مكافحة الفساد في سوريا تحتاج لنصر إلهي
الجمل - بهية مارديني: إن كان حزب الله استطاع أن ينتصر على اسرائيل عبر( نصر إلهي ) فإن مكافحة الفساد في سوريا والانتصار فيها بحاجة الى شيء لايقل عن ذلك !!!بهذا الجواب يجيب المواطن السوري (يوسف) الذي قال انه يعمل في مجال المعاملات العقارية عندما سألته عن رأيه فيما يسمعه من إجراءات لمكافحة الفساد اتخذتها الحكومة السورية مؤخرا .
في الحقيقة لا يبتعد الرأي السابق عن رأي الاغلبية الساحقة من السوريين الذين التقيناهم في طور اعدادنا لهذه المادة وما لمسناه يشير الى ان السوريين ربما يميلون الى الاقتناع بالتعايش مع الفساد بدلا من الحلم بانه من الممكن اجتثاثه لان الفساد بات يعشش في مؤسسات الدولة السورية بشكل يستعصي على الاستئصال .
وقد صدم الرأي العام في سوريا في الفترة الاخيرة بعد الكشف عن الفساد الكبير والممنهج الذي كانت تعاني منها المديرية العامة للجمارك حيث تم احالة آمر عام الضابطة الجمركية الى القضاء وصودرت امواله المنقولة وغير المنقولة ويقال انه تم مصادرة مالايقل عن 173 عقارا فضلا عن الاموال السائلة والارصدة البنكية كما انه لايمر اسبوع الا وتخرج وسائل الاعلام السورية بأخبار قرارات الصرف من الخدمة لاسباب تمس النزاهة بحق موظفين في الحكومة ومن هؤلاء مدراء عامون وشخصيات في مواقع مهمة لدرجة ان مثل هذه الاخبار لم تعد تسترعي الكثير من الانتباه .
بعض السوريين يلقون باللائمة على الحكومة لانها تتبع سياسة هبة ساخنة وهبة باردة مع الفاسدين الذين يعرفهم الجميع ويكاد واحدهم يجاهر بفساده او كما يقال في المثل السوري الدارج ( على عينك ياتاجر) فمنهم من يدخل الوظيفة العمومية لايمتلك قرشا ولكن ما هي الا سنوات قليلة حتى يصبح هذا الموظف من اصحاب الملايين وربما المليارات مستفيدا من موقعه الوظيفي ومن الفساد والافساد الذي تشهده قطاعات العمل في سوريا وفشلت كل الاجراءات حتى الان في كبح جماحه .
وسجل مكافحة الفساد في سوريا ملىء ربما بالطرائف حيث ان رئيسا للوزراء هو محمود الزعبي بقي في سدة السلطة اكثر من ثلاثة عشر عاما ثم اكتشفت اجهزة الدولة انه فاسد وقيل ان(ختم الحكومة )كان بيد ابنه يعطي الاستثناءات والقرارات لمن يدفع اكثر ولكن نهاية الزعبي كانت درامية حيث انتحر عندما كان رجال الشرطة في مهمة بمنزله لاعتقاله وهكذا اسدل الستار عن تلك الفضيحة التي لا تزال حية في ذاكرة السوريين .
وهناك ملفات اخرى مرتبطة بنائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام الذي انشق بعد اقالته فقد ارتبط اسمه بفضيحة ادخال نفايات نووية سامة دفنت في الصحراء السورية وقد تكتمت اجهزة الدولة سنوات طويلة على تلك الفضيحة وكان من يثيرها يتعرض للإعتقال ابان وجود خدام في السلطة ولكن عندما خرج من السلطة تبارى المتبارون في اتهامه بتلك الجريمة .
وايضا هناك ملفات فساد كثيرة تحفل بها الحياة العامة في سوريا فقد ادخل نائب رئيس الوزراء السوري السابق سليم ياسين الى السجن بتهم الفساد والاثراء غير المشروع لقبضه عمولات بملايين الدولارات كما ادخل وزير النقل السابق مفيد عبد الكريم السجن لسنوات ايضا لفساده ولشرائه طائرات مدنية مستعملة بعد تعميرها على انها جديدة وذهب فرق السعر لجيبه الخاص .
كما ان هناك قضية فساد قبل عدة سنوات سجلت باسم اللواء بشير النجار الذي كان مديرا لإدارة المخابرات العامة حيث غرمته المحكمة بمبلغ مليار ليرة سورية وقد دفعها (عن طيب خاطر ) ولكنه توفي في وقت لاحق في السجن .
وهناك بين السوريين مايشبه الرأي السائد بأن الفساد في الوظائف العليا هو الفساد الذي يخرب البلد لان من يسرق وهو في منصب عال يسرق بالملايين والمليارات فيما ان من يسرق ليطعم اولاده قد يكون مضطرا لذلك بالرغم من ان كلا الشخصين هو سارق وخائن للأمانة .
ومن يراقب تبدلات الحياة الاجتماعية السورية يلاحظ تغيرا كبيرا في القيم وفي نظرة الناس الى الفساد اذ أنه وقبل عدة عقود لم يكن احد لينجو بفعلته عندما يسرق من مال الناس او يرتشي وكانت الرشوة أمر كبير يدمر سمعة الانسان اما اليوم فإن الوظائف التي يمكن للانسان ان يصبح ثريا عبرها بشكل غير مشروع تشهد تهافتا غير مسبوق واصبح شائعا مثلا ان يسمع الناس ان فلانا دفع مبلغا قد يصل الى نصف مليون ليرة او اكثر ليحصل على مجرد وظيفة خفير في الجمارك وهي وظيفة صغيرة في السلم الوظيفي ولكن يمكن لصاحبها ان (يبتز) المهربين او القادمين الى سوريا واحيانا يعقد معاملاتهم أملا في ان يدفع له مقابل الاسراع في المعاملة او التغاضي عن بعض المخالفات فيها.
وتتصدر الرشوة قائمة الفساد في سوريا إذ يندر ان يكون بمقدور مواطن سوري أن ينجز معاملته بدون ان يدفع رشوة تسمى تخفيفا (اكرامية ) فدوائر النقل وتسجيل السيارات الرشوة فيها (شبه الزامية ) ومن لايدفع يخاطر بالكثير من الوقت والكثير من التعقيدات . اما في ميدان مخالفات السير فحدث ولاحرج فالسوريون لهم تجارب مرة كثيرة في دفع الاتاوات لشرطة السير الذين وان كان يوجد بينهم شرفاء الا ان السمعة الغالبة هي سمعة (سيئة جدا ).
وهناك فساد من نوع اخر وهو عمولات الصفقات في الادارات العامة حيث يعطي مقاولون ومتعهدون من القطاع الخاص مبالغ قد تكون طائلة لبعض المتنفذين مقابل ان ترسو عليهم التعهدات وبالتاكيد فإن المبالغ التي دفعوها تقتطع من ميزانية المشاريع وعلى حساب سويتها ويقال ان انهيار سد زيزون في حماه قبل عدة سنوات كان سببه سوء التنفيذ والرشوة وعدم التقيد بالمواصفات وان لم تكن تلك الاشياء مثبة ذا من المعلوم ان الفاسدين يجيدون مع الزمن اخفاء معالم جريمتهم ولايتركون اي اثر يدل عليهم ما استطاعوا الى ذلك سبيلا .
اليوم الحكومة السورية تقول انها ستواصل مسيرتها في مكافحة الفساد وصولا الى (الدولة الفاضلة) ولكن السوريين لايأخذون هذا الكلام على محمل الجد فهم لايشعرون بالكثير من الفروقات عند تعاطيهم مع المؤسسات الحكومية ويبدو ان الحكومة السورية بحاجة لان يشعر مواطنوها بالفرق حتى يقتنعوا بأن مكافحة الفساد أتت اكلها .
إضافة تعليق جديد