ميقاتي يباشر رحلة التأليف فوق ألغام واشنطن والحريري وفيلتمان يستأنف التحريض
وفي اليوم الثاني لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الجديدة، هدأ «الغضب الأسود المنظم»، وعادت الامور الى طبيعتها، ولم يسجل ما يعكـِّر صفو الامن في الاماكن التي كانت مسرحا للاعمال الاحتجاجية التي رافقت استشارات التكليف، وانتقل انصار الرئيس سعد الحريري الى احتجاج تحت خيمة في ساحة التل في طرابلس وتجمع يومي متواضع قرب ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري في وسط بيروت.
وبينما كان الرئيس المكلف ينهي الجزء البروتوكولي المتمثل بالجولة التقليدية على رؤساء الحكومات السابقين، تمهيدا للانتقال، اعتبارا من اليوم، الى مرحلة التأليف عبر الاستشارات التي سيجريها مع الكتل النيابية، لوحظ أن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تجاهل بعض لياقات نادي رؤساء الحكومات السابقين، بعد دخوله المبكر اليه، بتعمده جعل اللقاء الأول، بينه وبين ميقاتي باردا ومتجهما وقصيرا بحيث لم يتجاوز الدقائق الثلاث، متجنبا الخوض في أية موضوعات سياسية، فيما كان يوعز لاعلامه ونوابه وتياره بالمضي في الحملة الإعلامية والسياسية واصفا تكليف ميقاتي بأنه «انقلاب سياسي» كما نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.
وعبر الحريري عن «شعور عميق بالخيانة»، ملقيا باللائمة على «حلفاء سابقين» كانوا السبب «في انقلاب الاوضاع». ونقلت عنه الصحيفة الأميركية قوله «ان من قتل رفيق الحريري لا يريد لسعد الحريري أن يكون في السلطة»!
يأتي ذلك في موازاة استمرار التباكي اليومي الأميركي على سقوط حكومة سعد الحريري، وفي الوقت نفسه، ممارسة التحريض المستمر ضد «حزب الله» والتهويل على الرئيس المكلف من زاوية هيمنة الحزب على الحكومة وبرنامجها. ولوحظ أن زيارة مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان الى باريس، تجاوزت بعدها الفرنسي عبر استدعاء عدد من الشخصيات اللبنانية من فريق 14 آذار لتقديم جرعة «معنويات ووصفات».
وفي الوقت نفسه، كانت السفيرة الأميركية في بيروت مورا كونيللي تواصل تحريضها عبر عدد من المستشارين، من أجل عدم إيقاف فريق 14 آذار، حركة احتجاجه السلمية في الشارع، ناصحة بالابتعاد عن بعض المظاهر النافرة التي أساءت الى صورة «ثورة الأرز» عالميا.
وعلى الخط نفسه، كانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، تعلن في مؤتمر صحافي مشترك من واشنطن، مع نظيرها الأردني ناصر جودة انه يعود للبنانيين وليس لسواهم ان يقرروا مصير بلادهم، معربة عن «الأمل بأن يقوم الشعب اللبناني نفسه وليس قوى خارجية بدعم استقلال لبنان وسيادته». وأكدت دعمها للنداء الذي وجهه الاردن من اجل «الحفاظ على وحدة لبنان وأمنه واستقراره».
ورأى مستشار مجلس الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس السابق جورج بوش، اليوت أبرامز، المعروف بميوله الاسرائيلية، ان «سياسة «الانخراط» التي تنتهجها واشنطن مع سوريا، تعكس «الانخفاض المستمر للنفوذ الاميركي في المنطقة»، معتبرا ان خطوة ارسال الولايات المتحدة سفيرها إلى دمشق رغم عدم ترحيب مجلس الشيوخ الاميركي بالامر، اظهرت للسوريين ولـ«حزب الله» أن الإدارة الاميركية لم تتعلم من الاهانات والرفض الذي تلقته من دمشق خلال العامين الماضيين».
وفي ما يشبه التحريض، كتب أبرامز عن مستقبل فريق 14 آذار قائلا «هل سيطلب المسيحيون والسّنة من إدارة الرئيس باراك أوباما والحكومة الفرنسية وجامعة الدول العربية رفض استقبال نجيب ميقاتي والعمل ضد وصوله الى رئاسة الوزراء؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة القول بصريح العبارة انها لا يمكن ان تتعامل مع حكومة حزب الله كشريك؟». وختم ابرامز بالقول «ان السؤال الابرز يعني مصير 14 آذار وما اذا كانوا سيثبتون في مواقعهم وما اذا كنا على استعداد لدعمهم».
فيلتمان يلتقي شخصيات لبنانية!
فقد التقى فيلتمان الذي يزور باريس لأربع وعشرين ساعة، وعلى جدول أعماله، لبنان وتونس برئيس قسم شمال افريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية باتريس باولي، وبمستشار الرئاسة الفرنسية للشرق الأوسط نيكولا غاليه.
ويستبق فيلتمان تشكيل الحكومة اللبنانية بمشاورات مع الخارجية الفرنسية، والاليزيه، واستطلاع احتمالات الحد من الخسائر التي ستنجم عن صعود «حزب الله» إلى موقع القرار الحكومي، وهو استنتاج يفرض نفسه فى ضوء موقف الخارجية الأميركية من التطورات اللبنانية، والرسالة التي يحملها فيلتمان إلى باريس، والتي ينظر إليها من واشنطن بأنها قد تكون ذهبت بعيدا، في هذه المرحلة في التعاطي بواقعية مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وإخراج سعد الحريري، من رئاسة الوزراء.
وبحسب مصادر في باريس كان الأليزيه قد بدأ بقبول فكرة خروج الحريري من رئاسة الوزارة، فور انهيار المسعى السعودي السوري، وبعد مقابلة أجراها في صحيفة عربية («الحياة»)، نفض فيها يده من كل التعهدات، التي كان قد جرى التفاوض معه عليها. وقالت المصادر إن الأليزيه يعتبر ميقاتي «مرشح تسوية مقبولا، خصوصا انه يحظى بدعم سعودي. كما يتمتع بشبكة علاقات عربية وفرنسية ودولية، دفعت بقوة لاختياره كمرشح تسوية».
وقالت مصادر في العاصمة الفرنسية، إن فيلتمان عرض وجهة نظر واشنطن التي تعتبر ان تكليف ميقاتي، جرى تحت الضغط والابتزاز، وإنه يجدر في هذه المرحلة العمل على الحد من الخسائر، والحصول على تعهدات من ميقاتي ألا تقوم حكومته بعمليات تطهير تشمل مقربين من الحريري، او تعطيل المؤسسات.
وعرض فيلتمان وجهة نظر بلاده، ودعوتها فرنسا إلى المساعدة على منع سوريا من استغلال الأوضاع في لبنان، وأن سيطرة «حزب الله» على الحكومة سيكون لها أثرها على علاقات لبنان بالولايات المتحدة.
ويتقاطع الموقف الأميركي مع مخاوف في الخارجية الفرنسية من إقدام حكومة ميقاتي على إلغاء اتفاقية التعاون مع المحكمة الدولية.
وقالت المصادر إن زيارة فيلتمان تتضمن «لقاء شخصيات لبنانية صديقة من 14 آذار»، طلبت لقاءه في باريس، لكن لم يكن ممكنا معرفة اسماء هذه الشخصيات، لكن من المعروف أن النائب مروان حمادة والوزير الياس المر قد وصلا، أمس الأول، إلى باريس.
- وفي نيويورك خرجت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس عن صمتها بشأن الموقف في لبنان ووجهت انتقادات الى «حزب الله» وسوريا زاعمة أنهما استخدما «التخويف والضغوط والتهديد باستخدام العنف» لضمان تولي ميقاتي منصب رئيس الوزراء. وتجاهلت المندوبة الأميركية، كما مجلس الأمن والأمانة العامة للامم المتحدة، الإشارة الى الاعتداءات التي شنها مناصرو الحريري في طرابلس وعدة مناطق في بيروت.
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت بلادها مستعدة للتعامل مع ميقاتي، قالت رايس «نحن بالطبع نتابع عن كثب الأحداث في لبنان، والأمر الآن يعود للبنانيين لكي يحددوا كيفية تشكيل حكومتهم». وأشارت إلى أن «أي حكومة ممثلة بحق لكل المصالح والاهتمامات في لبنان ستكون حكومة ملتزمة بإنهاء فترة التهرب من العقوبة لجرائم وملتزمة بالعدل وتؤمن أن هذا هو حق ورغبة شعب لبنان»، وكررت رايس ما قالت إنه الدعوة «لكل الأطراف لاحترام استقلال وسيادة لبنان والتوقف عن التدخل غير المناسب في شؤونه الداخلية».
ميقاتي.. وسيناريوهات التأليف
محليا، باشر رئيس الحكومة المكلف سلسلة مشاورات بعيدة عن الأضواء، مع عدد من أركان الكتل الذين منحوه ثقتهم، ومع «اصدقاء مشتركين» ضمن فريق 14 آذار، من أجل محاولة استشراف مطالب الكتل حيث وضع أكثر من سيناريو للتأليف، الأول، يقول بوجوب تشكيل حكومة سياسية انقاذية تضم جميع القوى من دون استثناء لأحد، الثاني، تشكيل حكومة سياسية ـ تكنوقراطية، في حال تعذر الاحتمال الأول، بحيث تلبي مطالب الكتل التي ستشارك من جهة، وتوفر لرئيس الحكومة المكلف في آن معا، الامساك بعدد من الملفات الحيوية اقتصاديا وماليا واجتماعيا وخدماتيا.
أما الاحتمال الثالث، فيقود الى تشكيل حكومة تكنوقراط، تشارك الكتل في اختيار ممثليها فيها، ولكن شرط قيام فريق عمل حكومي موحد ومتناغم، يحدث صدمة ايجابية لدى الرأي العام اللبناني والعالمي.
ونقل زوار ميقاتي ليل أمس عنه أن كل حريص على استقرار لبنان وسلمه الأهلي وعيشه المشترك يجب أن يضع يده بيده، لأنه اختار تحمل المسؤولية في لحظة تاريخية ومفصلية شعر فيها بحجم المخاطر والتحديات المحدقة بالبلد، ولذلك، فإن اهتمامه سيتركز، بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، على ايجاد تركيبة حكومية تكون في مستوى الآمال، داعيا اللبنانيين الى عدم انتظار وعود كثيرة منه بل أن يراهنوا على الأفعال، مؤكدا أن مهمته ليست بالسهلة ولكنها لن تكون مستحيلة، رافضا تحديد سقف زمني للتأليف.
ونفى ميقاتي، الذي يجري أنصاره تحضيرات لإقامة مهرجان حاشد في طرابلس قريبا، علمه ان يكون «حزب الله» بصدد عدم المشاركة في الحكومة وقال «لم أسمع شيئا من هذا القبيل». وأكد لقناة «او تي في» انه يرغب بتشكيل حكومة على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، متجنبا الرد بشكل واضح عما اذا كان يؤيد اعطاء الثلث الضامن لفريق الرئيس الحريري إن قرر المشاركة، ووضع شعارا لحكومته «كلنا للوطن.. كلنا للعمل».
وعما اذا كانت الحكومة ستعمد الى إقالة المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، اعلن ميقاتي انه يرفض الكيدية، بل هو مع سياسة العقاب والثواب، وقال: الحساب شيء والكيدية شيء آخر، ولست مع الكيدية، علما ان القاضي ميرزا واللواء ريفي يتمتعان بمناقبية عالية وكفاءة ونزاهة.
وفي مقابلة خاصة مع شبكة «سي ان ان» الاميركية، قال ميقاتي ان قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري «حساسة للغاية ويجب أن يتم حلها عن طريق الحوار وإجماع كافة اللبنانيين». وأكد حرصه الشديد على «أن يكون بين لبنان والولايات المتحدة أفضل العلاقات»، مشددا على أن الهدف الرئيسي لحكومته «أن تكون لها علاقة طيبة بالمجتمع الدولي».
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد