هلع إسرائيلي على الحدود اللبنانية
اقترن الإعلان الإسرائيلي عن اكتشاف شبكة عبوات ناسفة بمحاذاة الخط الأزرق شمالاً بحالة من الاضطراب، قاربت الهلع، خشية أن يكون الأمر مقدمة لعودة حزب الله إلى الحافة الأمامية للحدود، مقوّضاً بذلك الإنجاز الوحيد لعدوان تموز من وجهة نظر المعلقين الإسرائيليين، في خطوة ترافقت مع تصريحات لرئيس الشاباك، يوفال ديسكين، أقر فيها بأن «الحرب في لبنان لم تكن مفيدة لصورة ردع إسرائيل في المنطقة».
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قوة عسكرية من سلاح الهندسة عثرت، خلال عملية تمشيط في محيط منطقة أفيفيم في القطاع الأوسط، على عدد من العبوات الناسفة. وأوضحت تقارير إسرائيلية أن العبوات اكتشفت على بعد ستين متراً شمالي السياج الحدودي في جيب يقع في الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإن القوة العسكرية عاينت جسماً مشبوهاً بالقرب من السياج، ولدى إطلاق النار باتجاهه حصل انفجار في المكان، وتبيّن لاحقاً أن الأمر يتعلق بأربع عبوات ناسفة مُوِّهت على شكل صخور، زنة الواحدة منها 15 كيلوغراماً، وهي ذات قوة تفجيرية كبيرة ومن النوع الذي يؤدي إلى دائرة تشظٍّ واسعة جداً.
وقدر الجيش الإسرائيلي أن تكون العبوات قد زرعت في المكان حديثاً، أي بعد عدوان تموز، وأن حزب الله زرعها مستغلاً الضباب والأمطار في الأيام الأخيرة. ولم تستبعد مصادر عسكرية إسرائيلية أن يكون رعاة ماعز يعملون لمصلحة حزب الله هم من زرع العبوات. كما رجحت أن تكون الغاية من ورائها تنفيذ عملية تستهدف قتل أو خطف جنود في إحدى دوريات الجيش الجوالة على طول الحدود، مقدرة أن إسرائيل لم تكن تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي إذا ما حصل ذلك، واصفة الحدث بأنه مهم ويتطلب الرد عليه بشدة لمنع حصول تدهور آخر.
ونقلت صحيفة «معاريف» عن ضابط في قيادة المنطقة الشمالية قوله إن «الجيش منتشر بشكل جيد (على الحدود) سواء من حيث القوة البشرية أو الوسائل التكنولوجية»، مستدركاً في معرض شرحه ما حدث بالقول: «لا شك في أن الضباب والجو الماطر ساعدا المخربين على الاقتراب من الحدود وزرع العبوات».
وأضاف الضابط: «نحن لا نستبعد إمكان أن تكون شبكة العبوات التي زرعها مخربو حزب الله تستهدف القيام بعملية خطف. ونحن نأخذ في الحسبان احتمال وجود عبوات إضافية في المنطقة. ويمكن أن يكون حزب الله يهدف إلى تنفيذ عملية كبيرة جداً مثلما حصل عندما خطف الجنديين في 12 تموز الماضي».
وفيما تقدم الجيش الإسرائيلي بشكوى رسمية عن الحادث إلى قوات الطوارئ الدولية المنتشرة في لبنان، وجه مسؤولون فيه إصبع الاتهام إلى الحكومة اللبنانية «المسؤولة عن البنى التحتية لحزب الله على خط الحدود، التي يُفترض بقواتها تمشيط المنطقة من أجل إجهاض أي تهديد محتمل» للحزب. كما انتقد هؤلاء أداء قوات اليونيفيل، مشيرين إلى أن «بإمكانهم القيام بأكثر مما قاموا به حتى الآن بشأن محاولاتهم إبعاد رجال حزب الله، الذين يتجولون بثياب مدنية على السياج الحدودي».
واحتل اكتشاف العبوات صدارة الحدث الإعلامي في إسرائيل، وانعكس ذلك في الاهتمام البارز الذي أولته إياه وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تناوبت على تغطيته والتعليق عليه وتحليله في مقدمة نشراتها الإخبارية. وأجمع المعلقون على خطورة الأمر، لكونه يمثل انتهاكاً فاضحاً للقرار 1701 ويشير إلى عودة حزب الله إلى الخط الحدودي، وهو ما يعني تقويضاً «لإنجازات الحرب».
وفيما رأى بعض المعلقين في زرع العبوات رسالة من حزب الله إلى قوات الطوارئ على خلفية منعها قرويين لبنانيين من التوجه إلى أراضيهم المحاذية للحدود، مفادها أن الحزب قادر على إفشال مهماتها إن هي أظهرت حرصاً مبالغاً فيه في تنفيذها، رأى آخرون أن ما حصل يندرج ضمن سياق محاولة حزب الله «تسخين» الحدود مع إسرائيل، تمهيداً لعودته إليها. ويرى هؤلاء أن خطوة زرع العبوات هي حلقة في سلسلة نشاطات يقوم بها حزب الله، كزرع أعلامه أخيراً على الحدود، تهدف إلى خلق مناخ للتكيف التدريجي مع فكرة إعادة انتشاره على الخط الحدودي.
ويبدو أن العثور على العبوات كشف عن نقاش داخلي في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في دور قوات اليونيفيل وجدوى انتشارها، الذي اعتبر أحد إنجازات الحرب، في جنوب لبنان. ونقل المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن ضابط رفيع المستوى في جيش الاحتلال قوله إن وجود قوات الطوارئ في جنوب لبنان قد يسهم في حماية الحدود الإسرائيلية مع لبنان، إلا أنه، في المقابل، يشكل عقبة أمام الجيش الإسرائيلي إذا قرر المبادرة إلى رد فعل عسكري ضد المقاومة، لأنه يفرض قيوداً من الحذر على تحرك القوات خشية تعرض اليونيفيل لإصابات عن طريق الخطأ.
وفيما تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مخاوف انتابت سكان مستوطنة أفيفيم من إمكان عودة حزب الله للانتشار على الحدود، عمد جيش الاحتلال إلى إصدار تعليمات يشدد فيها على تفعيل أوامر كانت قد أعطيت بعد الحرب للقوات المنتشرة على خط الحدود تقضي بإطلاق النار على أية حركة مشبوهة في الجانب اللبناني، وتفوّض إلى أي ضابط إعطاء أمر فتح النار. كما أعطيت توجيهات للمزارعين من سكان المستوطنات الحدودية بتوخي الحذر والتبليغ عن أي تحرك مشبوه.
وفي هذا السياق، ذكر موقع صحيفة «معاريف» على الإنترنت أن ثلاثة من جنود الجيش اللبناني وصلوا ظهر أول من أمس، بمركبة عسكرية إلى السياج الحدودي في منطقة رأس الناقورة، وبدأوا برشق الحجارة باتجاه السياج، وعندما وصلت قوات من الجيش الإسرائيلي إلى المكان، كان الجنود اللبنانيون قد استقلوا مركبتهم وغادروا المكان.
ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية في قيادة المنطقة الشمالية بالجيش قولها إن مثل هذا الأمر لا يحصل كل يوم، وإن الجيش يقوم بالتحقيق في الحادث، مشيرة إلى أن الجنود اللبنانيين لم يعبروا السياج، كما أن الحجارة التي رشقوها لم تجتز الحدود، لذلك تقرر عدم تقديم شكوى للأمم المتحدة.
وفيما قدرت المصادر العسكرية أن هدف الجنود اللبنانيين كان، كما يبدو، جمع معلومات استخبارية عن الجنود الإسرائيليين العاملين على طول السياج، لفتت إلى أن الفترة الأخيرة لم تشهد تسجيل أية حوادث غير عادية في المنطقة الحدودية، باستثناء بعض الحالات التي شوهد فيها عدد من عناصر حزب الله متخفين على هيئة رعاة أغنام، اقتربوا من السياج وكان بحوزتهم معدات تصوير ومراقبة.
من جهة أخرى، انضم أمس رئيس الشاباك، يوفال ديسكين، إلى سلسلة القادة الأمنيين الإسرائيليين الذين أقروا بالتداعيات السلبية لحرب تموز على إسرائيل، محذراً من انعكاس ذلك على الساحة الفلسطينية. وقال ديسكين، في حديث مع المراسلين العسكريين الإسرائيليين لمناسبة تلخيص أحداث العام 2006، إن الحرب «لم تكن مفيدة لصورة ردع إسرائيل»، مشيراً إلى أن عمليتي أسر الجنود الإسرائيليين في لبنان وغزة، اللتين وصفهما بالخطأين التكتيكيين، «وضعتا إسرائيل في ورطة استراتيجية كبيرة». وأشار ديسكين إلى ارتفاع مستوى النشاط الأمني لحزب الله داخل إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة. وقال إن «الأجهزة الأمنية الإسرائيلية شخصت خلال النصف الأول من عام 2006 ارتفاعاً بنسبة 150 في المئة في عدد الخلايا الإرهابية التي يديرها حزب الله». وقدر أن الحزب سيواصل زيادة أنشطته في المناطق الفلسطينية من خلال الفصائل الفلسطينية، وسيعمل في الوقت نفسه على تعزيز محاولات التجنيد التي يقوم بها وسط فلسطينيي عام 48 لأغراض استخبارية.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد