مستقبل علاقات الكوريتين وأسباب هجوم بيونغ يانغ على سيول
الجمل: تطرقت التقارير الإعلامية والتحليلات السياسية بشكل مكثف خلال اليومين الماضين للتصعيدات العسكرية الجارية في منطقة شبه الجزيرة الكورية، وبرغم ذلك، فقد أغفلت هذه التقارير والتحليلات الإجابة على التساؤلات الرئيسية الهامة، وبدلاً عن ذلك فقد اكتفت حصراً برصد التطورات الدراماتيكية، وسوف نحاول هنا الإجابة بقدر الإمكان على أبرز التساؤلات المتعلقة بالأبعاد الإستراتيجية: لماذا سعت كوريا الشمالية إلى المبادرة بالقصف المدفعي المكثف؟ ولماذا لم تسعَ واشنطن بالمقابل إلى الالتزام بحماية حليفتها الرئيسية في المنطقة كوريا الجنوبية التي يصفها الخبراء الإسرائيليون بتسمية "إسرائيل الشرق الأقصى"؟ وهل سوف تشكل الوقائع الجارية في شبه الجزيرة الكورية مرحلة جديدة من خارطة الحسابات الدولية المتعلقة بالردع الإستراتيجي والردع الإستراتيجي المضاد؟
* بؤرة أزمة بيونغ يانغ-سيول الجديدة: لماذا القصف المدفعي؟
تحليل المعطيات الجارية في مسيرة الصراع في منطقة شبه الجزيرة الكورية يحيلنا إلى العديد من الأبعاد والخلفيات التي شكلت محفزات الأداء السلوكي العسكري الكوري الشمالي، وفي هذا الخصوص نشير إلى النظريات التفسيرية الآتية:
• النظرية التفسيرية الأولى: بادرت كوريا الشمالية لجهة القيام بقصف الجزيرة الكورية الجنوبية الواقعة على حدود البلدين البحرية، وذلك على أساس رغبة بيونغ يانغ في تصعيد صراعها مع سيول حول ملف السيادة على الجزر البحرية المتنازع عليها ومن بينها هذه الجزيرة.
• النظرية التفسيرية الثانية: بادرت كوريا الشمالية لجهة القيام بقصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل ردع نتائج المناورات البحرية الكورية الجنوبية-الأمريكية، خاصةً أن القصف الكوري الشمالي قد جاء بعد نصف ساعة من انتهاء المناورات الكورية الجنوبية-الأمريكية التي تمت باستخدام الذخيرة الحية.
• النظرية التفسيرية الثالثة: بادرت كوريا الشمالية لجهة قصف الجزيرة الكورية الجنوبية بسبب إدراك بيونغ يانغ بأن المناورات الكورية الجنوبية-الأمريكية هي المقدمة التي سوف يعقبها قيام محور واشنطن-سيول بشن هجوم واسع النطاق ومفاجئ ضد كوريا الشمالية.
• النظرية التفسيرية الرابعة: بادرت كوريا الشمالية لجهة القيام بقصف الجزيرة الكورية الجنوبية لأغراض الردع الاستباقي، وذلك بما يتيح إرسال رسالة واضحة الإشارات لمحور سيول-واشنطن، مفادها أن بيونغ يانغ في حالة جاهزية كاملة لمواجهة كل الاحتمالات.
• النظرية التفسيرية الخامسة: سعت كوريا الشمالية لقصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل إجهاض المكاسب التي حصلت عليها كوريا الجنوبية بسبب انعقاد قمة العشرين الأخيرة في سيول، ونتائج زيارة الرئيس الأمريكي أوباما خلال هذه القمة، وتأسيساً على ذلك، فإن عملية القصف هدفت إلى إذلال كوريا الجنوبية أمام الرأي العام الكوري الجنوبي والعالمي.
• النظرية التفسيرية السادسة: سعت كوريا الشمالية إلى قصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل ردع أي احتمالات مستقبلية لقيام واشنطن وحلفاءها بنشر مشروع شبكات الدرع الصاروخي في الأراضي الكورية الجنوبية واليابان.
• النظرية التفسيرية السابعة: سعت كوريا الشمالية إلى قصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل تعزيز موقف بيونغ يانغ الداخلي، وذلك بما يؤدي إلى ردع المعارضة الداخلية، إضافة إلى تعزيز مشاعر القوة في أوساط الكوريين الشماليين بأن التحركات الأمريكية-اليابانية-الكورية الجنوبية لن تؤدي إلى إلحاق أي ضرر بتوجهات ومواقف بيونغ يانغ.
• النظرية التفسيرية الثامنة: سعت كوريا الشمالية إلى قصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل توفير غطاء القوة والنفوذ الكافي لجهة تمرير مشروع تنصيب الرئيس الكوري الشمالي الجديد.
• النظرية التفسيرية التاسعة: سعت كوريا الشمالية إلى قصف الجزيرة الكورية الجنوبية بسبب حسابات كبار الجنرالات العسكريين الكوريين الشماليين، والذين أكدت المعلومات والتقارير بأنهم يملكون من النفوذ والقوة بما يجعلهم يتخذون أخطر القرارات العسكرية دون الرجوع للقيادة السياسية الكورية الشمالية.
• النظرية التفسيرية العاشرة: سعت كرويا الشمالية إلى قصف الجزيرة الكورية الجنوبية من أجل إرسال رسالة واضحة إلى بكين وموسكو مفادها أن أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان ودول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وبقية حلفاء أمريكا قد بدوا أكثر نشاطاً لجهة إنفاذ مخطط استهداف كوريا الشمالية، وبالمقابل فإن بكين وموسكو إذا تقاعسا عن القيام بحماية كوريا الشمالية، فإن بيونغ يانغ مستعدة لإشعال المنطقة لجهة اندلاع الحرب النووية والتي سوف تلحق الكثير من الأضرار بروسيا والصين المجاورتان لكوريا الشمالية.
حتى الآن، تشير الوقائع الجارية إلى احتمالات صحة كل واحد من هذه النظريات التفسيرية العشرة، ولكن برغم ذلك، فإن الأداء السلوكي السياسي خلال الأسبوع القادم سوف يكشف أي واحدة من هذه النظريات يمكن وصفها بأنها الأكثر صحة لجهة المصداقية في تفسير أسباب ومحفزات القصف الكوري الشمالي ضد الجزيرة الكورية الجنوبية.
* الصراع في شبه الجزيرة الكورية: إلى أين؟
تشير الحسابات الإستراتيجية الجارية المتعلقة بالصراع في شبه الجزيرة الكورية إلى تضارب نوعين من النظريات هما:
- نظرية حافة الحرب: وتتضمن الافتراض بأن كوريا الشمالية تظل أكثر اهتماماً بتوتير بيئة الصراع في المنطقة، بما يتيح لبيونغ يانغ الإمساك لفترة أطول بزمام المبادرة والسيطرة وفرض التهديدات الأمنية-العسكرية الخطيرة العواقب، بما يجعل المنطقة في حالة البقاء على حافة الحرب الشاملة، وبالتالي على حافة الحرب النووية المؤدية إلى الدمار الشامل.
- نظرية المؤامرة: وتتضمن الافتراض بأن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تظل تلوح بالتهديدات ضد كوريا الشمالية، وفي نفس الوقت لا تهتم بأي رد فعل جدّي تجاه كوريا الشمالية، وذلك بما يتيح لبيونغ يانغ التمادي في تهديد المنطقة، وهو التمادي الذي سوف تستغله واشنطن لجهة القيام بابتزاز كوريا الجنوبية واليابان والصين، بحيث تقبل اليابان وكوريا الجنوبية عن طوع واختيار تقديم المزايا والتسهيلات لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي، وتقبل الصين عن طوع واختيار تقديم التنازلات لأمريكا مقابل ألا تقوم أمريكا بإشعال المواجهة ضد كوريا الشمالية.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن حالة من الإحباط والغضب قد استشرت في أوساط الكوريين الجنوبيين، وذلك بسبب الإدراك المتزايد في أوساطهم بأن الاعتماد على القدرات الأمريكية في الدفاع عن كوريا الجنوبية هو مجرد رهان خاسر، وبالمقابل تقول المعلومات والتسريبات بأن واشنطن فاجأت الجميع بعدم السعي لجهة التعاون مع حليفتها كوريا الجنوبية من أجل طرح ملف القصف على طاولة مجلس الأمن الدولي، وبدلاً عن ذلك، برزت ردود الأفعال الأمريكية ضمن اتجاهين:
• اتجاه رد الفعل الأمريكي الأول: السعي لممارسة الضغط الدبلوماسي عن طريق محاولة إرغام بكين على ممارسة الضغوط الكافية بما يؤدي لاحتواء الخطر الكوري الشمالي، وفي نفس الوقت السعي لإفهام بكين بأن أمريكا قد تعاملت بقدر كبير من ضبط النفس إزاء ما قامت به كوريا الشمالية من تجاوزات، وبالتالي، فإن على بكين أن تقوم بتقديم المقابل لواشنطن، طالما أن منطق السياسة الأمريكية البراغماتية يقول صراحة أن الشيء مقابل الشيء، ولا ضبط نفس أمريكي بلا ثمن صيني مقابل.
• اتجاه رد الفعل الأمريكي الثاني: السعي لاستغلال الفرصة وإرسال المزيد من القدرات العسكرية الأمريكية إلى منطقة شبه القارة الهندية، وفي هذا الخصوص أصدرت القيادة الأمريكية الباسيفيكية قرارها بإرسال حاملة طائرات أمريكية ومعها مجموعة الضربة المرافقة لها من أجل التمركز في المناطق البحرية المطلة على كوريا الشمالية.
تقول المعلومات بأن أمريكا تسعى حالياً إلى ترتيب أوراق أزمة شبه الجزيرة الكورية، والسعي لجهة استخدام هذه الأوراق بما يتيح لواشنطن عقد صفقة مع بكين وموسكو تتيح لواشنطن الحصول على تنازلات روسية-صينية في الملفات الإقليمية الأخرى المختلف عليها، وعلى وجه الخصوص ملف أفغانستان، وملف الدفاع الصاروخي وملفات الشرق الأوسط والقوقاز وغيرها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد