نعمى عمران: التحول هو مزج الأوبرالي بالشرقي معاً

23-10-2010

نعمى عمران: التحول هو مزج الأوبرالي بالشرقي معاً

مع أنها درست الغناء الأوبرالي بصورة أكاديمية، فاجأت المغنية السورية نعمى عمران جمهور دمشق بأمسية غناء شرقي، من الطراز الحلبي العتيق، حتى بدا كأنها تتقصد أن تدخل عالم الطرب من أشهر أبوابه، باب حلب، حين اختارت أن ترافقها فرقة موسيقية حلبية تقليدية، وأن تغني تحت عنوان «الحب والطرب على مقامات حلب»، وتستعيد موشحات بعضها يعود إلى القرن الخامس عشر، كما تغني ألحان الحلبي بكري كردي، وسوى ذلك من قصائد وألحان مجهولة وصعبة. فهل حسمت عمران أمرها مع ذلك الغناء الصعب والعسير الفهم في بلادنا؟
إلى الغناء الشرقي
ـ هل يعني تحولك من تخصصك في الغناء الأوبرالي إلى الغناء الشرقي أن لا حياة للغناء الأوبرالي في بلادنا؟
[ الحقيقة هي تحولي في التفكير وليس في التخصص، لأنني عندما قمت بدراسة فن غناء الأوبرا كنت واعية وراغبة في هذا العالم، ولم أفكر بالخروج منه يوماً. لكن الرغبة تشعل نار الرغبة الأعمق، وتبحث عنها فيشعر كل من النفْس والنفَس والصوت بلذة غامضة ومجهول غامض، وتلتذ بالبحث عنه وبفكرة معرفته. البحث يجعلك متصلاً بالمجهول الذي كان، والذي سيكون. ثم يصبح البحث هو الرغبة الداخلية الأعمق. صوت رغبتي العميق هو البحث عن صور غنائية لا ألامسها إلا بالصوت، وأعتقد أنها تنتقل عبره وعبر الغناء إلى أذن ووعي المستمع. هذا ما أوصلني إلى حضرة الغناء الشرقي. هو ليس انتقالاً بل استسلام لرائحة الصوت، الصور التي تضيء هنالك. لمجهول الصوت والصورة الممتزجين هنالك.
ـ وهل يعتبر هذا التحول نهائياً، أم بالإمكان أن يقف المغني هنا وهناك؟
[ التحول الحقيقي لدي هو مزج النوعين الأوبرالي والشرقي بالصوت نفسه، في جسد الصوت. وليس الانتقال من الأوبرا إلى الشرقي، أو الإياب من إلى.. هو جسد الصوت يتعرف الى بعض جسده.
لا أرى أن هنالك شرقية وغربية في الصوت البشري مثلما كان في برلين أو...! الحرية والمخيلة تزيل وهم الجدار الفاصل وتلاقي الصوت بنفسه باستمراريته، في وحدة ما هو موسيقى، تراث، أوبرا، أو طقس ديني أو غير ديني أو سواها.
فيوليتا السورية
ـ قدمت حفلتك في دار الأوبرا السورية مع فرقة «أورنينا» الحلبية، بأغان ينتمي بعضها إلى تراث مدينة حلب. هل هي محاولة جديدة لإعادة أسطورة حلب في الغناء وفي الاستماع؟ هل ما زالت تلك المدينة تستحق اليوم هذه المكانة؟
[ حلب كانت وما زالت أسطورة في الغناء والاستماع، ومروري منها على يد سمّيعة حلب الكبار أعاد لي، في مكانٍ مني، أذني وتوازني الموسيقي في كنف المقامات.
لقد عملت مع واحد من أعمدة حلب الأستاذ محمد قدري دلال، واستمتعت في تلمس اللفظ المرتكز على التجويد، وبرنين الصوت يأتي من الحرف العربي، حيث النطق معنى، والمعنى موسيقى تدركهما وتختارهما.
في بنية الغناء الشرقي مساحات مدهشة تسأل المغني أن يبوح بما لديه ويجهر بفتواه. فالآهات والإعادات ليست إلا تعدداً لمرايا المغني تخرج الصوت والمعنى من أحاديثه، هنا تسعفك عضلات الأوبرا الدرامية للذهاب في الشرق إلى حيث لم تكن لتستطيع لولاها.
لا أنسى أيضاً أن في دخولاتي مفازة الارتجالات كنت غالباً ما ألتقي بنوتات المخزون السرياني البحت شرقي، الذي هو نحن، فأستند إلبها، هذا أيضاً بدء غواية الغناء الشرقي.
ـ إلى أي حد ترين في التمثيل، وأنت وقفت كمغنية وممثلة في بعض الأعمال المسرحية والغنائية، جزءاً أساسياً من تكوين مغني الأوبرا اليوم؟
[ إن فن التمثيل يصقل شخصية الصوت بكافة اتجاهاته، فكل شخصية تسألك البحث عن روح صوتها في صوتك، وقد ترجوك أن تحررها من النمط، النمط الصوتي بالطبع.
المواجهة بدأت عندما أديت فيوليتا في «الترافياتا» لفيردي على خشبة المسرح الوطني في مدينة برنو في جمهورية التشيك، وهو دور يحتاج إلى قدرات عالية في الغناء والتمثيل لإقناع نفسك والجمهور. وقد سبق وقدم آلاف المرات من قبل مغنيات بارعات.
لن أنكر ما حييت تلك السعادة عندما رحب النقاد بنكهة ثقافة وحضارة أخرى داخل صوت فيوليتا «السورية». لقد أدركت متعة الصعوبة وصعوبة المتعة. إن تحرير الشخصية، وشخصية الصوت من النمط هو أن تتحرر أنت من النمط.
كان عليّ البحث أكثر وعدم الاكتفاء باستخدام تقنيات جاهزة يتعلمها مغني الأوبرا في الغناء والتمثيل. كنت أبحث عن أصل اللفظ المرتبط بالحركة والوعي الأوليّ فدخلت مفازة الارتجالات محاولة معرفة نفسي. أبصرت ما لم أعلم، ما تخلقه اللحظة ورحت أثبته لاحقاً. إنه التأليف الغنائي أو المغني المؤلف، كما ثبِّتَ في كافة عقودي على مسارح أوروبا.
هكذا فعلت في مسرحية «أدونيس ـ الحلاج»، ثم تطور في مسرحية «جلجامش»، حيث قدتُ الممثلين باتجاه تحرير الخيال الصوتي.
لصوتي إرادة خاصة
ـ لنتحدث عن تجربتك الأكثر خصوصية بين الغناء والتمثيل على الخشبة؟
[ الوورك شوب في مسرح الشمس مع أريان منوشكين، والعمل مع كاترين شوب، وقبلها مع أمل عمران، وقبلهم مع المخرج الهولندي يان سيمونز في «الباخيات» حررني وصقلني في آن واحد، حرر جسدي ومخيلتي فحرر صوتي، وصوتي حرر جسدي. بالقدر الذي أنا هو الآن.
لكن تجربتي الأكثر خصوصية في التمثيل والغناء المعاصرين جاءت مع المصصم والراقص الفرنسي برناردو مونتييه في «الزواحف اختفت»، والذي قدمناه في مسرح المدينة ـ باريس.
يبدأ العرض من العتمة والصوت، صوت الماغما (الصوت الداخلي للأرض)، ومن ثم يظهرني الضوء على الخشبة مصغية للماغما باحثة عن صوتي في صوتها. كان علي أن أكمل، رأيت صوراً لم أعرفها من قبل، فعثر صوتي على الماغما الداخلية المختبئة داخله، ربما منذ ملايين السنين. واخترع أشكالأ غنائية غريبة، تتآلف والمعاصرة.
ولن أخفيك أن ثمة محطة هي الأندر في حياتي، هي دعوتي كأول امرأة مغنية من العالم لإحياء طقس الزن المقدس في معبد دايتوكوجي ـ كيوتو ـ اليابان، حيث أنشدت أو صليت الرقيم الأوغاريتي «نشيد الالهة نيكال لزوجها إله القمر والخصوبة» بقيادة ستومو ياماشتا الشهير.
أنا أعمل على أن تكون لصوتي ذاكرة خاصة قريبة من حقيقته التاريخية ومتصلة مع المستقبل، لهذا أعمل على الموسيقى والغناء المعاصرين كما أراهما من داخلي.
هذا هو مشروعي منذ دخلت المعهد العالي للموسيقى. إنه البحث الدائم وعدم السكون في شكل محدد من الغناء. لأنني أرغب، ولأن صوتي يرغب فهو متبدل وطامح لأشكال وصور لانهائية. مشروعي هو الابتعاد التام عن كل ما يحول صوتي إلى موظف. أنا أتعامل مع صوتي بحريّة تامة. لقد أصبحت لديه إرادة خاصة به. صار يتحكم بي فهو لا يتوانى عن رفض أي مشاريع لا تناسبه إذ تفتقد الحريّة.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...