معرض تشكيلي بريطاني في دمشق
في قائمة تضم 22 فناناً تشارك لوحاتهم في معرض للفن البريطاني في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، المقام في كلية الفنون الجميلة في دمشق حتى 12 نيسان (أبريل)، نجد إسمين فقط لم يغلق قوس التواريخ في جوارهما على عامين. فجميع من تضمهم القائمة توفوا، باستثناء جون كراكستون (1922-) والان دافي (1920-).
26 لوحة أصلية أتى بها المجلس الثقافي البريطاني الى دمشق، بعدما سافرت وجالت في معارض ومتاحف، وهي معروضة مباشرة للجمهور، وبعضها غير مغطى بالزجاج. ولكن في المقابل هناك حراس لحماية اللوحات، يجفلهم «فلاش» الكاميرا، فيهمون الى تحذير الزوار: «التصوير مسموح لكن من دون فلاش».
بعض اللوحات ما زال مدرجاً في قيد الممتلكات الشخصية وغالبيتها من مقتنيات متحف الحرب في بريطانيا. لماذا متحف الحرب؟ لا يتعلق ذلك فقط بأن اللوحات رسمت خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، أو ابان انتهائها، بل ايضاً لأن العديد ممن رسموها عملوا في ما سمي بـ «هيئة فناني الحرب»، والتي أسستها الحكومة البريطانية «من أجل خلق سجلات وذكريات للحرب من طريق لوحات رسمها افضل الفنانين البريطانيين في ذلك الوقت»، وعملت على تصوير الحرب بجميع اشكالها، اذ ان اكثر من 300 فنان كانوا موجودين على الجبهة. ومنهم جون بيير وغراهام سوذيرلاند وهنري مور وبول ناش وستانلس سبينسر. وضمت هذه الهيئة فنانين عملوا مع الحكومة كفناني حرب رسميين، بعد ان أحدثت الحرب نقصاً في مواردهم.
وعلى رغم التكرار الكثير لمفردة الحرب في التقديم للمعرض او الفنانين المشاركين فيه، فإن الحرب لا تحضر في شكل مباشر في اللوحات المعروضة، ولا حتى على غرار ما نجد في ما تعزفه «اوركسترا الجيش». الحرب حاضرة بوصفها الحدث الذي أحدث «خللاً» في الفضاء الإبداعي الذي شهد فترة انتعاش وتبادل في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ومنه يأتي عنوان المعرض «من اللابناء الى التجريد»، ومما يرد في التقديم للمعرض ان الدمار الذي ساد في الحرب ادى بالفنانين «الى العودة الى النهج التعبيري والطبيعي في التعبير البصري، وبعد الحرب استخدم الفنانون فنهم وسيلة لاستيعاب الصدمة وإعادة بناء هويتهم المهتزة وإيجاد الامل».
تعبر اللوحات المشاركة عن تنوع في الأساليب الفنية، نجد لوحات فيها واقعية تعبيرية، إذ تصور مشاهد طبيعية او بعضاً من فضاءات المدينة، و لوحات انطباعية وأخرى تجريدية. كما يسود المعرض ايضاً تنوع في الموضوعات وطرق التشخيص.
هناك لوحات تولي المضمون اهمية كبيرة، وتتلقف ادق التفاصيل، وبعضها يعتمد على ايحائية قوية في اللون مغفلة التشخيص، ومهملة المضمون تماماً، كما في لوحة روجر هيلتون (1911-1975) التي لا يظهر فيها سوى خطين متقاطعين على كامل مساحة اللوحة، وفي زاويتها السفلى يقف خط صغير، عريض وملون في مواجهة مع المساحة الرمادية وســواد الخطوط. ويوصف اسلوب هيلون بأنه «اختبر بطرق مختلفة وصف الاشكال في الفراغ»، والمفارقة في مسيرة هذا الفنان انه اضطر الى ملازمة الفراش بعد سوء حالته الصحية فعكف على رسم الحيوانات والعصافير! وربما ان هذه المفارقة، بعد ميله الى التجريد، تتصل بحسه الفكاهي الذي يقال انه لم يفقده حتى مع تدهور صحته.
وفي لوحات أخرى نجد بداية تأثرات بالتكعيبية وبعض الاشارات الى بيكاسو، كما في لوحة جون كراكستون «كالاتاس» التي يظهر فيها اوائل المهاجرين الذين قدموا الى بريطانيا في سنوات ما بعد الحرب. واللافت ان كراكستون الذي تحضر لوحته ضمن معرض فناني الحرب، كان رفض من الخدمة العسكرية خلال الحرب، عام 1941، وهو يستقر في كريت منذ عام 1960واستمر في تطوير مواضيعه الرومانسية.
وتحضر بعض تأثيرات الحرب على نحو مختلف عند غراهام سوذيرلاند (1903-1980)، الذي عيّن فناناً حربياً عام 1940، وبعد ان كانت لوحاته تهتم بمناظر الطبيعة قبل الحرب، صارت اعماله، بعد الحرب، تعكس انطباعه عن قسوة الحياة كما في لوحته المعروضة «شجرة الشوك».
وإذا كانت الحرب أثرت في اساليب التعبير الفنية لدى الرسامين، فهي تركت تاثيراً نهائياً في حياة بعضهم. اذ ان اصغر فناني الحرب هو ريتشارد البيرت، وبعد تعيينه فناناً حربياً عام 1944 بعشرة اشهر قاد سيارته الى حقل الغام ولقي حتفه فيه، بعمر الخامسة والعشرين. وتــغدو ظلال الحرب غير مرئية، او محسوسة، في لوحات فنانين آخرين، ومنهم فنانو «مغسلة المطبخ» الذين احتفوا بالحياة اليومية للناس العاديين، والتــســمية مستوحاة من لوحة (معروضة) لجون براتبي يصور فــيها اصدقاءه على مائدة الفطور ويظــهر فيها كل التفاصيل بما فيها مغــسلة المــطبخ.
وبعض الفنانين الذين يستضيف المعرض لوحاتهم، كانوا انتموا الى مدارس فنية ومجموعات، ونجد ان غالبية الأسماء أدرجت ضمن تجمع «سانت ايفس» جنوب غربي بريطانيا، كما هناك من لم ينتموا الى أي مدرسة أو تيار فني.
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد