هل يمهد ضرب حزب الله لمفاوضات سورية - اسرائيلية
استكمالا للنقاش الدائر في إسرائيل حول احتمالات انزلاق الحرب من لبنان إلى سوريا، يرى كثيرون في إسرائيل أن هذا لم يعد احتمالاً نظرياً. وكان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قد أوضح قبل أيام أمام المجلس الوزاري المصغر بأن سوريا قد رفعت حالة التأهب في جيشها إلى أقصى درجة. ولاحظ معلقون عسكريون أن احتمال انتقال الانتشار العسكري السوري من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم قد لا يحتاج إلى كثير من الوقت والجهد. وفي نظر هؤلاء يمكن للجهد العسكري السوري أن يقتصر في البداية على استخدام القدرات الصاروخية القصيرة والبعيدة المدى. ولا يغفل المعلقون حقيقة أن للجيش الإسرائيلي تجربة مريرة مع الوحدات السورية الخاصة.
وأياً يكن الحال فإن المراسلين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أكثروا في صحف نهاية الأسبوع من الإشارة للموضوع السوري. وكتب المراسل السياسي لصحيفة يديعوت احرونوت، شمعون شيفر أن مقرباً من رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت حذر من أن أحدا لا يمكنه أن يغلق العين عن التطورات في الجانب السوري.
وأشار شيفر إلى أنه منذ اندلاع القتال يقول أولمرت أن لا نية لديه للانجرار إلى حرب مع سوريا. بل إن أولمرت مال في البداية إلى عدم المصادقة على طلب رئيس الأركان تجنيد ثلاث فرق احتياط خشية أن يؤدي هذا التجنيد بسوريا إلى الرد بهجوم وقائي ضد إسرائيل. فالسوريون كما خشي أولمرت، من شأنهم أن يفكروا خطأ بأن فرق الاحتياط تستعد لاحتلال دمشق عبر البطن الطرية لسوريا: الأراضي اللبنانية.
ويشير شيف مع ذلك إلى أن موافقة المجلس الوزاري على تجنيد القوات الاحتياطية جاءت فعلاً بعد إعلان سوريا حالة التأهب القصوى في صفوف قواتها. ولذلك شدد وزراء الحكومة الإسرائيلية على أن تجنيد ثلاث فرق احتياطية كان تحسباً لأي طارئ. ومع ذلك جاهدت الحكومة الإسرائيلية وهي ترسل الرسائل الإسرائيلية إلى سوريا بأنها ليست في دائرة الاستهداف. وقال وزير الدفاع عمير بيرتس: لا توجد أي نية لفتح جبهة مع سوريا، ولكن السوريين يعرفون بأننا على أهبة الاستعداد. ونحن نأمل بأن حزب الله لن يجر سوريا إلى هذه الأزمة.
وشدد المراسل السياسي في معاريف بن كسبيت في مقالته الأنظار نحو سوريا على أن السؤال الأشد تشويقاً الآن هو كيف يمكن الامتناع قدر الإمكان عن حرب بين إسرائيل وسوريا؟. وكتب أن هذا التشويق نابع أساساً من حقيقة أن كثيرين في القيادة الإسرائيلية باتوا يدركون بأننا في ذروة حرب كهذه. ويعتبر كسبيت أن الأمر في الواقع معقد لأن إسرائيل تحارب حزب الله ولكن اليد التي تضغط على الزناد هي يد سورية. الذراع التي تغذيها بالذخيرة هي إيرانية. وبتعبير دولي، فإن هذه باتت منذ زمن بعيد تعتبر حرباً بين إسرائيل وسوريا. وبتعبير شرق أوسطي، كل شيء ممكن. بل وربما سيكون.
وأشار كسبيت إلى أنه في مداولات اللجنة السباعية الحكومية دار النقاش حول كيفية خلق وضع لا يقود فيه تجنيد ثلاث فرق احتياط لغرض توسيع العملية البرية في لبنان (وتقصيرها)، إلى توتير دمشق وبالتالي إلى تدهور الساحة بأسرها إلى فقدان السيطرة. وكتب عن ضرب شاحنات تحمل ذخائر فور عبورها من سوريا إلى الأراضي اللبنانية. وقال إنه في المرة القادمة فإن هذا يمكن أن يحصل قبل خمس دقائق من ذلك، على الأراضي السورية. ومن هنا فإن الطريق قصير جداً إلى الحرب. آفي ديختر في رأي أقلية يعتقد بأنه لا يوجد وضع يمكن فيه للسوريين أن يواصلوا السير على هذا النحو. يجب وضعهم أمام الخيار، بكل ما يعنيه من معنى. أما باقي الوزراء فيعتقدون بوجوب التهدئة. كان لشمعون بيريز خطاب طويل (35 دقيقة)، حمل كعادته على الاستخبارات وهاجم اتفاق سايكس بيكو(!!) المسؤول، برأيه عن تشيع لبنان وتدمير المنطقة برمتها. وكتب كسبيت أن عمير بيرتس قدم رأيا مغايراً تماما بشأن سوريا.
واعتبر كسبيت أن قرار المجلس الوزاري كان من جهة، تهدئة السوريين، ومن جهة أخرى، ثلاث فرق احتياط. المعنى: إسرائيل تنتقل للحديث مع سوريا باللغة التركية. يتبين أن الأسد لا يفهم إلا هذه اللغة. الحاكم السوري الغريب يجب أن يفهم بأنه إذا واصل تزويد حزب الله بالصواريخ والقذائف الصاروخية في أثناء المواجهة، فسيعتبر كمن يشارك فيها. وبهذه الصفة يحتمل أن المشاركة ستؤلم. هذه هي الرسالة الإسرائيلية الخفية، التي زرعت خلف التصريحات والتهدئة المتصالحة.
ويتطرق كسبيت إلى اشتياق إسرائيل لسوريا، التي أجرت إبان وجودها في لبنان لعبة حرب في المؤسسة العسكرية في عهد رئاسة موشيه يعلون لهيئة الأركان. ويكتب في تلك الأيام كانت سوريا ما تزال في لبنان. والآن، نحن في غاية الشوق إلى تلك الأيام، لأن تلك اللعبة اشتملت على خطوات لاستعمال القوة ضد سوريا من اجل إجبارها للضغط على حزب الله. والآن، حزب الله أقل سورية، وأكثر بكثير إيرانية. التاريخ يكرر نفسه. لا مجال للاشتياق لما كان، فنحن نعرف، والكل يعرف، كم توسل لنا الأسدان (حافظ وبشار)، الأب والابن، كل بدوره، من اجل توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل، وفي كل مرة سقطت تلك الجهود لسبب ومبرر ما. وعندما لعب باراك دوراً أمام سوريا، جاء شارون الذي رفض (لأن الأميركيين رفضوا)، وهكذا.
واعتبر كسبيت أنه من الواضح الآن أن سوريا هي الدولة الوحيدة القادرة على عمل شيء أمام حزب الله، وأن تُشغّل محركاً قادراً على تحريك موقف نصر الله الذي اتجه شيئا فشيئا ليكون قريباً من الموقف الإيراني. فأين كانت الجبهة الشيعية المتطرفة، المتوحشة، وأين كان نصر الله نفسه، وأين كانت هذه الصواريخ؟، ويضيف كسبيت أن عمير بيرتس، بدأ يفهم ذلك. فهو يتحدث في أحاديث مغلقة عن إعادة سوريا إلى (العجلة) الدائرة السياسية المعتدلة، وإبعادها عن دائرة الإرهاب الإسلامية المتطرفة. من ناحية، من المهم جداً أن يكون الأميركيون والمجموعة الأوروبية قد منحوا إسرائيل الوقت اللازم لها من اجل إكمال مهمتها في لبنان. هذا جيد، ولكن ما هي مصلحة إسرائيل في ذلك. هكذا يتساءل بيرتس. ماذا نريد نحن؟ وماذا نحتاج؟ فالغطاء والدعم الأميركي لن يحل المشكلة، لأن الأميركيين لم يعودوا قادرين على ممارسة أي ضغط على سوريا، ولا على الإيرانيين. وهناك، في دمشق أو طهران، توجد القدرات والإمكانيات اللازمة لتخليصنا من هذا المستنقع.
إذا، ما الذي يقوله بالتحديد؟ انه يقول، بهدوء، وبهمس، وهو الأمر الذي لا يتجرأ الكثيرون على قوله في الوقت الأخير (حتى في الجيش الإسرائيلي)، لقد حان الوقت للزج بسوريا في هذة المعمعة. وبناء على ذلك، وعلى الرغم من التوجه الأميركي، وحسب تفكير ومنطق بيرتس، لا بد من الانتصار. محظور تماماً الخروج من هذه المواجهة الحالية ونحن نجر أذيال الخيبة والفشل. ولكن، وبعد أن ينتهي كل هذا، يحين الوقت بالتأكيد للتحدث مع الأسد.
ويشدد كسبيت على أن مجرد إدخال سوريا في العملية السياسية، وانتهاء ذلك في لبنان، بما في ذلك حشر نصر الله وإبعاد إيران، تعتبر أهم الخطوات في المصالح الإسرائيلية من الدرجة العليا، بل إن هذه ليست مصلحتنا فقط، بل هي مصلحة العالم الغربي دون استثناء. ويكتب أن بيرتس ومعه الطاقم الكبير في وزارة الدفاع أعدوا وثيقة تفصيلية بهذا الخصوص، بما في ذلك وضع سوريا في مركز الصدارة والنقطة المفصلية من اجل إحداث التغيير الجذري في المنطقة. وهذه الوثيقة وضعت فقط أمام الوزراء السبعة، ورئيس الحكومة. ولكن، وقبل البحث فيها، لا بد من أن نكسر لحسن نصر الله رأسه، ولكن كيف، يا للشيطان، هل نفعل ذلك؟ هذا سؤال ممتاز.
ويشدد المعلق السياسي في يديعوت أحرنوت ناحوم بارنيع على أن أحد مظاهر الاستدعاء الواسع للاحتياط الذي يُقللون الحديث عنه هو تأثير ذلك على الحرب مع سوريا. أولمرت يدرك توجس سوريا ونزعتها الارتيابية. إدخال القوات إلى لبنان يدفع سوريا إلى الاعتقاد بأن إسرائيل تريد مهاجمتها من الغرب، حيث نقطة ضعفها، الأمر الذي كان مبرراً يستخدمونه دائماً لتبرير وجود قواتهم على ارض لبنان. ويضيف أن مشكلة سوريا أكثر حساسية مما يسود الاعتقاد، ويلمس صناع القرار في إسرائيل تحمس بعض الأطراف في الإدارة الأميركية لقيام إسرائيل بضرب سوريا لتسوية حسابهم مع الأسد بسبب العراق. اعتقادهم هو أن ضرب سوريا سيخفف الضغط عنهم في الجبهة العراقية. وأنهم سيكونون أكثر سروراً لو قامت إسرائيل بتولي أمر إيران أيضا. والأمر لا يقتصر عليهم، وإنما يتعداهم ليشمل بعض قادة الغرب وإسرائيل هي أفضل مرشح للقيام بالمهمة.
ولكن أولمرت، حسب بارنيع لا يتطوع لأداء هذه الخدمة. هل يكتفي بحزب الله، وعمير بيرتس مثله. من هنا لم يكن غريباً أن يقفا في جبهة واحدة في مواجهة طلب الجيش بتوسيع استدعاء الاحتياط. ولا غرابة أيضاً أنهما أرسلا إلى سوريا رسائل من كل منبر كان بأنهم لا يريدون الحرب معها. إذا هوجمت إسرائيل فستضطر للرد، أما إذا جلست سوريا بهدوء، فالجيش الإسرائيلي سيبقى هادئاً هو الآخر.
وقد أوضح المعلق العسكري في يديعوت اليكس فيشمان أن عمير بيرتس عرض على الحكومة مسارين محتملين للتحرك: الأول، المسار السوري. والثاني، المسار الدولي. المسار السوري يوفر حلا لقضية حماس ولقضية نزع سلاح حزب الله ولقضية الوضع على الحدود مع لبنان. ميزة التفاوض مع السوريين بصدد التسوية الإقليمية تكمن في حقيقة أن لديهم اتصالاً مباشراً مع حماس وحزب الله ولبنان. السوريون سيطالبون بالطبع بهضبة الجولان، ولكن من الناحية الأخرى ستُضعف خطوتهم هذه علاقتهم مع إيران. وهذا المسار يبدو منطقياً في نظر وزير الدفاع، إلا أن الإدارة الأميركية ترفضه تلقائياً في الوقت الحالي. إدارة بوش ليست مستعدة لإعطاء سوريا أية امتيازات أو تخفيف الشعور عنها بأنها ملاحقة ولو للحظة واحدة. إسرائيل أيضا ليست ناضجة عموماً للتفاوض حول الجولان.
وشدد فيشمان على أن ما يتبقى بالتالي هو المسار الدولي، وميزته السلبية الكبرى تكمن في أنه ليس مساراً مباشراً، لا مع حزب الله ولا مع حماس. هذا المسار يتم من خلال طرف ثالث. وزير الدفاع ليس مقتنعاً أيضاً بأن الأسرة الدولية ستنجح في إرسال قوة معدلة إلى لبنان. ليس واضحاً كم هو عدد الدول التي ستوافق على إرسال قواتها إلى هناك، وكم هو عدد الدول المستعدة للقتال من بينها.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد