وأسرانا.. هل من يحفظ أسماءهم؟
هناك ما يحزّ في النفس، وعملية التبادل الأخيرة للأسرى تعيده، ليحزّ عميقاً هذه المرة: هناك شأن سوري لا يؤتى على ذكره هنا. إنهم الأسرى السوريون.
هؤلاء الأسرى، للأسف، لا نجومية لهم. إخوانهم اللبنانيون صاروا نجوماً. جرى ذلك بفضل الإعلام. هناك شعارات، لكن هناك قصص، وحكايات، من لحم ودم قدمت مراراً وتكراراً. مَن من السوريين، كي لا نقول العرب، لا يعرف سمير القنطار... ورفاقه! وبالمقابل، هل يمكن لسوريين أن يعدّوا على أصابعهم أسماء أسراهم، ومنهم من أمضى أكثر من عشرين عاماً وهو معتل العافية؟ هل يمكن أن يتجاوز السوريون أصابع اليد الواحدة في عدّ الأسماء، ولهم ١٤ أسيراً؟! يا ريت!
هناك من خرق هذا النموذج السوري. ربما، لأنه أطول قامة من ألا يرى. كان عطا فرحات طويلاً بالفعل. كان مسؤولاً عن طلبة الجولان، وبالاقتراع الديموقراطي، في اتحاد طلبة سوريا خلال سنوات دراسته للصحافة. في كل الاحتفالات التي كان يجهد في تنظيمها، لا يمكن ألا تلمحه، رغم حشود الطلاب حول المغنين الثوريين، أو المستقيلين من الثورة. نشاطه هذا كان عاملاً في اعتقاله للمرة الأولى، سنة ،٢٠٠٢ بعد تخرجه وعودته إلى أرض الجولان في سيارات الصليب الأحمر، عبر اتفاقية ترعاها الأمم المتحدة.
»قعد« (وهو مصطلح خاص بالسجناء السياسيين في سوريا) ثمانية أشهر في السجن. التهمة هي التعامل مع العدو. والعدو هو وطنه الأم سوريا. حاول بعزيمة فذّة العمل لوسائل إعلام سورية من داخل الأراضي المحتلة. حاول وحاول ووفّق جزئياً. فكما يقول اصحاب له في الوسط الاعلامي، قصته مع وسائل الاعلام السورية طويلة. ورغم ذلك، لم ييأس. قدم تقارير للتلفزيون السوري، وعمل مراسلاً لجريدة سياسية خاصة معروفة، ووحيدة. وفي نهاية تموز ،٢٠٠٧ وبعد أسابيع قليلة على زواجه، اعتقلته المخابرات الاسرائيلية، وصادرت عدته الصحافية، ولا يزال يحاكم حتى الآن. بعد اعتقاله بفترة، بدأت الجريدة التي عمل مراسلاً لها بنشر صورته، مع عدّاد الأيام أسفلها، على صفحتها الأولى. هذه »العادة« التي درّجتها »الجزيرة« خلال اعتقال سامي الحاج، تلقفها التلفزيون السوري بدوره. وحبذا عدوى العادات الحميدة. استمر الشريط الإخباري يعرض القضية، ويسأل التضامن والتعاضد لحرية »مراسل التلفزيون السوري عطا فرحات«.
منذ مدة، سقط عطا فرحات عن الشريط الإخباري. لا يُعرف السبب ولا الداعي. الرجل ما زال أسيراً معتقلاً. والخطوة التضامنية التي لا تكلف أكثر من بضع نقاط الكترونية (بكسلات) أسفل الشاشة، لا يفترض أن يتم التراجع عنها إلا إذا تحقق هدفها. ثم، ما الجانب المضر في التذكير المستمر بوجود صحافي سوري أسير في الجولان؟! أو، ربما السقوط عن الشاشة تم سهواً؟ ويخجل المرء إذا قال أن اسم أسير لا يزال يسقط في سهو مستمر عن شريط اخباري.
هذا عن عطا... أما الأسرى السوريون الآخرون فبدورهم يشتركون في صفة الطول. عطا طويل، ورفاق له صار لهم، في سنوات السجن الطويلة، ظلال فارعة الطول. لا يعرفهم السوريون بالأسماء، وبالتأكيد لدى كل منهم قصص معبرة تستجلب التضامن وتستحق أن تروى. أسرى متوارون في ثنايا قضية معلنة، بجريرة »واو« العطف: عودة الجولان وتحرير الأسرى.
المرة الأخيرة التي جرى فيها حديث عن حملة تضامن مع الأسرى في سوريا، وهي مسألة جديدة (»الحملة«)، كانت منذ عام تقريباً. نُشر إعلان في الشوارع يقول إن شركة الخلوي» سترفع تسعيرة الاتصالات، والرسائل لمدة، وستذهب العائدات لدعم الأسرى السوريين. لم تكن تلك دعوة، للأسف. في شكل ما، هي إجراء قسري... ولو قيل إن خلفه حسن نية. عدم الثقة بالناس يتوارى خلف الصيغ المؤلمة. لم تنظم حملة إعلامية لشرح قضية الأسرى والتحقيقات والحكايات. حملة نفسها طويل، ودعوة للناس كي يبادروا، بأنفسهم، للتضامن.
ثقوا بالناس أكثر، لكن في البداية حاولوا أن تفعلوا شيئاً. وللأسرى السوريين، في يوم تحرير يمنّي النفس بآخر، تحية من القلب لكم ولظلالكم الطويلة.
وسيم إبراهيم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد