موجة عنف جديدة في العراق
القى تفجير انتحاري، استهدف سوقاً شعبية في مدينة الصدر وأسفر عن «مجزرة» تمثلت بسقوط نحو 165 قتيلاً وجريحاً، ظلاله الثقيلة على خطط «الأمن والمصالحة» التي أعلنها رئيس الحكومة نوري المالكي الذي وصل امس الى جدة، في زيارة للسعودية أولى محطات جولته الخليجية التي تشمل الامارات والكويت لحشد الدعم الإقليمي لمبادرة المصالحة. وتتزامن مع جولة لرئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني يزور خلالها ايران والبحرين. وذلك في تحرك حكومي فُسر بأنه محاولة لـ «معالجة الأزمة العراقية انطلاقاً من أبعادها الإقليمية وصولاً الى التعامل معها داخلياً».
وأكدت القيادة السعودية أمس دعمها لاستقرار العراق وأمنه وسيادته على كامل أراضيه. وأعرب خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، لرئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي، عن تفاؤلهما بحكمة القيادات العراقية واستجابتها إلى منطق العقل والحوار، وصولاً، في هذه المرحلة، إلى الوفاق الوطني.
وكان الأمير سلطان في مقدم مستقبلي المالكي الذي وصل إلى جدة في أول زيارة خارجية له منذ تسلمه رئاسة الحكومة الجديدة. وفور وصوله إلى مطار الملك عبدالعزيز، توجه المالكي وخمسة وزراء مرافقين إلى قصر الأمير سلطان «الخالدية» في جدة، حيث أقام ولي العهد مأدبة غداء تكريماً للمالكي ومرافقيه، في حضور كبار المسؤولين السعوديين.
وقالت مصادر ديبلوماسية، إن زيارة المالكي تستهدف البحث في حزمة من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية. ويتصدر الملف السياسي مواصلة حوار الوفاق الوطني العراقي، الذي دعت اليه الرياض في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تحت مظلة الجامعة العربية. فيما سيناقش الجانبان ترتيبات مؤتمر دول الجوار المنتظر عقده السبت في طهران، للتركيز على الملف الأمني.
وطبقاً للمصادر، لا تزال الرياض عند موقفها بالبقاء على مسافة واحدة من جميع الفرقاء العراقيين «فجميعهم إخوة لنا وأعزاء علينا، بعربهم من سنة وشيعة، وبأكرادهم، وبمسلميهم ومسيحييهم عموماً». لكن المسؤولين السعوديين لم يترددوا في الإشارة إلى مراعاة مصالح العرب السنة، كونهم من الأقليات التي نالتها سهام حادة منذ الحرب على العراق قبل ثلاثة أعوام. كما أن الحكومة السعودية «تنظر إلى مسألة فتح سفارة لها في بغداد من منظور أمني بحت».
ومع سقوط 66 قتيلاً وجرح اكثر من مئة آخرين، بينهم نساء واطفال، في «المجزرة» التي استهدفت سوق «الأولى» في مدينة الصدر شرق بغداد، التي ادعت المسؤولية عنه (ا ف ب) جماعة «مناصرو اهل السنة» التي لم يسمع باسمها من قبل، خطف مسلحون مجهولون، في منطقة حي الشعب الشيعية شمال العاصمة، النائب تيسير نجاح عواد المشهداني (سنية) مع ثمانية من حراسها عندما كانت في طريقها من ديالى الى بغداد واعتُرض موكبها، المكون من ثلاث سيارات. وطالب رئيس المجلس في بيان امس الخاطفين بـ «الحفاظ على سلامتها واطلاق سراحها فوراً» محملاً الأجهزة الأمنية العراقية مسؤولية الحادث.
وحمل الناطق الإعلامي باسم التيار الصدري عبدالهادي الدراجي «قوات الاحتلال الاميركي والبعثيين والتكفيريين مسؤولية حادث السوق». وقال ان دوريات الاحتلال هي الوحيدة التي لا تخضع للتفتيش في مدينة الصدر التي تنتشر فيها دوريات الشرطة ونقاط التفتيش الأهلية».
فيما اتهم كريم النجاتي، القيادي في التيار الصدري القوات الاميركية «ومن يتعاون معهم من الصداميين والتكفيريين» بالمسؤولية عن الحادث. في حين قال محمود الصميدعي، عضو هيئة علماء المسلمين ان «الجهات الأمنية العراقية تتحمل مسؤولية الحادث لعدم شمول مدينة الصدر بالخطة الامنية» مؤكداً تنديده «بالاعمال الارهابية التي تطاول الابرياء».
وتشهد بغداد، منذ إعلان مبادرة المصالحة وتطبيق الخطة الأمنية، تصعيداً امنياً تمثل اخيراً بتصاعد نسب الخروقات الأمنية وتفاقم ظاهرة العثور على الجثث المجهولة الهوية. وقال الدكتور صباح الربيعي المدير العام لغرفة العمليات في وزارة الصحة العراقية لـ «الحياة» ان «الأسبوعين الأخيرين شهدا ارتفاع نسب ضحايا العنف في حدود 30 في المئة على الأسابيع السابقة». وكانت مصادر وزارة الصحة العراقية أبلغت اخيراً عن ورود ثمانية آلاف جثة في الشهور الستة الأخيرة الى دائرة الطب العدلي في بغداد ضاقت بها ثلاجات حفظ الجثث. وافاد احصاء نقلت تفاصيله «فرانس برس» امس ان حزيران (يونيو) الماضي شهد مقتل 1009 عراقيين واصابة 1771 آخرين، غالبيتهم بين المدنيين.
ويقرأ سياسيون عراقيون موجة العنف الجديدة بإحساس الجماعات المسلحة والميليشيات الرافضة لمبادرة المالكي بخطورة المضامين التي تبنتها الحكومة على مستقبل وجودها فكانت الردود العنيفة بمثابة محاولة لإعادة خلط الاوراق وتأزيم المواقف قبل ان تأخذ مبادرة المصالحة حيزها في التطبيق والانفتاح على المناوئين للعملية السياسية في العراق وعلى دول اقليمية لها تأثيرها في الوضع العراقي.
وأعلن نائب رئيس الوزراء العراقي سلام الزوبعي امس ان الحكومة العراقية اجرت لقاءات مع عدد كبير من شيوخ العشائر العراقية لكسب تأييدهم لمبادرة المصالحة. واضاف، بعد لقاء جمعه مع عدد كبير من رؤساء عشائر مناطق ابي غريب وجنوب بغداد (مثلث الموت) في منزله في بغداد أمس انه التقى الاسبوع الماضي في عمان عدداً كبيراً من شيوخ عشائر المنطقة الغربية. مشيراً الى ان «شيوخ العشائر هم الفئة المعنية بدرجة كبيرة بعملية المصالحة الوطنية، وهم مدعوون لدعم هذا المشروع».
وللمرة الاولى اعلن اسامة بن لادن تأييده لاختيار «القاعدة في بلاد الرافدين» لزعيمها الجديد «ابو حمزة المهاجر» وأوصاه «بالصبر والتقوى ومواصلة الجهاد». وكانت الولايات المتحدة اعلنت اول من امس مكافأة تصل الى خمسة ملايين دولار لمن يساهم في اعتقال «ابو حمزة».
الى ذلك كُشف امس ان الحكومة السعودية اغلقت، «مخيم رفحاء» الشهير بكونه ملاذاً لأكثر من 40 ألف لاجئ عراقي، شردتهم ظروف غزو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين للكويت في 1990.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد