هرطقة استجرار الدولة السورية للتكفيريين

19-01-2014

هرطقة استجرار الدولة السورية للتكفيريين

الجمل ـ عمار سليمان علي: على مدى أربعة وثلاثين شهراً, دأب موتورو المعارضة السورية, وبعض عقلائها, إن كان ثمة عقلاء فيها بعد, على الزعم مرة تلو الأخرى, أن الدولة السورية (ممثلة بالنظام الشرعي) هي التي بدأت باستدراج واستجرار التكفيريين الإرهابيين إلى الساحة السورية, وأن لها مصلحة أكيدة في ذلك من أجل تشويه صورة ما يصرّون حتى اللحظة (!) على تسميته "ثورة" رغم كل الموبقات التي ابتليت بها تلك الكينونة المشوّهة... دون أن تفكر أو تحاول أن تستتر!
بدأ ذلك منذ انطلقت المظاهرات السلمية (اقرأ: المسلّحة) في آذار 2011 وفرح بها أولئك الموتورون والعقلاء أيضاً, تماماً كما فرحوا وهللوا لإسقاط جدار الخوف وتحطيمه, رغم الدم الذي رافق ذلك منذ اللحظات الأولى, واستمر الأمر إلى اليوم حيث يستعر الصراع بين التكفيريين أنفسهم لتحطيم جدران وهمية أخرى, تتعلق كل منها بمفهومهم المشوّه والشاذ للدين وللوطن, وبنظراتهم المغلقة للإنسان, ولم يسلم من أذاهم لا موتورو المعارضة ولا عقلاؤها ناهيك طبعاً عن الموالين والصامتين!
قد يغفر المرء للبعض غموض الصورة لديه أو عدم وضوحها في الأشهر الأولى أو في السنة الأولى أو حتى الثانية, أما الآن ونحن على أعتاب نهاية السنة الثالثة, وحيث أصبح كل شيء واضحاً وضوح الشمس, وباتت الاصطفافات "المحاورية" على عينك يا تاجر, فالغفران غير ممكن أبداً, ولا يجوز لأحد أخذ الأمر من زاوية حسن النية مطلقاً!
ألا يرى أولئك جميعاً أنه عندما كانت الدولة السورية الشرعية (رغماً عن أنف جميع الهيئات الشرعية التابعة للنصرة وداعش وأضرابهما) قوية بما يكفي قبل آذار 2011, لم يجرؤ التكفيريون والإرهابيون الموجودون داخل سوريا على رفع رؤوسهم, ولم يجرؤ نظراؤهم الموجودون خارج سوريا على أن يمدّوا نحوها رؤوسهم أبداً, إلا في حالات قليلة جداً جرت مكافحتها من قبل الدولة, وقوبلت ـ يا للمفارقة بل يا للخبث ـ بالاستهزاء من قبل المعارضين وداعميهم الخارجيين الذين اعتبروها مسرحيات هزيلة من إخراج أجهزة الأمن السورية؟!
ألم تكن كل الخلايا النائمة وكل الجماعات التكفيرية قبل آذار 2011 مضبوطة ومقيّدة بفعل الجهود الأمنية الحثيثة, وإن اعتراها أحياناً ما يعتري أي جهاز أمني في العالم, وبفضل جدار الخوف إياه لا غيره؟!
أليس استهداف الدولة السورية ومن ثم إضعافه أو الحد من قوة سيطرته, بداية عبر المظاهرات السلمية (اقرأ: المسلّحة) بحماية ما يُسمّى (الجيش السوري الحر) وتالياً بالأعمال الإرهابية المتصاعدة والمتمددة هو الذي سمح لأولئك التكفيريين الإرهابيين برفع رؤوسهم أو مدها نحو سوريا, ولخلاياهم النائمة بالاستيقاظ, ولداعميهم الخارجيين بضخ المال والسلاح عبر حدود استبيحت وانتُهكت  تباعاً من تركيا إلى لبنان فالأردن وحتى العراق أحياناً؟!
طبعاً مجانين المعارضة (الموتورون والعقلاء) لا يفهمون, والأصح لا يريدون أن يفهموا, أن الدولة السورية ليست مسؤولة ولا يمكن أن تكون مسؤولة عن فتح تلك الحدود على مصراعيها أمام الإرهابيين التكفيريين المسلّحين الذين "انغمسوا" في سوريا, والانغماس مصطلح مقصود هنا لدلالته الكبيرة لدى أولئك الشواذ فكرياً ودينياً وإنسانياً!
ليس في الأمر تعقيد ولا يحتاج لمعادلات رياضية أو فلسفية صعبة لحل شيفرته الأبسط من بسيطة: الإرهاب يستجرّ الإرهاب, ولو لم تكن إرهاصاتهم "الثورية" الأولى معجونة في الأساس بحليب الإرهاب, منذ بيانات الحليب المشبوهة وجمعة (الجيش الحر يحميني) لما استطاع أخطبوط الإرهاب أن ينشر أذرعته العديدة بهذه السرعة وبهذا العمق داخل الأراضي السورية, وصولاً إلى قطع الرؤوس وأكل الأكباد وما هو أفظع وأعظم و"أدعش"!
النتيجة الأولى التي يخرج بها المرء بدون الحاجة لمجهود فكري خارق هي أن (1) المظاهرات الأولى (المأجورة وغير المأجورة, العفوية والمفتعلة) و(2) نواة الجيش الحر وألويته وكتائبه التي تكاثرت بعد ذلك تكاثراً بترودولارياً بفعل الضخ المالي بالدرجة الأولى, والإمداد الفكري الوهابي بالدرجة الثانية, هما من استدرج الإرهاب واستجرّه إلى سوريا, وهما مسؤولان وحدهما عن تغذية الروح الإرهابية وتنمية الولع بالعنف وبما وراء العنف لدى شرائح من الشعب السوري لم يُستثنَ منها حتى الأطفال الصغار للأسف الشديد.
أما النتيجة الثانية الأوضح من الواضحة فهي أن جدار الخوف الذي أسقطته المعارضة هو الذي كان يمنع جحافل التكفيريين والإرهابيين من التحرك والتمدد, ويصون الأرض من التفجيرات الانتحارية والإرهابية, ويحمي السماء من قذائف الموت وهاوناته. وعلى الرغم من السلبيات العديدة التي ترافق جدران الخوف عادة, كالتضييق على الحريات, فإن السوريين اليوم يترحمّون من قلوبهم الجريحة على الحرية الجزئية التي كانوا ينعمون بها مع وجود جدار الخوف إياه, ويرونها أهم وأفضل ألف مرة من الحريات (؟) الشوهاء المعروضة عليهم اليوم, لأن لذلك الجدار ولأيامه التليدة ميزة إيجابية هامة باتوا يفتقدونها كثيراً ويفتقرون إليها ويذكرون أيامها بالخير والحنين: الأمن والسلام والاطمئنان!
ثلاث كلمات تؤدي معنى واحداً: الجيش العربي السوري...
فليرتفع مجدّداً جدار الخوف, ولتكفّوا عن الهرطقة يا هواة الهرطقة!
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...