هل تنجح الاحتجاجات الشعبية المغربية في تحجيم السلطات الملكية؟
الجمل: انتقلت عدوى حركة الاحتجاجات السياسية التونسية والمصرية غرباً بحيث وصلت إلى المملكة المغربية: فما هي طبيعة الأوضاع السياسية المغربية؟ وما مدى عمق الاحتجاجات السياسية؟ وما هي احتمالات التصعيدات السياسية المحتملة الحدوث في المملكة المغربية؟
* المسرح السياسي المغربي: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت التقارير الجارية عن حدوث حالة من الاحتجاجات الشعبية في المملكة المغربية، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
• نطاق الاحتجاجات: شهدت العديد من المدن والمناطق المغربية ومن أبرزها: العاصمة الرباط، مراكش، تطوان، الحازمية والعرائش إضافة إلى بعض المناطق الصغيرة الأخرى.
• حجم الاحتجاجات: أشارت التقديرات الأولية إلى تفاوت حجم المشاركين، وكانت التظاهرات الأكبر في العاصمة الرباط حيث شارك حوالي 10 آلاف شخص، أما بالنسبة للمناطق والمدن الأخرى فقد كانت أعداد المشاركين قليلة.
• تنظيم الاحتجاجات: أشارت المعلومات إلى وجود العديد من القوى السياسية المعارضة وخصوصاً الجماعات الإسلامية والجماعات اليسارية، وأضافت المعلومات بأن هناك العديد من الحركات والقوى الكبيرة التي لم تشارك بشكل فاعل حتى الآن منها: حركة 20 فبراير من أجل التغيير والتي بدأت الدعوة في أوساط الشباب للاحتجاجات واجتذبت عبر الفيسبوك 19 ألف شخص مؤيد، ولكنها عشية يوم الاحتجاجات أعلنت إلغاء مشاركتها بسبب خلافاتها مع الإسلاميين واليساريين. هذا وتقول المعلومات بأن القوى التي انضمت للمحتجين تمثلت في: جماعة العدل والإحسان المغربية الإسلامية المحظورة إضافة إلى كبار رموز الحركات السياسية المعارضة مع وجود ملحوظ لنشطاء حركات البربر والأمازيغ إضافة إلى مساندة نقابة الصحفيين المغاربة وجماعات حقوق الإنسان المغربية.
• مطالب الاحتجاجات: ركزت الاحتجاجات على المطالبة بضرورة التأكيد على: إلغاء مبدأ الحكم الملكي المطلق عن طريق تخلي الملك عن بعض سلطاته وصلاحياته التي تمنحه الحق في حل البرلمان وإقالة الحكومة والقول الفصل في تعيين كبار المسؤولين بما في ذلك رئيس الوزراء ورئيس القضاة ورئيس البرلمان، إضافة إلى المطالبة بحل الحكومة الحالية وإقالة رئيس الوزراء الحالي عباس الفاسي مع التأكيد على ضرورة محاربة الفساد والحد من ملكية أفراد العائلة الملكية للشركات الكبرى بنسب كبيرة. هذا وقد لاحظ المراقبون بأن الاحتجاجات لم تتضمن أي شعارات أو هتافات مهينة للملك المغربي أو المطالبة برحيله.
هذا، ولجهة احتمالات التصعيد، فقد أكدت الأطراف المعارضة للاحتجاجات بأنها تنوي تنفيذ الإعتصامات والاحتجاجات على أساس يومي، وبرغم ذلك، فقد عارضت بعض الأطراف الأخرى وفضلت ضرورة إجراء الاعتصامات والاحتجاجات على أساس أسبوعي تفادياً لخسائر الاقتصاد الوطني الباهظة إضافة إلى تقليل المعاناة على المحتجين وخصوصاً الفقراء وذوي الدخل المحدود الذين لا يستطيعون التخلي عن أمورهم المعيشية والتفرغ للاحتجاجات اليومية.
* محفزات الصراع السياسي المغربي-المغربي
تشير المعلومات إلى أن محفزات الصراع السياسي المغربي-المغربي تتضمن العديد من الملفات الشديدة التعقيد وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- الملف السياسي: برغم وجود قد نسبي من الانفتاح السياسي، فقد ظل القوام الدستوري الملكي الدولاتي يمنح العاهل المغربي حقاً مطلقاً لجهة التصرف في كافة شؤون المملكة المغربية إضافة إلى أن العديد من النخب السياسية المغربية أصبحت أكثر اهتماماً بضرورة إما التحول إلى النظام الجمهوري أو الإبقاء على النظام الملكي ولكن ضمن قيود دستورية تعطي السلطة للشعب وللملك مكانة رمزية سيادية، وإضافة لذلك، يوجد رفض واسع لقيام الملك المغربي بفرض الحظر والرقابة الشديدة على الأنشطة السياسية إضافة إلى التدخل والحد من المشاركة السياسية للعديد من الأطراف السياسية.
- الملف الاقتصادي: تعتبر المملكة المغربية الأفضل في منطقة المغرب العربي لجهة مستوى الدخل والإصلاحات الاقتصادية وتحرير الاقتصاد، إضافة إلى المعونات الخارجية التي تصل إلى حوالي 700 مليون دولار في العام، هذا، وبسبب اهتمام دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وكندا بالانفتاح إزاء التعامل مع المغرب، فإن معدل البطالة في المغرب والبالغ 9.1%هو الأفضل بالنسبة لبقية دول المغرب العربي وذلك بسبب سهولة ذهاب العمالة المغربية للعمل في البلدان الغربية، هذا ونفس الشيء ينطبق على مؤشرات الاقتصاد الكلي المغربي السنوية الأخرى، فمعدل التضخم 2% والبطالة 9.1% ومعدل الفقر 15% إضافة إلى تميز الاقتصاد المغربي بالتوزيعات القطاعية الأكثر توازناً مقارنةً بدول المغرب العربي الأخرى، ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
+ إجمالي الناتج المحلي: 194 مليار دولار بمتوسط سنوي للفرد في حدود 5867 دولار.
+ صافي الناتج المحلي: 104 مليار دولار بمتوسط سنوي للفرد في حدود 3162 دولار.
+ معدل النمو الاقتصادي: 4% سنوياً.
+ نسبة الدين العام: 56.9%
+ المساعدات الخارجية: 700 مليون دولار.
+ الاحتياطي النقدي الأجنبي: 23.5 مليار دولار.
إضافة لذلك، تتميز التوزيعات القطاعية الاقتصادية بالآتي:
- تمثل الزراعة 14.7% من الناتج المحلي وتستوعب 44.6% من قوة العمل.
- تمثل الصناعة 38.9% من الناتج المحلي وتستوعب 19.8% من قوة العمل.
- تمثل الخدمات 46.5% من الناتج المحلي وتستوعب 35.5% من قوة العمل.
هذا، ونلاحظ أن حجم مساهمة قطاعات الإنتاج الزراعي والصناعي تمثل مجتمعة حوالي 53.6% من الناتج المحلي وتستوعب 63.4% من إجمالي قوة العمل وهي نسب تعكس قدراً لا بأس به من التوازن مقاربةً باقتصاديات بلدان المغرب العربي الأخرى التي يتجاوز فيها قطاع الخدمات الحد المقبول ويقل فيها قطاع الإنتاج عن الحد المقبول، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع البطالة وانخفاض الدخل وارتفاع الأسعار وندرة السلع.
النقطة المثيرة للاهتمام تتمثل في أن احتجاجات المغرب السياسية تعكس لنا استنتاجاً هاماً للغاية لجهة وضع حركة الاحتجاجات السياسية في إطارها الصحيح، فقد تصاعدت الاحتجاجات في تونس ومصر بسبب الظروف الاقتصادية كعامل رئيسي والظروف السياسية كعامل ثانوي، أما احتجاجات المغرب السياسية فقد تصاعدت بسبب الظروف السياسية كعامل رئيسي والظروف الاقتصادية كعامل ثانوي.
وتأسيساً على ذلك، يمكن التوصل بكل سهولة إلى الحقائق الآتية:
• يطمح المواطن العربي بسياسات داخلية اقتصادية تلبي طموحاته إزاء التنمية وتحسين مستوى الدخل وظروف المعيشة.
• يطمح المواطن العربي في سياسات خارجية تعبر عن طموحاته إزاء قضاياه العربية المصيرية وتؤكد على الحقوق العربية المشروعة.
• يطمح المواطن العربي في سياسات استقلال ذاتي تقضي على كل برامج التعبئة للقوى الأجنبية وعلى وجه الخصوص أمريكا والبلدان الغربية.
• يطمح المواطن العربي في رفض أي محاولات للتطبيع مع العدو الصهيوني-الإسرائيلي.
وتأسيساً على ذلك، فإن حركة الاحتجاجات التي تمت قي تونس ومصر والجارية حالياً في البحرين وليبيا واليمن والجزائر والمغرب ما تزال تطرح الكثير من التساؤلات حول مدى ضرورة ومصداقية عمليات الإصلاح في مجالات السياسة الداخلية والسياسة الخارجية على النحو الذي يلبي طموحات المواطن العربي ويجعله أكثر ثقةً بالنفس وأكثر قدرة على مواجهة تحديات المستقبل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد