مسرحية وعكة عابرة: أداء جميل ومحتوى هزيل
دخلت إلى مسرح الحمراء في دمشق مساء الأربعاء 24/10/2007 لمشاهدة العرض المسرحي «وعكة عابرة» لمخرجه فايز قزق تمثيل مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، أقول دخلت الى المسرح حاملاً في روحي تعاطفي ومحبتي للفنان فايز قزق بسبب تاريخه الفني لاسيما المسرحي.
كما لم أنكر مودتي النابعة من تقديري لجهود أعمال خريجي المعهد لكن الدقائق الأولى للعرض كانت كافية لكشف العرض فكرياً فلدينا مريض رب أسرة يدخل إلى المشفى بسبب وعكة صحية عابرة برفقة كامل أسرته الأبناء وزوجاتهم والبنات وأزواجهم، فنتعرف بعد ذلك ضمن سياق الأحداث إلى حجم التفكك الأسروي الموجود في هذه الأسرة ومدى الإنهاك والتعب الموجود على صعيد معيار القيم، إذاً المكان هو المشفى وثمة آراء تتحدث عن الإسقاط الممكن هنا فالبلد يمكن أن يكون هو المشفى، حسناً ولكن لماذا يحاول العرض الربط بين مضمونه أي تلك الأزمة الأسروية وأسبابها الواقعة في خارجها، أي لماذا لم يركز على العوامل الموضوعية التي أوصلت الأسرة لتصير بحالتها تلك من الانحلال والتحلل.
لماذا افتقدنا للصراع الدرامي المتصاعد في هذا العرض ؟ ورغم كل هذه الملاحظات فإن العرض مميز من الناحية الإخراجية أي هو عرض فيه بذخ إخراجي لكن هذا الترف الإخراجي لم يقترن بحدث مسرحي يوازيه وحمل هذا الإخراج مجموعة ممثلين مميزين تمكنوا من تشكيل رافعة فنية عبر أدائهم العام وإنسجامهم الفني. رغم أن البعض وصل لحدود الاستعراض في أدائه «جابر جوخدار»بينما تفرد عدد من هؤلاء بأداء استثنائي «رنا شميس» بدور الأم الحامل فقد قدمت مشهداً من أروع مشاهد العرض كما تميز جمال سلوم بدوريه.. أما فرزدق ديوب الذي لعب دور رئيس قسم الاستقبال في المشفى فكان أداؤه جميلاً مشوقاً وكوميدياً كان الأطرف في شغله التمثيلي. أما كوميديا العرض فقد وظف مخرج العرض كل أشكال الكوميديا المعروفة بدءاً من المبالغة في الحركة والعائدة للهزل إلى المفارقة في المعنى مروراً بكوميديا الموقف وليس انتهاءً بالحمق والحماقة.
مدة العرض «ساعتان» كانت طويلة وكان خروج عدد من المتفرجين من الصالة مؤشراً على هذا الأمر كما أن الصالة المستصلحة حديثا افتقرت للتكييف فتحولت البروشورات الباذخة إلى مراوح يدوية في أيدي الناس.
لفت انتباهي مدى الشكر الذي وجهه المخرج إلى مجموعة ماس الاقتصادية التي مولت العرض، وهي تستحق ذلك بالتأكيد لكن بدورنا نستحق كمتفرجين أن يوجه لنا المخرج شيئاً عن المسرح.
طبعاً في النصف الأول من العرض غلبت الكوميديا على معظم المشاهد وفي نصفه الأخير تغلبت التراجيديا على الكوميديا فغاب هنا «علوش» وظرافته وخفة روحه ليحل محلها حكايات الأسرة الداخلية واهتراؤها القيمي والمعنوي.
بدورنا سننسى تقويمات بعض الذين استمعنا لرأيهم بعد انتهاء العرض التي ركزت على كلمة «عرض نص نص» ونطالب بمزيد من العروض المدعومة تمويليا من القطاع الخاص ويكفي أن نقول لمن يقرأ ويهتم بأحوال المسرح أن المسرح من أكثر الفنون المهددة بالتوقف والاضمحلال وذلك حين يفقد الحرية حسب جان فيلار.. أما الراحل سعد الله ونوس فذكرنا أن هذا الفن توهنه القيود .
«وعكة عابرة» العرض الذي قدّم على مسرح الحمراء اشتغل بعقلية شباك التذاكر وأملنا أن تعاد صياغة مضمونه ليتم التخلص من الوعكة الفكرية التي وقع بها وأملنا أن تكون عابرة.
مصطفى علوش
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد