معركة الزبداني: تكتيكات جديدة .. وتناغم مع المقاومة
يواصل الجيش السوري والمقاومة اللبنانية تقدمهم في مدينة الزبداني، حيث فجروا، امس، نفقا بطول 70 مترا وعمق مترين يمتد من سهل الزبداني باتجاه مضايا كان يستخدمه المسلحون للتسلل وتهريب الأسلحة والذخيرة .
وما زالت الوقائع الميدانية تؤكد استثنائية معركة الزبداني بكل تفاصيلها، خصوصاً لناحية أساليب القتال النوعية التي يتبعها الجيش السوري ومجاهدو المقاومة، ضمن عملية تطويق قاعدة المجموعات الإرهابية الأهم غرب العاصمة دمشق.
هذه الأساليب التي ظهرت منذ بداية المعركة في الرابع من تموز الحالي، أكدت ما كان يحكى عن التناغم عالي المستوى في تنفيذ العمليات بين الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في المعارك الإستراتيجية المشتركة، كالقصير والقلمون وريف درعا، وأخيراً على أرض الزبداني. ففي كل معركة تختلف طبيعة الرقعة الجغرافية لساحة القتال وحتى المناخ والطقس، ومع ذلك يبدو أن هذا التناغم كان أكثر من عالي المستوى على أرض الزبداني، أو كما وصفه بعض المحللين العسكريين بـ «الإبداع العسكري المذهل».
وتتلخص أساليب معركة الزبداني من خلال المناورة بمفردات العمل العسكري للوصول إلى الهدف المنشود، وهو السيطرة على المدينة، بين عمليات التسلل المباغت والانتشار في البساتين والأحراش في سهل الزبداني، والتثبيت والالتفاف والكمائن.
فمن حيث الصورة العامة للمعركة كان العمل يتركز باتجاه:
1- قضم التلال والمرتفعات الحاكمة لسهل الزبداني بطريقة مدروسة، بهدف تركيز نقاط الرمايات النارية البعيدة لتغطية كل ممرات تحرك المسلحين الداخلية بين قطاعات المدينة والخارجية الواصلة مع نقاط إمدادها، وبذلك تكون الإمكانية مضاعفة لتحقيق الضربات، إن كان بالصواريخ أو المدفعية الثقيلة بمختلف أنواعها، وهو ما يسمى بالعلم العسكري بـ «الصبائب النارية».
2- فتح كل نقاط النار أثناء الهجوم بوقت واحد وبشكل متزامن. وهذا التكتيك على قدر ما يحمل من أهمية لتشتيت قوة العدو على قدر ما يحمل من خطورة إن لم يكن تنفيذه دقيقاً للغاية، وهو ما يثبت نجاح غرفة العمليات العسكرية بقيادة العملية ونجاعة قراراتها.
3- بداية دخول القوات البرية المختصة بمعارك الالتحام المباشر مع المجموعات الإرهابية ضمن الكتل، بعد أن أمنت الوحدات، المختصة بمعارك البساتين والأحراج، الجبال والغابات المحيطة بمشاركة واسعة لسلاح الجو والمدرعات .
4- تكامل أساليب القتال والتكتيكات، بحيث أصبح لطلقة الالتحام المباشر تأثير الصبائب النارية، مع تحول المعركة إلى داخل أحياء وشوارع وأبنية المدينة .
ومنذ بداية العملية في الزبداني كانت برزت هذه الأساليب النوعية لتحقيق الإنجازات، والأخبار كانت تأتي يومياً عن نقاط جديدة ومرتفعات تتم السيطرة عليها. ولم تكن هذه العمليات عشوائية أو هدفها توسيع نطاق السيطرة بشكل اعتباطي، ولم يتضح ذلك جيداً إلا بعد أن أحكمت السيطرة الكاملة على سهل الزبداني. ففي اليوم التالي لإعلان بداية المعركة كان التحرك باتجاه تطويق الزبداني وعزلها عن محيطها بعد قطع الطريق الشمالي الرئيسي للمدينة وعزلها عن سرغايا، وفي اليوم ذاته تمت السيطرة على تل السنديان شمال غرب المدينة وقلعة الكوكو في الجنوب الغربي، ما يعني أنه، وبأقل من يومين، تم تشكيل قوس شمالي غربي - جنوبي غربي التقت القوات في منتصفه عند مرتفع كفر عامر الذي يرتفع 1411 متراً عن سطح البحر، والمشرف على منطقة الجمعيات وقلب المدينة.
بداية السقوط العملي للزبداني كانت عند استكمال القوس من الجهة الجنوبية الغربية، وباتجاه الجنوب، وذلك بإحكام السيطرة على الطرق الرئيسية، حيث تم الإشراف نارياً على شارع جمال عبد الناصر والذي يعد المدخل الجنوبي الرئيسي للمدينة وحي السلطاني الذي يشكل امتداده الطريق إلى مضايا. وهنا بات المفصل الرئيسي لتحول نصف القوس الشرقي إلى حلقة مغلقة هو إكمال الإمساك بنقاط المدخل الجنوبي الشرقي، فكانت السيطرة على تلة بقين ودرب الشام ودرب الكلاسة على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب شرق الزبداني.
وبذلك كان إعلان إكمال الحلقة حول المدينة، وإحكام السيطرة على كامل سهل الزبداني هو أمر طبيعي بعد أن تم وصل الممرات المغطاة نارياً من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي ومن ثم الشمال الشرقي. وبشكل تلقائي انتقل التقدم لتوسيع نطاق السيطرة باتجاه تمشيط المزارع والحقول الواقعة غرب بقين ومضايا، وبذلك انتقلت المعركة من خارج الطوق إلى داخله باتجاه تجمعات المسلحين المتحصنين في المدينة، خصوصاً في ساحة العارة، ودوار السيلان، ومنطقة الجسر، ودرب الحصبة.
وبذلك أيضاً يمكن أن يقال انه سقط في معركة الزبداني، المقسمة بحسب طبيعتها إلى فصلين، سهل الزبداني ومدينة الزبداني، الفصل الأهم فيها بإحكام السيطرة على السهل كاملاً، لاسيما أن «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» كانا يعولان على عدم قدرة الجيش السوري والمقاومة الخوض في بساتين سهل الزبداني نتيجة التحصين القوي وتدشيمهم المموه بدقة على مدى السنوات الثلاث لتحصنهما في المنطقة، وبالتالي فإن معركة ما تبقى من المدينة، على رغم صعوبتها، لن تقف أمام تقدم القوات المسلحة السورية والمقاومة اللبنانية لإعلان الزبداني منطقة محررة وبالكامل تحت السيطرة، سهلاً ومدينة.
دي ميستورا
وقبل ساعات من توجهه إلى دمشق، عبر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، في بيان، عن قلقه البالغ على المدنيين في مدينة الزبداني.
وقال دي ميستورا، نقلا عن مصادر محلية، إن «الجيش السوري ألقى عددا كبيرا من البراميل المتفجرة على الزبداني، ما أوقع مستويات غير مسبوقة من التدمير، وعدداً كبيراً من القتلى بين السكان المدنيين». وأضاف أن تحالفا يعرف باسم «جيش الفتح» استهدف قريتي الفوعة وكفريا حيث حوصر عدد كبير من المدنيين. وتابع «في كلتا الحالتين حوصر المدنيون بشكل مأساوي وسط المعارك».
سيف عمر الفرا
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد