مصر: سباق بين الدم والمخرج الدستوري
استيقظت مصر، أمس، على مجزرة مروّعة، تعكس حجم المخاطر التي تحيق بالبلاد، في ظل سعي «الإخوان المسلمين» لاستعادة نظامهم المنهار، فقد قتل 54 شخصاً وأصيب أكثر من 500 آخرين، في اشتباكات عنيفة دارت رحاها أمام مقر الحرس الجمهوري، حيث يعتصم مؤيدو الرئيس المخلوع محمد مرسي منذ عزله يوم الأربعاء الماضي.
وفيما سارع «الإخوان المسلمون» إلى استغلال المجزرة، التي تعددت الروايات بشأنها، لتأليب الرأي العام الداخلي والخارجي ضد «الانقلاب العسكري» (على حد وصفهم لـ«ثورة 30 يونيو»)، مطلقين لهذا الغرض حملة إعلامية شرسة، بدت مرتبكة ومضللة، فإن تعامل العهد الجديد مع هذا التطور الأمني الخطير اتسم بهدوء لافت، تبدّى على مستويين: الأول عسكري، حيث قدّمت القوات المسلحة أدلة مُحكمة لإلقاء المسؤولية على مؤيدي الرئيس المخلوع، محذرة إياهم من مغبة جر البلاد إلى الاقتتال الداخلي، والثاني سياسي، حيث صدر ليل أمس الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية، فيما تتجه أزمة تشكيل الحكومة إلى الحل.
وتوحي المعطيات الميدانية والسياسية بأن «الإخوان المسلمين»، قد انتقلوا إلى مرحلة متقدمة جداً في «حرب استعادة الكرسي»، فبعد فشل محاولتهم احتلال ميدان التحرير يوم الجمعة الماضي، وإخفاق «حزب النور» السلفي في عرقلة «خريطة المستقبل» التي وضعتها القيادة العسكرية، يبدو أن رهانهم ينصبّ حالياً على نجاح خطة بديلة تحظى بمباركة السفيرة الأميركية آن باترسون، وتقوم على فكرة استهداف القوات المسلحة والتهويل بالسيناريو السوري أو الجزائري، لتكثيف الضغوط على العهد الجديد في الداخل والخارج.
مجزرة «الحرس الجمهوري»
وعند ساعات الفجر الأولى من يوم أمس، وقعت مجزرة دار الحرس الجمهوري، حيث قتل 54 شخصاً وأصيب نحو 500 في اشتباكات عنيفة بين القوات المسلحة ومناصري «الإخوان»، في ظروف غير واضحة.
وقال متظاهرون إنهم تعرّضوا لهجوم بالرصاص الحي والخرطوش والقنابل المسيلة للدموع خلال أدائهم صلاة الفجر، متهمين الجيش المصري بتنفيذ «مذبحة» ضد مؤيدي مرسي. وعلى الفور، شرعت الشبكات الالكترونية التابعة لـ«الإخوان»، ووسائل الإعلام العربية والأجنبية القريبة منها في شن حملة ممنهجة ضد «إجرام» القوات المسلحة، وسط دعوات من قيادات «إخوانية» إلى انتفاضة ضد «حكم العسكر»، تزامناً مع صدور بيان عن «حزب الحرية والعدالة» يطالب المجتمع الدولي بـ«التدخل» ضد «النظام الانقلابي»، وتجنب تكرار السيناريو السوري في مصر.
في المقابل، أكد الجيش المصري أن «إرهابيــين مسلحـــين» هاجموا دار الحرس الجمهوري وقتلوا ضابـــطاً ومجنداً وأصابوا ستة آخرين بجروح خطيرة. ودحض المتحدث العســـكري العقيد أركان حرب أحمد علي اتهامات «الإخوان» بعـــرض مجموعة من التسجيلات التي تبيّن استخدام مؤيدي مرسي للمسدسات وقنـــابل المولوتـــوف في استهداف دار الحرس الجمهـــوري، ولجوء المواقع «الإخوانية» إلى عرض صور لأطفال قتلوا في سوريا للإيحاء بأن الجيش المصري يستهدف شعبه.
«خريطة المستقبل»
وبدا أن المؤتمر الصحافي الذي عقده المتحدث العسكري قد قطع الطريق أمام محاولات «الإخوان» استغلال المجزرة، التي أمر الرئيس المؤقت عدلي منصور بتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابساتها، في وقت أكدت الرئاسة المصرية، على لسان المستشار الإعلامي أحمد المسلماني، أن ما حدث في مدينة نصر لن يؤثر على تنفيذ خطوات «خريطة المستقبل» المقترحة للمرحلة الانتقالية.
وليل أمس، أصدر عدلي منصور إعلاناً دستورياً، ينص على إجراء انتخابات تشريعية قبل العام 2014. وتضمن الإعلان الدستوري تعيين لجنة دستورية في أقل من 15 يوماً يكون أمامها مهلة شهرين لتقديم تعديلاتها على الدستور الى الرئيس الانتقالي، على أن يقوم الأخير بطرح هذه التعديلات على استفتاء شعبي خلال شهر، ثم تنظم انتخابات تشريعية خلال شهرين. وسيُعلن لاحقاً عن موعد لتنظيم انتخابات رئاسية.
كذلك، بدا أن العهد الجديد قد تجاوز أزمة الحكومة، بعد رفض «حزب النور» السلفي تكليف محمد البرادعي ومن ثم زياد بهاء الدين بتشكيلها، وانسحابه من العملية الانتقالية بعد مجزرة «الحرس الجمهوري».
ويبدو أن الاختيار قد وقع على الدكتور سمير رضوان، وزير المالية في الأشهر الأولى لـ«ثورة 25 يناير»، لتشكيل حكومة تكنوقراط، يتولى فيها زياد بهاء الدين حقيبة الاستثمار، وهاني دميان حقيبة المالية - علماً أن الأخير كان مسؤولاً عن ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي في حكومة محمد مرسي، لكنه استقال اعتراضاً على سوء الإدارة وتضارب السياسات - فيما تقرر الاكتفاء بالرموز السياسية، كالبرادعي، في تشكيلة مستشاري الرئيس المؤقت، خاصة أن عمر الحكومة لن يتجاوز غالباً ستة أشهر، بعد مطالبة أطراف عديدة بتسريع إيقاع المرحلة الانتقالية.
خطة باترسون
وبدا أن مطابخ السياسة في القاهرة كانت مكترثة برصد «حرارة» واشنطن، أكثر منه برائحة الدم الفائر على الإسفلت في شوارع البلاد وميادينها، فقد دان البيت الأبيض الدعوات الصريحة إلى العنف التي أطلقتها جماعة «الإخوان المسلمين في مصر»، لكنه شدد على أن الإدارة الأميركية «ستأخذ وقتها قبل أن تقرر ما إذا كان عزل مرسي جاء نتيجة انقلاب عسكري».
بذلك، تقترب خطة آن باترسون من الفشل. والسفيرة التي تراهن علي مستقبلها ومستقبل نموذجها في الحكم (شراكة العسكر والإسلاميين) لم تعد قادرة على الدفاع عن الرئيس المعزول وجماعته، وقد يعلن البيت الأبيض التراجع قريبا جدا.
وتعتمد خطة باترسون على التهديد بالسيناريو السوري (حرب عسكرية أهلية بين الجماعة والجيش والمعارضة)، ورغم فقدان الأمل في عودة محمد مرسي الى الحكم، أو استمرار الجماعة في سيطرتها على مقاليد الأمور، إلا ان الخطة سارت عبر عدة مراحل:
الاولى، محاولة إقناع الجيش بعودة مرسي ليوم واحد فقط لكي يعلن بنفسه التنحي، وقد ضغطت أجنحة في الإدارة الأميركية ومعها أطراف تركية من أجل هذا السيناريو الذي روّج على أنه حل «دستوري». وبناء على هذا السيناريو حشدت «الإخوان» امس الأول جماهيرها لاستقبال «المرسي المنتظر» في الثامنة، والاحتفال بالعودة للحكم، معللة التأخر في الإعلان بأنه مناقشة لمصير السيسي.
المرحلة الثانية، بدأت بالتزامن مع الاولى: وتضمنت حسب مصادر سياسية اتصالات باترسون مع سلفيين («حزب النور» تحديدا) لتتم خطوات عرقلة تشكيل الحكومة ولعب دور «الطرف المعطل»، أولا مع البرادعي وبعد ذلك مع زياد بهاء الدين، بينما رشح حزب النور شخصيات من ذاكرة حكومات مبارك أو ما قبلها (مثل كمال الجنزوري وعبد العزيز حجازي)، ليأتي بعد ذلك رئيس «حزب مصر القوية» و«الإخواني» المنشق عبد المنعم أبو الفتوح الذي من ناحيته ما زال يطرح مبادرات تخص مرة «الاستفتاء على مرسي» ومرة اخرى «الخروج الآمن»، و«حزب النور» نفسه يطرح مبادرات ما زالت مترددة بين الاعتراف بأن عهد مرسي انتهى ومجاراة أحلام الإخوان في ان يكون ما حدث مجرد كابوس وسيمر.
خطة باترسون تجد صداها في خطة «الاخوان» التي يديرها من غرفة عمليات مركزية محمود عزت (نائب المرشد وسليل الجناح العسكري)، وعبر ضابط اتصال في رابعة (محمد البلتاجي) وواجهة إعلامية (عصام العريان)، وتتخذ من حادثة الحرس الجمهوري منحى أكثر تركيزاً على الدم والضحايا وتصوير بشاعة ما حدث على أنه استكمال «انقلاب الجيش على مرسي».
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد