نجاد يكسب الجولة الأولى
مع تصاعد حدة الأزمة النووية بين إيران والغرب .. بدأت حرب المناورات بين طهران وواشنطن لحشد التأييد لوجهة نظر كل منهما تجاه الأزمة، وكانت الرسالة التي بعث الرئيس الإيرانى محمود أحمد نجاد لنظيره الأمريكى جورج بوش في الثامن من مايو ، قنبلة من العيار الثقيل رماها الرئيس الإيرانى في ملعب واشنطن ، خاصة وأن تلك الرسالة تعتبر الأولى من نوعها من رئيس إيراني إلى نظيره الأمريكي ، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إثر قيام الثورة الإسلامية فى عام 1979 .
ورغم أنه لم يتم الكشف عن مضمون الرسالة ، إلا أن تقارير صحفية ذكرت أن نجاد تساءل في رسالته حول السبب وراء تصوير الانجازات العلمية أو التقنية في الشرق الأوسط دائما وكأنها تهديد لإسرائيل ، ودافع الرئيس الإيراني عن إجراء الأبحاث العلمية كحق من الحقوق الأساسية للشعوب ، وقال إن الإفعال الأمريكية في الخارج "أراقت دماء أبرياء"، وتساءل عما إذا كان بوش يعتقد أن بإمكانه الاستمرار في سياساته.
كما أعرب أحمدي نجاد في رسالته وفقا لتلك التقارير عن اعتقاده بأن الديمقراطية والليبرالية الغربية "قد فشلت". وفي تعليقه على تلك الرسالة ، قال الناطق باسم الحكومة الإيرانية غلام حسين الهام إن خطاب نجاد إلى بوش أرسل من خلال سفارة سويسرا في طهران، التى ترعى المصالح الأمريكية في إيران ، وإن نجاد اقترح في خطابه حلولا لتسوية "الأزمات الدولية".
ومن جانبه ، أعلن البيت الأبيض الأمريكى في التاسع من مايو أنه تلقى رسالة مفاجئة من الرئيس الإيراني لنظيره الأمريكي ، إلا أنه أشار إلى أن ذلك لن يحل الأزمة النووية التي تشكل مصدرا للنزاع بين إيران والمجتمع الدولي ، واصفا الرسالة المؤلفة من 18 ورقة بأنها غير مترابطة. وأضاف البيت الأبيض في بيان له أن الرسالة أخفقت في تهدئة مخاوف المجتمع الدولي تجاه برنامج إيران النووي، كما أخفقت كذلك في تهدئة المخاوف الأمريكية تجاه سجل حقوق الإنسان في إيران أو دعمها المزعوم للجماعات الإسلامية.
كما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أن هذه الرسالة لن تحل المشكلة، وأنها لا تقدم أي فرصة دبلوماسية للحوار بين البلدين بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقالت إن الرسالة تعرض رؤية تاريخية وفلسفية واسعة للتصريحات الأخيرة التي صدرت في إيران حول حق امتلاك برنامج نووي ولكنها لم تقدم تنازلات ولم ترد على المشاكل القائمة بين إيران والأسرة الدولية.وأكدت رايس أن الولايات المتحدة لن تغير من طريقة تعاملها مع إيران بسبب الخطاب وهو الأول بين زعيمي إيران والولايات المتحدة منذ 27 عاما.
يري مراقبون أن الرسالة جاءت بهدف تفويت الفرصة على واشنطن لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولى يدين إيران ولذلك أرسلها نجاد قبل ساعات قليلة من بدء اجتماع وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في نيويورك في الثامن من مايو بهدف وضع إستراتيجية مشتركة تضغط على إيران وتجبرها على تعليق برنامجها لتخصيب اليورانيوم.
وأوضح المراقبون أن تلك الرسالة أظهرت حرص إيران على حل سلمى للأزمة ورمت الكرة في ملعب واشنطن وزادت من الخلافات بين أعضاء مجلس الأمن حول مشروع قرار تقدمت به واشنطن وبريطانيا وفرنسا يطلب من ايران التوقف عن تخصيب اليورانيوم ويهدد طهران باتخاذ إجراءات ضدها في حال عدم استجابتها استنادا إلى الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة الذي يسمح بفرض عقوبات اقتصادية وحتى بتدخل عسكري.
وأضاف المراقبون أن هدف إيران من تلك الرسالة قد تحقق سريعا بعد فشل اجتماع نيويورك إلى التوصل إلى صيغة لقرار من مجلس الأمن بشأن البرنامج النووي الإيراني ، حيث أعرب المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة وانج غوانغيا عن قلق بلاده من أن القرار المقترح لكبح جماح طموحات إيران قد يؤدي إلى انزلاق العالم نحو الحرب ، ودعا فرنسا وبريطانيا باعتبارهما راعيتي القرار إلى التخلي عن الإشارة إلى احتمالات فرض عقوبات على طهران حتى يتمكن مجلس الأمن من اعتماده.
وأشار المراقبون إلى أن فشل اجتماع الثامن من مايو في نيويورك لم يكن الأول من نوعه ، حيث فشل مندوبو الدول الأعضاء في مجلس الأمن خلال اجتماعهم في السادس من مايو في نيويورك فى التوصل إلى اتفاق على أبرز نقاط الخلاف حول الموضوع الإيراني ، ما يؤكد المأزق الذى تواجهه واشنطن في حشد التأييد لمشروع قرار يدين إيران ، لأنه يفترض أن يحصل القرار على تسعة أصوات من 15 ليتم إقراره في مجلس الأمن، شرط ألا تعترض عليه الدول الخمس دائمة العضوية التى تملك حق الفيتو ، وهو مالم يتحقق حتى الآن لمعارضة روسيا والصين لمشروع القرار في صيغته الحالية.
وطرح المراقبون ثلاثة سيناريوهات لتطورات الأزمة بين إيران والغرب ، منها أن تقع ضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية وهو السيناريو الأخطر لأنه سينتج عنه تداعيات عسكرية وأمنية واقتصادية تصيب إيران ومنطقة الخليج ومناطق أخرى في العالم ، كما أنه سيؤدي إلى عزلة إيران وتحولها نحو مزيد من الراديكالية والعنف والثورية, بالإضافة إلى أن برنامج إيران النووي سيتحول في حينها نحو السرية التامة، مما سيسرع في توجهات إيران لامتلاك القنبلة النووية, كما أن ضربة عسكرية ضد إيران ستنعكس في العراق من خلال التوتر والفوضى والعنف, إذ ستسعى إيران للرد على الولايات المتحدة من خلال العراق ومواقع أخرى تمتلك فيها النفوذ, وبطبيعة الحال سيؤدي ذلك الوضع إلى ارتفاع أسعار النفط بما يتجاوز المائة وعشرين دولاراً للبرميل الواحد ، ما يهدد اقتصاديات الغرب .
وهناك سيناريوهات أخرى تعتبر أفضل من السيناريو العسكري, ومن هذه الاحتمالات الاستمرار في التصعيد الكلامي والسعي للقرارات الدولية دون اللجوء إلى أي عمل عسكري, وقد يستمر هذا التراشق الكلامي حتى موعد الانتخابات الأمريكية والإيرانية المقبلة بعد ثلاثة أعوام ، أما بالنسبة للسيناريو الثالث فهو يعتمد على إمكانية أن تقع سلسلة من التراجعات الإيرانية والأمريكية التي تمهد لحلول سياسية وسطية بين الطرفين, تقوم على دور فعال للرقابة الدولية وتجميد للبرامج الإيرانية النووية لمدة معينة مقابل حوافز اقتصادية وتكنولوجية.
بدأت الأزمة مع بدء العمل في أول مفاعل إيراني في بوشهر فى سبتمبر 2002 ومع نشر صور التقطت بالأقمار الصناعية لموقعين يشتبه فى تطويرهما أسلحة نووية فى مدينتى آراك وناتانز، ما دفع الاتحاد الأوروبى للتحرك وأخذ زمام المبادرة لحل الأزمة سلميا وتجنب اندلاع حرب جديدة في المنطقة ، وتم في نوفمبر 2003 توقيع اتفاق بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران وافقت طهران بموجبه على تجميد عمليات تخصيب اليورانيوم وعلى عمليات تفتيش أشد على منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وجمدت إيران بالفعل عمليات التخصيب وفقا لاتفاق باريس الذى وقع في أكتوبر 2004 بين إيران والترويكا الأوروبية والذى التزمت طهران بمقتضاه بتعليق التخصيب فى انتظار مقترحات أوروبية تشجيعية ، إلا أنه فى عام 2005 تصاعدت الأزمة بين إيران والغرب بشكل خطير يخشى المراقبون أن يؤدى فى النهاية إلى فرض عقوبات دولية على طهران خاصة وأن إيران يحكمها الآن المحافظون المتشددون، كما أن أمريكا تبحث عن أى خطر جديد وإن كان واهيا لحشد الرأى العام فى الولايات المتحدة حول سياسات إدارة بوش بعد أن غرقت فى المستنقع العراقى.
وتصاعدت الخلافات بشدة بين إيران والغرب مع استئناف طهران فى الثامن من أغسطس 2005 دورة تحويل الوقود النووى فى منشأة أصفهان بعد أن علقت فى نوفمبر 2004 . وجاء هذا القرار بعد أن وصفت إيران التشجيعات الاقتصادية والتجارية،التى قدمتها أوروبا فى الخامس من أغسطس 2005 والتى تتضمن السماح لها بتطوير منشآت نووية لأغراض مدنية،وضمان حصولها على مصادر بديلة للوقود النووى من أوروبا وروسيا، بأنها غير ذات شأن،مؤكدة أنها استأنفت تحويل الوقود النووى وليس تخصيب اليورانيوم،الذى يمكن استخدامه فى صناعة قنبلة نووية.
ولم تكتف إيران بهذه الخطوة بل أرفقتها بخطوة أخرى أثارت غضب الغرب وهى قيام الرئيس أحمدى نجاد بتعيين علي لارجاني،مدير هيئة الإذاعة والتلفزيون سابقا،مسئولا عن الملف النووى في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ليخرج الملف من يد حسن روحاني الذي طالما نظر إليه الأوروبيون على أنه معتدل والذى قاد المفاوضات منذ 2003، ليصبح فى يد لارجانى المعروف بقربه من مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي وبتشدده فى الملف النووى .
ورغم الجهود التى بذلتها ما أطلق عليها ترويكا الاتحاد الأوروبى المؤلفة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وحكومة الرئيس الإيرانى الاصلاحى المنتهية ولايته محمد خاتمى لنزع فتيل الأزمة التى تصاعدت حول البرنامج النووى الإيرانى، وصل الجانبان مع تولى المحافظ محمود أحمدى نجاد مقاليد السلطة فى إيران فى بداية شهر أغسطس إلى مرحلة الصدام والاتهامات المتبادلة ، وفي اجتماعها السنوى في فيينا ، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 24 سبتمبر 2005 قرارا يهدد بإحالة ملف إيران لمجلس الأمن الدولى .
وفي 9 يناير 2006 أعلنت إيران عن استئناف أبحاثها حول الوقود النووى وإزالة الأختام التى وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مراكز البحث النووية فى مدينة ناتانز قبل عامين ، رغم دعوة المجتمع الدولى لها بالامتناع عن ذلك ، الأمر الذى دفع ترويكا الاتحاد الأوروبى للمطالبة بعقد اجتماع طارىء للوكالة الدولية للطاقة الذرية في 2 فبراير لبحث إحالة ملف إيران لمجلس الأمن رغم أنه كان مقررا أن يبحث مجلس الأمن ملف إيران في مارس 2006 ، وفى 4 فبراير قررت الوكالة الدولية إحالة ملف إيران لمجلس الأمن ، وفى 8 مارس تم نقل الملف بالفعل إلى مجلس الأمن ، ومنح مجلس الأمن إيران في التاسع والعشرين من مارس الماضى مهلة 30 يوما للتخلي عن أبحاثها النووية، قد تفضي بعد انقضائها إلى احتمال تعرضها لعقوبات دولية.
وفي الثانى من إبريل ، أعلنت إيران أنها أجرت تجربة ناجحة لاختبار أسرع صاروخ تحت الماء في العالم كما أنها أجرت تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ باليستي قادر على مراوغة أجهزة الرادار ويمكنه إصابة عدة أهداف في آن واحد باستخدام رؤوس حربية متعددة وذلك خلال مناورات حربية بدأت في الرابع والعشرين من مارس الماضى في الخليج العربي وبحر العرب، واستمرت أسبوعا وشارك فيها 17 ألف من القوات البرية والبحرية والجوية الإيرانية .وسارعت واشنطن إلى انتقاد التجارب الصاروخية الإيرانية وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية آدم إيرلي :"التجربة برهان على امتلاك إيران لبرنامج عسكري فعال للغاية وعدواني .. أعتقد أن الوضع العسكري الإيراني وجهود التطوير العسكرية تشكل قلقا للمجتمع الدولي".
كما أعربت إسرائيل على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية، مارك ريغيف عن قلقها البالغ من التجربة وقال :" هذه أنباء مقلقة للغاية، وقلقنا تشاطره العديد من دول المجتمع الدولي حول برنامج إيران النووي العدواني وجهودها الموازية لتطوير صواريخ باليستية وعابرة للقارات".وفي مفاجأة من العيار الثقيل ، كشف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في تصريح له نشرته وسائل الاعلام الإيرانية في الحادي عشر من إبريل أن بلاده ستنضم قريبا لنادي الدول التى تمتلك تكنولوجيا نووية ، بعد أن تمكنت من استكمال دورة الوقود النووي في التاسع من إبريل.
ونجحت فى تخصيب اليورانيوم بنسبة 5و3 بالمائة ، موضحا أن بلاده أصبحت ثامن دولة في العالم تمتلك اليورانيوم منخفض المستوى ، الأمر الذي أصاب واشنطن بالذعر.
وبعد الإعلان عن تلك المفاجأة ، تسلم أعضاء مجلس الأمن في الثامن والعشرين من إبريل تقريرا من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، خلص إلى أنّ إيران لم تتجاوب مع مطالب مجلس الأمن بتعليق تخصيب اليورانيوم ، وقال التقرير إن الوكالة لا يمكنها استبعاد فرضية قيام إيران بأي نشاط غير قانوني ، وأضاف أن الوكالة لم تعثر على دليل على "عمليات تحويل لمواد نووية."، إلا أنه أوضح أنه مازالت هناك أسئلة عالقة بشأن بعض أجزاء البرنامج النووي الإيراني وأنّ طهران لم تقدّم وثيقة طلبها المفتشون تتعلق بأجزاء يمكن أن تشملها عملية تصنيع قنبلة ، وسارعت واشنطن فور نشر هذا التقرير إلى إعداد مشروع قرار يهدد بفرض عقوبات ضد إيران استنادا للفصل السابع من الميثاق .
جهان مصطفى
المصدر : المحيط
إضافة تعليق جديد