أصحاب المكاتب التقدم بأوراقهم كاملة من أجل الترخيص وأكد على أن الاجراءات ستكون صارمة بحق من يزاول المهنة بدون ترخيص رسمي..
وقال السيد مجاهد ان هذا القانون لن يزيد من البطالة في اليد العاملة السورية لأن مهنة العاملة المنزلية غير منتشرة في بلدنا ففي مجتمعنا الأسر لاتسمح لبناتها بالمبيت خارج المنزل وأيضاً نحن لايوجد لدينا عاطلات عن العمل راغبات بهذه المهنة لأن العادات والتقاليد الاجتماعية مازالت تحكم مجتمعنا وبيئتنا.
وبالنسبة لتجاوب المكاتب مع هذا النظام أكد السيد مجاهد أن الشروط والأحكام واضحة وصريحة، فالنظام صدر وانتهى الأمر ونحن نعلم أن هناك من سيحاول التهرب ومزاولة المهنة في الخفاء، ولكن السلطة تملك المقدرة على اكتشافه ولكن الأهم هو توعية المواطن المستفيد ليتعامل حصراً مع المكاتب المرخصة وسيلحظ الفرق فوراً بين المكتب المرخص وغير المرخص.
وختم السيد مجاهد بالقول: ان في النظام أيضاً لغة جديدة فلم يعد هناك خادمة ومخدوم فالخادمة كلمة تسيء للانسانية بل أصبح مربية أو عاملة فالقانون اجتماعي اقتصادي جوهره انساني، ومنذ اسبوعين قدم وفد من وزارة الخارجية والعمل والهجرة الاندونيسية لشكر الحكومة السورية عن طريق وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على هذا النظام.. لأنهم أكدوا ان هذا أقصى ماكانوا يحلمون به للتعامل مع احدى الدول التي تستخدم العاملة الأندونيسية فهو يضمن ويحمي العاملة وبناءً على هذا النظام سيتم الغاء حظر سفر العاملات الى سورية نتيجة حالات الاستغلال من قبل المكاتب غير المرخصة حتى انهم سيستفيدون من هذا النظام في اتفاقياتهم مع الدول الأخرى..
أخيراً.. لابد لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الحرص على تطبيق القانون مهما كان الاعتراض أو التهرب من هذا النظام.. فالإرادة والتصميم والملاحقة المستمرة من قبل مفتشي العمل لكشف هؤلاء المتهربين سيجعل لهذا النظام بصمة كبيرة في مجال الانسانية لأنه لايتعامل مع سلع تجارية بل مع بشر ولذلك لايمكن غض الطرف أبداً في هذه المسألة.
إلهام العطار
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد