ميدان التحرير: غابت الملايين وحضرت فلسطين والوحدة الوطنية
لم تكن تظاهرة «جمعة الوحدة الوطنية» في القاهرة، أمس، مليونية كما جرت العادة في ميدان التحرير، اذ لم يتجاوز عدد المتظاهرين مئة ألف نسمة من مختلف الاعمار والمشارب السياسية. وفيما تميزت التظاهرة بالحضور الخجول لحركة «الاخوان المسلمين»، فقد كان الحضور المسيحي ايضاً خجولاً في التظاهرة، التي نظمت في أعقاب الحوادث الطائفية التي وقعت في منطقة امبابة، وأدت الى مقتل 12 شخصا وجرح العشرات.
وفي مقابل هذه التظاهرة، حافظ المتظاهرون الأقباط على تجمعهم الاعتصامي المستمر منذ أيام أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون على بعد مئات الأمتار من ميدان التحرير، فيما انتشرت وحدات من الامن المركزي والشرطة العسكرية في محيط ميدان التحرير ومحيط مبنى التلفزيون ولم يسجل وقوع اية حوادث، في حين ذكرت تقارير إعلامية أن الجيش أطلق النار في الهواء لتفريق متظاهرين تجمعوا، مساءً، أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
وإذا كانت تظاهرة يوم أمس قد فشلت في ان تكون مليونية، وفي أن تدمج بين تظاهرة ميدان التحرير ذات الغالبية الإسلامية، مع تظاهرة مبنى التلفزيون ذات الغالبية المسيحية، فإنها شهدت حضوراً بارزاً للقضية الفلسطينية، حيث أظهرت ان فلسطين لا تزال اكبر عامل للوحدة، ليس فقط على المستوى القومي العربي بل ايضاً على مستوى الداخل في كل قطر، فبهتاف «بالهلال والصليب بدنا ندخل تل ابيب» صدحت حناجر المتظاهرين فيما رفعت الاعلام الفلسطينية بكثافة الى جانب الاعلام المصرية.
وقال خطيب الجمعة في ميدان التحرير «آه يا شعب مصر، وحّدتكم القدس وتفرقكم كاميليا شحادة، آه يا شعب مصر وحّدكم المسجد الاقصى وتفرقكم كاميليا شحادة»، في إشارة الى السيدة التي كانت الشرارة التي أشعلت اعمال العنف الطائفي مؤخراً.
وحضر في التظاهرة ايضاً مؤتمر المصالحة الوطنية الفلسطينية الذي عقد في القاهرة مؤخراً بين حركتي فتح وحماس، إذ هتف المتظاهرون «يا عباس ويا هنية اوعا ترموا البندقية»، فيما داس عشرات المتظاهرين علماً اسرائيلياً كبيراً، وأشعلوا النيران فيه. وعرضت صور للمجازر الاسرائيلية التي ارتكبت في فلسطين منذ العام 1948 حتى العدوان على غزة في العام 2008، مرورا بمجازر صبرا وشاتيلا وقانا، وفي مقابلها عرضت صور لمقاومين فلسطينيين وعرب ومن ضمنهم شهيدة المقاومة الوطنية اللبنانية سناء محيدلي.
وتماماً كما اعتادت ان تنتشر بين المتظاهرين ايام الثورة مجموعات الفنانين، كذلك انتشر هؤلاء في هذه التظاهرة يرسمون على الوجوه، هنا علم مصر، وهناك علم فلسطين، فيما كان باعة الاعلام والقبعات التي تحمل شعار «ثورة 25 يناير» شبه عاجزين عن تلبية حاجة المتظاهرين تحت شمس حارقة في الميدان خفف من حرارتها نسيم ربيعي عليل.
وانتشرت بين المتظاهرين ايضاً مجموعات لأحزاب ناشئة واخرى قديمة هرمت، ولم تعد تتمتع بوزن بارز، كما حضرت بعض المجموعات من الجاليات العربية التي تهز بلدانها عواصف التغيير مثل اليمن والبحرين وليبيا وسوريا.
لم يخف بعض المتظاهرين إحباطهم من حجم التظاهرة، لكنهم قالوا ان هناك حالة من الخوف تعم الشارع المصري من ان تتمدد الفتنة الطائفية وتطلق حريقاً كبيراً في البلاد. وقال احمد، الموظف في احد المصارف «ان الشعب المصري لم يكن يوماً يشعر بأن هناك تفرقة بين مسلم ومسيحي فلا نعرف من أين أتت هذه اللعنة، واذا كان هناك من يحاول إشعال هذه النيران فإن تظاهرة اليوم يجب ان تكون بداية للمواجهة وليست نهاية».
في هذا الوقت، عززت السلطات المصرية اجراءاتها الأمنية في سيناء لمنع مسيرة يفترض ان تنطلق من القاهرة وصولا الى قطاع غزة. وهذه المسيرة التي يفترض ان تنطلق من ميدان التحرير متوقعة اليوم أو غداً، وتستهدف التنديد بالاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والدفاع عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والمطالبة بالإفراج عن معتقلين.
وقد وضع جسر السلام، احد ابرز المعابر الى سيناء، تحت حماية مشددة للجيش الذي نشر خصوصا مدرعات، فيما أقيمت الحواجز في المنطقة للتدقيق في هويات الأشخاص الراغبين في الانتقال، بحيث لم يسمح بالمرور إلا للمصريين المقيمين في شبه الجزيرة فقط، ما اضطر كثراً للعودة أدراجهم.
وأكدت تظاهرة ميدان التحرير أن في مصر اليوم قوتين بارزتين هما «الاخوان المسلمون»، من جهة، والجيش من جهة اخرى، وبين هاتين القوتين هامش لا بأس به من المجموعات الحزبية الطرية العود أو المخضرمة ولكن ضعيفة، ويسجل غياب كبير لليسار المصري الذي بات تمثيله يقتصر على بعض النخب فيما القوى الناصرية مشرذمة.
وفيما تحاول كل من القوتين البارزتين ألا تستفز الأخرى بحراك غير محسوب، فإن مصر تبقى راهنا في المنطقة الرمادية بانتظار إجراء الانتخابات الرئاسية في أيلول المقبل. وفي هذه المنطقة يبقى الحريق الطائفي هو الطريق الامثل للانقضاض على مكتسبات الثورة والعودة بمصر الى الوراء تماماً كما كان يقول جماعة نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، أي ان الثورة ستؤدي الى الفوضى.
وفي هذا الإطار يقول بعض السياسيين ان تباطؤ الجيش في التدخل لإنهاء اعمال العنف في حادثة امبابة كان تباطؤاً مدروساً يهدف الى التأكيد على الحاجة الماسة للجيش في الوضع الداخلي كضامن للامن والاستقرار وللتوازن السياسي في البلاد. ويذهب هؤلاء السياسيون بعيداً في قراءتهم الى القول ان الجيش بدأ الاعداد لبعض الاسماء ليغربلها قبل التوصل الى اسم من بينها ليكون مرشحاً للجيش في الانتخابات المقبلة، فيما تميل حركة الاخوان المسلمين وبعض المجموعات في الحراك الشعبي الآخر الى تأجيل الانتخابات من أجل ان تتمكن من إعداد نفسها بصورة افضل، كما يجري الحديث عن صفقة بين الجيش والاخوان المسلمين تشمل موافقة الاخوان على دعم مرشح الجيش في مقابل ان يغض الجيش النظر عن تقدم قوي للاخوان في الانتخابات البرلمانية التي ستعقب الانتخابات الرئاسية.
الكلام السياسي في مصر كثير وكبير، والكلام عن صفقات من هنا، وأخرى من هناك، لا يستبعد أبدا التدخلات الخارجية، وهي أمر واقعي، اذ قال يساري سابق ان الولايات المتحدة ودول الخليج ولا سيما منها الامارات العربية المتحدة تبدي استعدادها القوي لتمويل اية مجموعة سياسية بمعزل عن حجمها وطبيعة برنامجها.
ويشير فشل كل الثورات العربية التي أعقبت الثورة المصرية الى ان المعسكر المتضرر من الثورات قد استعاد أنفاسه وأطلق هجوماً مضاداً على حركة الشعوب، من البحرين الى اليمن وليبيا وسوريا، وفي هذا الاطار فإن ثورة مصر لا بد ان تكون في عين العاصفة والهدف الاساسي إنهاء مفاعيلها واستنساخ نظام مبارك وان كان بأسماء مختلفة. ولكن من السابق لأوانه التشاؤم لان شباب مصر الذي أنهى مبارك لا يزال صاحيا وحاضرا في ميدان التحرير.
ماهر أبي نادر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد