مصر تندفع إلى التورط في الحرب الليبية
دخلت روسيا سريعاً على خط الحرب الليبية خلال الساعات الماضية، لمنع مواجهة عسكرية محتملة بين مصر وتركيا على حدود مدينة سرت الليبية (450 كلم شرقي العاصمة)، بعد يوم على تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أعلن فيها اتخاذ قرار بتدخل جيشه «لمساندة أبناء القبائل وقوات المشير خليفة حفتر في الدفاع عن سرت»، وذلك عقب أقل من أسبوعين على هزائم قاسية تلقتها قوات حفتر على حدود العاصمة طرابلس أمام قوات حكومة «الوفاق» المدعومة عسكرياً من تركيا. ورغم القرار الأممي حظر تصدير السلاح إلى ليبيا والانتقاد المصري للموقف التركي المعلن بتزويد «الوفاق» بالسلاح والمقاتلين (خاصة السوريين)، أعلن السيسي صراحة استعداد الجيش المصري لتدريب أبناء القبائل في القاهرة وتزويدهم بالسلاح، مؤكداً أن «المحروسة» لن تقبل «وجود تهديد على حدودها الغربية»، بل ستتدخل لمساندة أبنائها «في مواجهة المعتدين» وليس لأي أغراض أخرى.
الرئيس المصري اختار القاعدة العسكرية في سيدي براني بمدينة مطروح قرب الحدود الغربية لإيصال رسالته، مستضيفاً مشايخ القبائل الداعمين لموقفه إضافة إلى إجراء استعراض للأسلحة والقوات، لكنه حرص على تأكيد أن تحرك القوات سيكون بتعليمات أبناء القبائل لتحقيق أهدافهم فقط، مع «انسحاب فوري عقب استكمال المهمة». كما وصف التدخل وآلياته بأنه «وفق القوانين الدولية وبناء على استجابة لطلب الليبيين أنفسهم»، موعزاً بالتنسيق لاجتماع لمجلس النواب الليبي من أجل طلب التدخل المصري عسكرياً رسمياً لمواجهة التدخلات التركية. يأتي كل ذلك بعدما أخفقت مبادرة «إعلان القاهرة» التي أعلنها «الجنرال» بمشاركة المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، والتي دعت إلى استئناف المفاوضات فوراً مع وقف النار. ويبدو أن «الوفاق» قررت استغلال الفرصة وتقوية أوراق تفاوضها والتقدم بسرعة لاستعادة سرت والجفرة وباقي المناطق التي كانت تسيطر عليها قبل 2015، بل يتردد أن أنقرة ستقيم فيها قواعد عسكرية معلنة.
وفق مصادر مطلعة، تنبع الرغبة التركية في العودة إلى حدود 2015 قبل بدء التفاوض بكسب المزيد من الأرض للحصول على قدر أكبر من المكتسبات، خاصة مع وجود تصورات مسبقة لكل طرف من أطراف النزاع يريد فرضها، حتى لو كانت ستنتهي بحلول وسطية يقدم فيها الجميع تنازلات. أما المصريون، فيرون أن العودة إلى هذه الحدود تنسف ما تمّ خلال السنوات الخمس الماضية، ولذلك يستحيل أن تقبله، خاصة مع تغيّر الواقع العسكري، مع وجود نحو عشرة آلاف مقاتل سوري وأسلحة تركية متطورة. تقول المصادر إن جزءاً من المعضلة في الموقف المصري هو التحول الصعب من رفض التعاون مع «الوفاق» علناً بعدما وُصفت بـ«الإرهابية»، في موقف اتخذته السعودية والإمارات الداعمتان لتدخل السيسي عسكرياً، بل استعدتا في سبيل ذلك للتمويل الكامل (راجع: ضغط خليجي لتدخل مصري عسكري علني، 15 حزيران)، بل سارعتا إلى دعم تصريحات السيسي الأخيرة، فضلاً عن تأييد أردني مشابه هدفه استمالة موقف مصري أقوى مقابل خطة الضم الإسرائيلية للضفة المحتلة.
أما رئيس حكومة طرابلس، فائز السراج، فيسعى رغم ما سبق إلى استمالة القاهرة مجدداً لتكون على الأقل طرفاً غير منحاز، وهو مسار مستمر، بل ظهرت بوادر جديدة فيه خلال الأيام الماضية مع التنسيق لعودة المصريين الذين تعرضوا للاختطاف في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومته، فضلاً عن تنسيقات غير معلنة على مستوى مخابراتي. كما أن التنسيق بين القاهرة وطرابلس عاد بوضوح بعد انقطاع طويل، وهو ما أوحى بانخفاض التصعيد خلال الأسبوع الماضي. لكن كلام السيسي السبت تسبّب في استنكار شديد من «الوفاق» التي حاولت في الوقت نفسه تأكيد أنها لن تسمح بـ«تهديد الأمن القومي المصري»، بل أعلنت استعدادها للدفاع والقتال حتى لا يخرج أي إرهابيين من ليبيا إلى مصر، وهي تصريحات يعوّل عليها أطراف كثيرون، منها موسكو، لوقف الاندفاع إلى الحرب. بالتوازي، يسعى السراج إلى كسب أكبر تأييد عربي لتحركاته، وهو ما كرره خلال زيارته الجزائر التي التقى خلالها الرئيس عبد المجيد تبون، في الوقت الذي يتمسك فيه حفتر بمصر كوسيط في أي تفاوض.
تقول مصادر عسكرية إن قوات «الوفاق» أحرزت تقدماً كبيراً في الأسابيع الماضية، لكن الوضع خلال الأيام الأخيرة صار هادئاً بدرجة كبيرة. مع ذلك، تنتظر القوات التي سارعت إلى الانقضاض على جيش حفتر بسرعة، بعد استعادة توازنها وإحكام سيطرتها على العاصمة والمدن المحيطة بها، إشارة التحرك تجاه سرت، وهو ما سعت القاهرة إلى وضع خط أحمر أمامه باستعدادها للتدخل فوراً في تحرك ستنفذه القوات الجوية أولاً، وفق المصادر الأخيرة، على أن يتبعه تحرك للقوات البحرية والبرية، طبقاً لـ«خطة شاملة ومتدرجة أعدّها الجيش» واطّلع السيسي على تفاصيلها كلياً السبت.
الأخبار
إضافة تعليق جديد