من باريس إلى أمستردام... «العدوى» تنتشر
لم تقتصر الاحتجاجات إثر مقتل جورج فلويد على الولايات المتحدة، لكن فضلاً عن التظاهرات التضامنية، وأبرزها في أيرلندا، فقد سادت شوارع مدن أوروبية عدّة تحرّكات احتجاجية، وصل بعضها إلى صدام بين الشرطة والمتظاهرين، وخصوصاً في فرنسا حيث نُظّمت تظاهرات احتجاجاً على مقتل شاب أسود على يد الشرطة في عام 2016.
وأشعلت لقطات الشرطي الأبيض الذي يجثو على رقبة الأميركي الأسود، جورج فلويد، إلى أن مات، احتجاجات غاضبة من أمستردام إلى نيروبي، كاشفة في الوقت عينه عن غضب أكبر بين المتظاهرين إزاء العلاقات العرقية المتوتّرة في بلادهم. وفي حين تحتدم الاشتباكات العنيفة بين المحتجّين والسلطات في الولايات المتحدة، تجمّع نشطاء مناهضون لوحشية الشرطة بالآلاف دعماً لحركة «حياة السود تهم» في كلّ من هولندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا ومدن أفريقية.
وفي باريس، اندلعت صدامات، ليل أول من أمس، على هامش تظاهرة محظورة شارك فيها حوالى 20 ألف شخص، للاحتجاج على عنف الشرطة الفرنسية، ونُظِّمت بمبادرة من أقارب الشاب الأسود آداما تراوري، الذي قُتل أثناء توقيفه في عام 2016. وعلى الرغم من أنّ السلطات حظّرت هذه التظاهرة، بسبب أزمة فيروس «كورونا»، فإنّ المنظّمين أصرّوا على إجرائها للتنديد بعنف الشرطة، في احتجاج يندرج في سياق ما تشهده الولايات المتّحدة، منذ أسبوع، من تظاهرات عنيفة وأعمال شغب، احتجاجاً على مقتل فلويد. وجرت هذه التظاهرات في اليوم الذي صدر فيه تقرير طبّي أُعدّ بطلب من عائلة تراوري، يتّهم عناصر الدرك بالتسبّب في وفاة الشاب الأسود، في اتّهام سارع محامي الدرك إلى التشكيك فيه. وفي 19 تموز / يوليو 2016، توفي تراوري داخل ثكنة للدرك، بعد ساعتين من توقيفه في منطقة باريس، في ختام عملية مطاردة أمنية نجح في مرحلة أولى في الإفلات منها.
وعلى هامش التظاهرة التي جرت أمام مقرّ المحكمة في شمال شرق باريس، دارت صدامات بين قوات الأمن وجمع من المحتجّين تخلّلها إلقاء مقذوفات وإقامة حواجز ومتاريس واستخدام قنابل الغاز المسيّل للدموع. وخلال التظاهرة، ألقت آسا تراوري، شقيقة آداما تراوري، كلمة خاطبت فيها المتظاهرين بالقول: «اليوم، عندما نناضل من أجل جورج فلويد، نناضل من أجل آداما تراوري». وردّ المتظاهرون بالقول «ثورة» و«الجميع يكرهون الشرطة».
ورفع المتظاهرون لافتات كُتب على بعضها بالإنكليزية «حياة السود قيّمة» وبالفرنسية «صمت=اختناق» و«فلنضع حداً لاستعمار الشرطة». وقدّرت الشرطة أعداد المتظاهرين في باريس بحوالى 20 ألف شخص. ولم تكن تظاهرة باريس الوحيدة التي شهدتها فرنسا للاحتجاج على عنف الشرطة، إذ جرت في مدن عدّة تظاهرات مماثلة، بينها تظاهرة في ليل (شمال) شارك فيها 2500 شخص، وأخرى في مرسيليا (جنوب) شارك فيها 1800 شخص.
وتخلّل المواجهات، بين المحتجّين والشرطة في باريس، إلقاءُ مقذوفات على القوات الأمنية التي ردّت باستخدام الغاز المسيّل للدموع. وبعدما تفرّق المتظاهرون، اندلعت اشتباكات متفرّقة بين قوات الأمن ومجموعات صغيرة من المحتجّين الذين رشقوا الشرطة بالحجارة، لتردّ الأخيرة عليهم باستخدام بنادق الكرات الوامضة ضدّهم. وسرعان ما تحوّلت الشوارع المجاورة إلى ما يشبه ساحة حرب، إذ نصب المحتجون حواجز وأحرقوا درّاجات هوائية ورشقوا سيارات الشرطة بالحجارة والقوارير، وأضرموا النار في عدد من حاويات النفايات والمتاريس، ما استدعى تدخّل فرق الإطفاء لإخماد النيران. وفي منطقة كليشي المجاورة حطّم محتجّون زجاج مركز الشرطة البلدية.لم تقتصر التظاهرات على فرنسا، إذ شهدت أمستردام في هولندا احتجاجات سلّط خلالها المحتجّون السلميّون الضوء على مزاعم تعرّض السجناء السود لانتهاكات، والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي الذي يرجع إلى الماضي الاستعماري لهولندا وبريطانيا وفرنسا. وقالت جنيفر توش، مؤسِّسة «تراث السود»، لحشدٍ في أمستردام، التي قامت منها شركة «غرب الهند» الهولندية بإدارة سفن يقدّر أنها تاجرت في عدد وصل إلى نصف مليون عبدٍ في القرنين السابع عشر والثامن عشر: «إذا كنت تريد أن تصدّق أننا في هولندا ليست لدينا مشكلة مع العرق، فإنك يجب أن تتفضّل وتعود إلى بيتك». وعقدت توش وآخرون مقارنة بين موت فلويد ومعاملة العبيد السود قبل قرون. وقالت: «رأينا هذه الصورة من قبل عندما طرح القائمون بالاضطهاد والاستعباد البيض المستعبدين ووضعوا عليهم علامات بقطعة من الحديد».
وفي لندن، حمل محتجّ لافتة كُتب عليها: «المملكة المتحدة ليست بريئة»، بينما احتجّ نحو ألفي شخص خارج السفارة الأميركية في برلين، حيث ارتدى اثنان منهم من لاعبي كرة القدم في الدوري الألماني قميصين كُتب على كلّ منهما «العدالة لجورج فلويد».وفي نيروبي، رفع المحتجّون أمام السفارة الأميركية، لافتات كُتب عليها «حياة السود قيّمة» و«أوقفوا أعمال القتل خارج القانون». وصرّحت منظِّمة الاحتجاج نافولا وافولا، بأنّ العنف ضد السود دولي، مشيرة إلى قتل مسجونين في كينيا. وقالت: «النظام الذي يسمح للشرطة بارتكاب أعمال وحشية في كينيا قائم على الطبقية. وفي أميركا عرقية وطبقية».
(رويترز، أ ف ب)
إضافة تعليق جديد