من النبوة الدينية إلى النبوة السياسية أو من جنة الرحمان إلى جنة الموت

08-02-2012

من النبوة الدينية إلى النبوة السياسية أو من جنة الرحمان إلى جنة الموت

بدو لنا الأسئلة التي طرحناها في المقال السابق "سيكولوجية الانفصال في الإسلام" بسيطة ومحدودة إلى حدّ ما، لذلك فكّرنا بعمق في طرح الفرضيات القريبة من الصواب العلمي في تناول المقدّس كنصوص في علاقاتها المترابطة والمعقدة والجدلية بالسياقات التاريخية الاجتماعية الثقافية الدينية. نفترض أنّ النص الديني للمجتمعات الإسلامية عرف نوعا من السيرورة في النشأة والتطوّر والتحوّل والتغيّر إلى أن تمّ خرق منطق هذه السيرورة بفرض حالة من الانغلاق والانسداد، كنصوص ناجزة مكتملة ونهائية- وهذا النمط الفكري الانغلاقي المكتفي بذاته كنصّ نهائيّ سيتكرّر في النصوص البعدية في نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة ابتداء بأوّل المصادر الإسلامية ومرورا برسالة الشافعي إلى يومنا هذا- حيث نجد ثلاثة نصوص متقاطعة ومتمايزة شكليا في الآن نفسه، بحسب الفعالية الشفهية والكتابية التي أسهمت في إنتاجها باختلاف سياقات الشرط التاريخي الاجتماعي بتحول صراعاته السياسية الاجتماعية، نقصد في ذلك ثلاثة أنواع من الحديث(1). فالجزء الأوّل يسمّى القران المكّي والثاني يسمّى المدني والثالث يسمّى الحديث النبويّ. ولا يمثل كلّ نصّ جزءا منسجما ومتناغما كفعالية دينية، بقدر ما أنّ كلّ جزء يحمل الكثير من الخصائص والعناصر والرؤى والأهداف التي تجعله متميزا في نوع من الاستقلال النسبي عن الأجزاء الأخرى، كتطور لحركة النماء والاغتناء والإضافة والتعديل التي عرفتها عملية التثبيت النهائي للنص الديني في أجزائه الثلاثة.

 نعتقد أنّ هناك الكثير من المعطيات سواء من داخل هذه النصوص أو من المصادر الإسلامية والأجنبية أو من الواقع الحيّ في معطياته التاريخية والاجتماعية والثقافية الدينية، (2)تجعلنا نفكر بأننا أمام ثلاثة نصوص أسّستها الفعالية والصيرورة التاريخية لتحولات المجتمعات في المنطقة، كصراعات سياسية اجتماعية واقتصادية، في بحثها عن المشروعية والشرعية لتأسيس نمط ثقافي رمزي مقدس كشكل إيديولوجي لتكريس وتبرير نفسها كسلطة سياسية حاكمة. فالانطلاقة لنشأة وتبلور النصّ الأوّل كنبوة دينية بعيدة عن أي ملمح أو مطمع سياسي، حيث بعض الآيات القرآنية يحكمها ويضبطها البعد والأفق الإيماني المترفّع عن شرور الدنيا من كنز المال وطمع وجشع وقتل…لذلك يؤكد الكثير من الباحثين على أهمية المرحلة المكية ليس كتحديد مكاني ولكن كتجنيس رمزي اعتقادي وكتميز داخلي للفعالية الإيمانية التي تؤسس وتنتج كفعل مجتمعي عبر الخطاب الرمزي لما يسمّى الوحي، بمعنى أننا نفصل بين كونها تسمّى بالمكية وبين تحققها التاريخي الفعلي كما هو مسطور في المصادر الإسلامية. ونحن هنا لا نسعى إلى تكذيب كل ما قيل لأنّ تفكيرنا غير متأثر بالتحيزات الأخلاقية والمسّ بالمعتقدات، بقدر ما نودّ طرح أسئلة شغلتنا بخصوص التمايز الضدي بين البعدين الديني والسياسي في الإسلام، أي نجد أنفسنا إزاء نبوة دينية تلتها نبوة سياسية بنوع من الاحتواء الذي يشبه السطو التاريخي السياسي على النبوة الدينية، بمعنى السيطرة والهيمنة في استغلال واستثمار المقدس كشكل ديني للصراعات السياسية الاجتماعية. لذلك يصعب أن نعتقد ببساطة الطرح الديني الذي يرى في سور وآيات القران التي تدعو للغزو والقتل والنهب والسبي والترهيب…جزءا من كتاب الوحي الديني. فمعطيات الواقع الحيّ لقوى تاريخية اجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية عملت على التأسيس لشرعية فعلها السياسي الاجتماعي، باستثمار واستغلال بلورة تطوير المقدس وفق ما يخدم مصالحها ومسارات افقها السياسي، ليس فقط في إنتاج الجزأين الثاني والثالث للحديث كقرآن مدني وكحديث نبوي بل تصرفت حتى في الجزء الأول حسب ما يخدم أهدافها ومقاصدها سواء في تثبيت النص المغلق النهائي كقرآن وحديث أو أيضا في خلق حاضنة كتابية ثقافية دينية تدوّن وتؤرّخ وتؤسّس كأرضية ثقافية للفضاء العقلي الديني التاريخي المرغوب فيه لتطابقه وأهداف السلطة السياسية .

هذا التقديم يدفع باتجاه السؤال ما الذي حدث بالفعل؟ وكيف أمكن مغالطة الشعوب قديما وعبر التاريخ إلى يومنا هذا؟ هل بالحجة والعلم والإقناع أم بفرض الجهل والتخلف الذي يناسب القوة والإخضاع والقهر؟ بمعنى ما الذي جعل السياسي يتغلب في حركة تاريخية انزاح فيها الديني عن مستواه الاعتقادي الإيماني في نوع من التغلب بتعبير ابن خلدون صار فيه الديني شكلا تاريخيا للفعل السياسي؟ أو بالأحرى كيف أسس السياسي أسسه وقواعده وآلياته ومستواه البنيوي كنصوص مقدسة متعالية عن التاريخ البشري؟ وبالتدقيق كيف تحولت الغزوات والفتوحات كقتل ونهب واحتلال وسبي وغنائم…من صراعات سياسية اجتماعية اقتصادية إلى فعل ديني جهادي يتوخى الاستشهاد للفوز بجنة الرحمان، وفي الوقت الذي يؤسس لثقافة الرعب والخوف والظلم والسيف وسفك الدماء وتدمير القيم الإنسانية فيما يشبه حقيقة جنة الموت لا اقل ولا أكثر؟ (3) ألم تكن الكثير من نصوص الحديث بأجزائه الثلاثة في القتل والفتح والجزية(4) والصراعات بين طوائف الأمة الواحدة بعيدة عما حدث فيما يسمى مرحلة النبوة الدينية التي فرضت تعسفا كقراءات تاريخية وكتراث ديني أسسته المصادر العربية والإسلامية في احتضان ما يسمى بغزوات النبي، بمعنى أننا أمام إسقاطات سياسية تاريخية في شكل نصوص قرآنية تؤسس وتبرر أرضية سياسية اجتماعية ابتداءً من المرحلة الأموية؟ أي إن الكثير من الأسئلة تطرح نفسها أثناء استحضار هذه السياقات التاريخية السياسية الاجتماعية والثقافية الدينية، ومدى دور هذه السياقات في عملية تثبيت النص كتابة وجمعا، وفي إنتاج الدلالة والمواقف والعلاقات والأهداف. وبناء على هذا تمّت عملية بناء وصياغة الجذور كشرعية دينية تاريخية تجد انطلاقها وعمقها في التوسع والاستغلال والغزو والسيطرة، من خلال إنتاج سردية دينية كشرعية تاريخية مقدسة في التأسيس للأصول والهوية، المتمثلة هنا في ولادة النبوة الدينية الإسلامية، وأكثر من ذلك في إنتاج نصوص دينية مقدسة متعالية بالموازاة مع بناء أسس السلطة السياسية.

الأسئلة تطال هنا سيرة النبي وغزواته (5) أي كيف استطاع السياسي أن يتحايل على التاريخ البشري في بناء متخيل اجتماعي ثقافي ديني، ويسمو به كذروة عليا متعالية إيمانية مقدسة في نوع من بناء الشرعية، كتميز بين الحاكم والمحكوم وإنتاج فيضها المرجعي الإقناعي، كنصوص قرآنية وكمصادر إسلامية أسهم فيها من يسمّون بالعلماء والفقهاء والرواة والمحدثين …؟ فالكثير من هذه الورشات المرجعية كتراث لتشكيل مفهوم الأمة الإسلامية، تبلور في سياق التوسع كإمبراطورية إسلامية تبلورت وتطورت في مستواها السياسي الثقافي الديني، داخل فضاء عقلي يهودي مسيحي، خاصة على أرضية مفهوم الخلاص اليهودي كحاضنة شرعية داعمة ورافعة لطموحات الغزو والغنائم والبناء والتوسع. من هنا كانت ضرورة كتابة أسطورة الأصول كسردية دينية لهوية الأمة، إنها أسطورة الجدّ الأول المؤسس كعصبية وقوة دينية مقدسة، وذلك لتؤسس لمفهوم الحقّ والسيادة وشرعية الحكم، فأسقطت تحديات ومتطلبات وحاجات مرحلة تاريخية بصراعاتها السياسية والاجتماعية على الماضي كمتخيل اجتماعي ثقافي يؤطره الرمزي الديني، بناء للرغبة في انتزاع الاعتراف بحق وحقوق السيادة والتسلط والحكم . لذلك انعكست ثقافة البلاط والقصور والعبيد والخدم والجواري وما ملكت الإيمان والجزية…على نصوص التثبيت في أجزائها الثلاثة التي لم يحسم النقاش بشأنها حول التثبيت كتابة وجمعا وفي فرض نسخة واحدة وإحراق النسخ الأخرى. (6) إنه نقاش كان وراءه علماء ورواة حديث أجانب أسلموا، في أغلبهم يهود وفرس وموالي، اشتغلوا بشكل أو بآخر إلى جانب السلطة السياسية التي كانت تتحرك وفق مطامحها وأهدافها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إنها تفكر الديني انطلاقا من الواقع الحيّ، وتقوم بليه ليبّرر ويشرعن الفعل المجتمعي التاريخي. وإذا كان أهل السلطة السياسية أغلقوا المدونات الثلاث كقرآن وحديث، فإنّ الديني كسلطة علمية تمثلت في الفقهاء ومن يسمّون العلماء، لم تستسلم هذه الفئات بل طوّرت آليات الصراع بين التحايل والتقية والفعل الصريح، مما أدى إلى ولادة صراع سياسي حول من يسيطر ويهيمن على المجال السياسي، المتمثل هنا في الرعية أو الجمهور، الشيء الذي تطلب نوعا من المساومات والتنازلات وأشكال من التراضي المشوب بالحيطة والحذر بين السلطة السياسية والسلطة الدينية الرمزية، ولذلك دفعت المجتمعات العربية والإسلامية ولا تزال ثمن هذا الصراع كتخلف وانحطاط واستعمار، لأنّ كلا الجانبين وجهان متكاملان للاستبداد والتسلط والقهر كامتداد تاريخي لعملية السطو السياسي على الديني كمعتقد إيماني. ولا يزال هذا التوجه كنص وعقل مكون لواقع وعقل مكون في نوع من الاحتلال الرمزي الخطابي السياسي الديني للعقول والقلوب، وربطهما بتبعية عبودية عمودية لا رحمة فيها، حيث تهدر القيمة الإنسانية ويزج بها كمجتمعات في المصير المجهول. لهذا لم تكن نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة في دوافعها وخلفياتها النظرية سوى قراءة لواقع اجتماعي سياسي في محاولة تديين السياسة شرعا للسطو على السلطة السياسية في صراع سياسي بين سلطة سياسية تسيس الدين لصالحها، وبين فقهاء يدينون السياسة – بمعنى الأسلمة المتداول اليوم في السياسة والاقتصاد والثقافة وفي العلم …- وفق مصالحهم في السيطرة والهيمنة على الفعل السياسي المجتمعي كتقعيد وتشريع شرعي إسلامي لضوابط الحكم وأسسه. ولعل مما عمق حساسية العلاقة بين مالك السلطة السياسية في الإسلام وبين "العالم" المشتغل بالمعرفة أن كلا الرجلين قد اقتنعا باستحالة التزام الحياد كل منهما تجاه الأخر، الأمر الذي جعل المشاكل "السياسية" همّا دائما في الخطاب الكلامي والفقهي، مثلما جعل امتلاك "المعرفة" وتأطيرها وتوجيهها همّا دائما لدى الخليفة أو السلطان. وان في العلاقة الجدلية بين الرجلين في تاريخ الإسلام ما ينبئ بمدى حضور المشكل السياسي، كبعد من أبعاد تاريخ تشكل "المعرفة" في الإسلام، وبمدى تأثرها به مما يعطي المشروعية لقراءة الإنتاج المعرفي – الفقهي والكلامي – من خلال مقاصد وأبعاد سياسية خاصة، وقد دخل العديد من أصحاب ذلك الإنتاج في تجارب فعلية من "المحن" السياسية الواضحة بسبب مباشر من"معرفتهم" التي لم يكن الإجماع حول نفوذها و"سلطتها" بأقلّ من الإجماع حول نفوذ وسلطة رجل السياسة.(7)

فكتب تاريخ مرغوب فيه في السيرة والسنة، من اللباس والطقوس والشعائر وصولا إلى تعدد الزوجات إلى جانب شرعية الغزوات التي لم تحدث إلا في سياق مكر التاريخ وتلاعب القوي بمنطقه – التاريخ – في الوجود والصيرورة. هل نستطيع في استحضار الشرط التاريخي الاجتماعي بفضائه العقلي الرمزي الثقافي الديني، ابتداء من القرن الثاني أن نقول إن كل ما قيل عن غزوات الرسول هو مجرد متخيل اجتماعي سياسي ثقافي ديني، كإجابة موضوعية من موقع الفئة الحاكمة لتحديات ومتطلبات هذه المرحلة من نشوء الإمبراطورية ؟

تأسيسا على هذا الالتباس التاريخي لسطو السياسي على المعاني الرمزية الدينية الإيمانية، سيبقى المسلم مسكونا إلى الأبد بسؤال البحث عن الإسلام الذهبي والصحيح والنقيّ الخالي من الشوائب …وهو سؤال رافقه عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر في تفسير الثورات السياسية الاجتماعية بالدونية الإيمانية الأقرب إلى الردة والتكفير بما يسهل التصفية والقتل والسبي …أي أن الثورات أخذت شكلا دينيا ومن ثمة ولدت المذهبية والطائفية الشيعية والسنية والخارجية…ولن يجد المسلم مخرجا وإجابة تعفيه من رعب السؤال وتخفف عنه عناء السفر في الحياة، إلا من خلال إعلانه بجرأة فصل الدين عن السياسة، لأن هذه الأخيرة امتزجت بالنص إلى حد الاستيعاب الكلي للنبوة الدينية كمعتقد إيماني يجعل من الصعب التفكير في حياة البشر باعتباره – المعتقد - مرجعية شرعية تحدد هوية الأمة ومساراتها التاريخية البشرية. إن جمالية وعمق الإيمان يكمن في نقض الرؤى السياسية التي ذابت داخله والتي لا يمكن أن تستكين وتتساقط مع الزمن، إلا من خلال الإعلاء من شأن المعتقد الديني بإعلانه انفصاله التاريخي عن الفعل السياسي الذي جاور في إنتاجه للنصوص الثلاثة بين القتل والتسامح والكراهية والمحبة والجزية والمساواة والأحادية المتسلطة والتعدد والاختلاف…

غالبا ما تؤدي الإشكاليات المغلوطة إلى نتائج عكسية على مستوى النقد والنقض المعرفي، وهذا هو الشأن مع مفهوم الإسلام السياسي الذي يفترض ضمنيا نوعا من الفصل بين الإسلام والإسلام السياسي، في وقت لا يمكن الحديث عن الإسلام إلا بوصفه سياسة استثمرت وصاغت البعد الديني لتأسيس معرفة سياسية لها شكل ديني. بمعنى أننا إزاء عملية تاريخية اجتماعية سياسية معرفية اخذ فيها الصراع السياسي شكلا دينيا كمشروعية وشرعية للسيطرة والسيادة والحكم. لذلك لا يمكن الحديث عن الإسلام إلا بوصفه إيديولوجية دينية سياسية، وبالتالي فإن توهم طرفين نقيضين في جدلية الإسلام والإسلام السياسي هو منبع وأساس الإشكالية المغلوطة. وهذا ما أدى بالكثير من الباحثين والمفكرين إلى الانخراط فيما يسمى نقد الفكر الديني، معتقدين في ذلك نوعا من التأسيس للإصلاح والتنوير في حين أن عملهم لم يتجاوز إعادة إنتاج نفس الفكر الديني، بشكل سمّي خطا العقلانية والتنوير. فالتحديد السليم لهذه الإشكالية هو الذي يرى حسب ما نفهمه في نشأة الإسلام عقيدة سياسية لها تمظهر ديني على مستوى البنية الفكرية لتشكله، ومن ثمة فالنقد العقلاني التنويري، الأقرب إلى الصواب والحقيقة العلمية، هو الذي يستهدف هذه الإيديولوجية السياسية كدين، أي إنتاج نوع من النقد الديني ليس بمعنى المس بالمعتقدات الإيمانية بل العمل على تحريرها من الهيمنة والسيطرة التاريخية التي مارسها السياسي في حقها، بمعنى التبني الصريح لفصل الدين عن السياسة حتى يستعيد الديني سيرورته وافقه الطبيعي كمعتقد إيماني لا تمايز أو تمييز في كونه توحيديا أو وثنيا أو بوذيا …
 
 الهوامش:
المصادر الإسلامية عرّفت القرآن بكونه أحسن الحديث وذلك انطلاقا من تعبيره هو نفسه بصريح اللفظ كما في سور الجاثية والأعراف والزمر والطور
(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)) [سورة الزمر] (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَا يُؤْمِنُونَ(33)فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(34)) [سورة الطور.

2 – هناك الكثير من الكتابات التي تناولت هذه المعطيات التاريخية والاجتماعية والثقافية والدينية كما نجد في كتابات محمد أركون وهشام جعيط والفريد لويس دي بريمار…بالإضافة أيضا إلى ماورد في المصادر الإسلامية.
(إِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [سورة الحجرات:9
ولعل معارك كثيرة بين المسلمين بما فيها وقعة الحرة التي تناولتها المصادر الإسلامية تبين مدى انسجام هذه الآية- المشار إليها أعلاه- مع سياقها في القتل والنهب والسبي بين المسلمين بالإضافة إلى صراعات أخرى تبلورت في سياقها مثل هذه الآيات بحثا عن السند الشرعي لحل الصراع السياسي الاجتماعي.

(قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )سورة التوبة 29
 : فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] وفي الآية الأخرى يقول (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة:5] وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. لكن للأسف فرغم أن الكثير من الأقباط والأمازيغ… أعلنوا إسلامهم فان ذلك لم يحل دون فرض الجزية وسبي فتياتهم كجواري.

أما الفريد لويس دي بريمار في كتابه تأسيس الإسلام ترجمة عيسى محاسبي عن دار الساقي ط1 س 2009ص 214و215 يرى "أن نصاب الدونية المرتبط بالجزية كان بدا يتثبت بعد انجاز فتح سوريا- فلسطين ووادي الرافدين ومصر. وأما فيما يخص النص القرآني الموازي فانه من المحتمل جدا أن يكون متمو ضعا زمنيا في السياق نفسه…وهكذا لا تكون الجزية قد اتخذت طابعها النهائي والإذلالي إلا في تلك المراحل المتأخرة نسبيا من التاريخ الإسلامي. ولا يبدو لنا انه كانت لعمر بن الخطاب يد كبيرة فيها ولا على الأخص لمحمد. أما عن دور الله في الأمر فهذه مسالة أخرى".

يبدو أن الكثير من الآيات ذات الأفق الديني الإيماني التي تحذر من سفك الدماء والى كلمة سواء بين جميع الأديان والدعوة التي تعتمد الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن …كلها تتناقض مع آيات أملتها ظروف سياسية تدعو إلى الغزو والسبي والقتل أسسها التوسع والمصالح الاقتصادية بخلفيات سياسية اجتماعية مما تطلب آيات الجزء الثاني المدني والثالث من الحديث وأيضا كتابة متخيل ديني – من ضمنه غزوات الرسول - يبرر الغزو والجرائم وهذا ما حدث مثلا في وقعة حرة شمال شرق المدينة حيث حفر أهلها خندقا لحمايتها "وهذه القصة تذكرنا بوقعة الخندق التي جرت في زمن محمد والتي أمر فيها النبي بحفر خندق حول المدينة من اجل حمايتها من هجمات المكيين وذلك بناء على نصيحة سلمان الفارسي كما يقال .وقد يصل الأمر بالباحث المعاصر إلى حد التساؤل إذا لم تكن معركة الخندق الحقيقية قد جرت عام 683م أثناء معركة الحرة وفيما إذا لم تكن الأسطورة قد نسبت الى سلمان الفارسي حدثا حصل لاحقا كان معنيا به يزيد الفارسي " تأسيس الإسلام مرجع مذكور ص 370 .
 
أما مسالة تثبيت النص في الكتابة والجمع والتنقيط ووضع حروف العلة وتعدد النسخ واختلاف القراءات وحرق بعضها…فقد نوقشت في المصادر العربية الإسلامية وأجنبية حديثة مثل "تاريخ القرآن" لتيودور نولدكه أو في كتاب "تأسيس الإسلام" الفريد لويس دي بريمار في الفصلين الرابع والخامس بالإضافة إلى باحثين عرب آخرين كأركون ونصر حامد أبو زيد…
 
 د عبد المجيد الصغير المعرفة والسلطة في التجربة الإسلامية الهيئة المصرية العامة للكتاب س 2010 ص 144مكتبة الأسرة برعاية سوزان مبارك …؟

نزيه كوثراني

المصدر: الأوان

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...